أميركا و«إسرائيل» للبنان: غزة أم سورية؟
ناصر قنديل
– يقع لبنان في الرؤية الأميركية الإسرائيلية في منطقة وسط بين رؤيتين قائمتين واقعياً، واحدة تجسّدها السياسة الأميركيّة الإسرائيلية نحو قطاع غزة وثانية تجسّدها الرؤية الأميركية الإسرائيلية نحو سورية، في نموذج غزة المعروض هو القتل المفتوح والتدمير الممنهج، وحرب الإبادة المفتوحة أمام العالم والعرب، وصولاً الى مشروع التهجير والاحتلال الدائم والاستيطان؛ وفي نموذج سورية، دولة شكليّة بلا جيش حقيقي، أي دون شبكة رادارات ودفاع جوي وسلاح جو وقدرة صاروخيّة، والتخلي الرسمي عن الأرض المحتلة في الجولان، وشرعنة السيطرة الإسرائيلية على منطقة الجنوب المكوّنة من ثلاث محافظات يجب أن تبقى منزوعة السلاح يدخلها جيش الاحتلال ويخرج منها على هواه، والالتزام بملاحقة كل من يناصب “إسرائيل” العداء ولو لم يشرع بعمل ضدها، واعتباره تهديداً محتملاً يجب تحييده، والمقابل هو شرعيّة منقوصة وتمويل بالقطارة وعبث بالنسيج الداخلي الهش وإثارة دائمة للنعرات والحمايات.
– في لبنان من يتوهّم أن بمستطاع أميركا و”إسرائيل” تطبيق نموذج غزة على لبنان، وهذا الجزء من لبنان يشارك في الترويج للتهويل بنموذج غزة، ويتوهم أن بمستطاع لبنان السير بنموذج سورية، وهذا الجزء من لبنان لا يتوانى عن العمل ليل نهار لتسويق الدعوة للسير بالنموذج السوري، وتصويره طريقاً للخلاص، وتجميل العائدات الوهمية الاقتصادية والسياسية دون النظر إلى المقارنة الواقعية التي تكشفها كيفية التعامل مع سورية بمجرد التزام حكومتها بما طلبته أميركا و”إسرائيل”، فهل تستطيع أميركا و”إسرائيل” تطبيق نموذج غزة على لبنان وهل يستطيع لبنان تطبيق نموذج سورية؟
– قبل الجواب على السؤالين، لا بدّ من التذكير بأن قيمة نموذج سورية هي أن يبلغنا بأن القضية الوهمية التي يحاول بعض اللبنانيين زرعها في العقول، حول ربط الاستهداف بوجود سلاح المقاومة، يُسقطها المثال السوري، الذي كان يفترض أن ينال جوائز أميركية وإسرائيلية لما قدمه من مكاسب لأميركا و”إسرائيل” ضد المقاومة وسلاحها. فالحكم السوري الجديد أخرج إيران وأخرج حزب الله من الأراضي السورية وقطع خط التواصل بينهما عبر سورية المعروف بطريق الإمداد، ولكن الأهداف الأميركية الإسرائيلية المتصلة بموقع سورية في الجغرافيا السياسية للإقليم، لا علاقة لها بما إذا كان يشكل حكمه خطراً على أمن “إسرائيل” أم لا وما إذا كانت حكومته تنوي مواجهة السياسات الأميركية أم لا، وتجريد الجميع في هذا الإقليم من عناصر القوة هو سياسة لا تميّز بين مقاومة وجيوش، بدليل ما حلّ بمقدرات الجيش السوريّ من تدمير شامل رغم وقوعها بيد الحكم الجديد، الذي يؤكد الحرص على الرضا الأميركي وطمأنة “إسرائيل” إلى منع أي نشاط قد يستهدفها من الأراضي السورية.
– نموذج غزة الذي يهدّد به الأميركي والإسرائيلي يعني إسقاط وقف إطلاق النار، لأن ما يجري اليوم هو سقف الممكن مع الحفاظ على وقف إطلاق النار، وإسقاط وقف إطلاق النار يعني إسقاط منطقة جنوب الليطاني باعتبارها منطقة سيطرة أحادية للجيش اللبناني، واجتياحها من جيش الاحتلال لبلوغ مناطق تمركز المقاومة والسير بخطة الحرب لأجل تصفيتها، أو تحويل جنوب الليطاني منطقة حرب ما يتكفل بإطاحة ترتيبات القرار 1701 وانتقال المواجهة البرية إلى الجبهة الحدودية. وفي الحالتين، سوف تكون المعركة البرية هي الأساس، والاحتلال يعلم أن تجربته في مواجهة الستين يوماً بين 27 أيلول و27 تشرين الثاني كانت في أسوأ ظروف مرّت على المقاومة، ورغم ذلك كانت نتيجتها كارثيّة على جيش الاحتلال، فكيف إذا دارت المواجهة في ظروف أفضل للمقاومة وقد رمّمت الكثير مما أصابها، هذا عدا عن ما قد تحمله الحرب من مفاجآت في حضور مختلف للقوة النارية للمقاومة بخلاف التوقعات.
– نموذج سورية الذي يستسهل بعض اللبنانيين قدرة السير فيه يتجاهل حقيقة أن منطقة النزاع وهي الجنوب وامتدادها نحو البقاع والضاحية الجنوبية، تمثل مكوناً لبنانياً طائفياً موحداً حول المقاومة، وزادته الحملات التي تستهدف سلاح المقاومة تمسكاً بالسلاح، خصوصاً في ظل التطورات السياسية اللبنانية والفلسطينية والسورية التي جعلت السلاح حاجة وجودية وليس فقط وطنية وسياسية، وفي لبنان حول فكرة المقاومة التفاف لشرائح عابرة للطوائف تمثل إضافة للطائفة التي تمثل بيئة المقاومة المباشرة، وهذا الالتفاف يمثل وزناً لا يمكن تجاهله، بحيث إن وصفة النموذج السوري تعني شيئاً واحداً في لبنان هو الحرب الأهلية، ولذلك ينشأ ميزان قوى جديد هنا لرفض السير بالنموذج السوري، بإضافة وزن المقاومة وطائفتها وداعميها إلى وزن رافضي الحرب الأهلية، ثم إن السير بالنموذج السوري يعني القبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، فيُضاف إلى كل اوزان رافضي النموذج السوري، رافضو التوطين، وفي النهاية سوف يظهر أن أنصار هذا النموذج هم أقليّة عاجزة عن وضعه فوق الطاولة.
– الأصحّ هو أن بمستطاع لبنان أن يقدّم نموذجاً ثالثاً، يسند غزة دون أن يعلن جبهة إسناد ويحالفها، ويفتح طريقاً مختلفاً أمام سورية دون أن يخاصمها، نموذج عقلانيّ واقعيّ للصمود السياسي والوحدة الوطنية والإرادة على حسن إدارة الوقت والموارد، والصبر بانتظار الفرص المناسبة.