kayhan.ir

رمز الخبر: 98786
تأريخ النشر : 2019August04 - 20:31

الجنوب بين الانقسام والانفصال

فيصل الجعفري

بعدما حصل اليوم في عدن طالعنا تصريحات وردود افعال مختلفة

وبعضها لا يمكن وصفها سوى بالطفولية وهي تسهم في ضياع قضية الجنوب . وتسيء اليها .

لانها تظهر القائمين عليها بانهم قصيري النظر ومتهورين وعنصريين.

وهذا يخدم الطرف الآخر الذي يدفع بعدم أهلية المنادين بهذه القضية ليكونوا ممثلين لشعب الجنوب .

المفروض في مثل هذه الأوقات العصيبة ان تتجه كل الجهود لتضميد الجراح واظهار الحقيقة للداخل والخارج .

بدلا من الاتجاه لهذه التحريضات الطائشة التي تضر باللحمة الوطنية .

و تدعو لبث الكراهية وقطع الطرقات وإغلاق الحدود ومضايقة ابناء المناطق الشمالية في الجنوب والذين ليس لهم اي ذنب فيما حصل.

طبعا بالنسبة للصاروخ البالستي الذي ضرب معسكر لإجلاء في البريقة بعدن .

فان الحوثيين وعبر عضو المجلس السياسي الأعلى الاستاذ محمد البخيتي قد أعلنوا مسؤوليتهم عن العملية واعتبروا ان ضرب معسكر للشرعية يعتبر هدف مشروع لهم .

وكانت في الامس قد ترددت أنباء عن اتفاقات بين أنصار الله والإماراتيين تم خلالها تبادل معلومات وأخذ ضمانات من الامارات بعدم دعم الانفصاليين مقابل عدم استهداف الامارات بالصواريخ والطائرات المسيرة وهذه التفاهمات تمت بتنسيق إيراني .

أما بالنسبة لموضوع القاعدة في عدن .

ترجح العديد من الاراء انه لا ينفصل عن عمليات الاغتيالات السابقة لقيادات متصارعة على السلطة في الجنوب .

ولا ينفصل عن عمليات اغتيال الخطباء والأئمة في محافظة عدن .

وربما تكون عمليات انتقامية منسقة ايضا مع جهات خارجية لها علاقة بتصفية الحسابات بين أطراف خارجية وداخلية .

المستغرب هو ان مثل هذا النوع من الضربات والتفجيرات لم تحدث سوى بعد التفاهم الإماراتي الإيراني

وايضا لم تحدث سوى بعد انسحاب القوات الاماراتية من عدن او من هذا المعسكر .

وبالعودة للحديث عن التصريحات وردود الفعل لما حصل اول أمس في عدن

انا اعرف ان البعض للأسف سينجر وراء مثل تلك التصريحات المتشنجة التي تجانب الصواب والحق والعدل .

وعلى العموم هي تصرفات غير مسؤولة سوف ترتد سلبيا على وجوه أصحابها وسوف تنعكس سلبيا على المكاسب التي حققها الجنوب الى اليوم .

وسواء رضينا أم ابينا لا بد ان يدرك الجميع ان من قام بتفجير السيارة في مركز الشرطة هو من ابناء الجنوب ومن أفشى باسرار المعسكر وحدد احداثياته هو جنوبي ومن قام بالاغتيالات في الجنوب خلال الفترة الماضية هم جنوبيين ايضا

والذين لا زالو متخفين ومعهم السيارات المفخخة هم ايضا جنوبيين.

ولا استبعد ان يكونوا من اوساط الذين يدعون لهذه التصرفات والتحريضات ضد الشماليين .

وستكشف الأيام صدق هذا الكلام .

كما كشفت ذلك من قبل فجميع من تم فضحهم ممن قاموا بالاغتيالات في عدن كانوا من ابناء الجنوب .

ومن قاموا ببيع المعسكرات في حرب ٩٤ كانوا جنوبيون وجميع من تركوا أسلحتهم ولم يطلقوا طلقة واحدة مع قيادات الجنوب هم جنوبيون .

ومن يخربون ويهملون عدن اليوم هم جنوبيون .

وهم يرمون بفشلهم على شماعة الشمال .

بصراحة نحن نشعر بالمرارة من التصرفات العنصرية للبعض ممن كنا نظنهم رفاقنا وعزوتنا في يوم من الأيام .

سوف اذكر لكم قصة لاحد الزملاء فقد كان يكذب ويستنكر اي قصة تأتي من الجنوب تتحدث عن التصرفات العنصرية الغير مبررة ضد ابناء الشمال .

زميلنا هذا ولا داعي لذكر اسمه كان لازال يحتفظ ببطاقة شخصية لليمن الديمقراطي من العام ٨٨ .

فصادف ان ذهب هو وعائلته في رحلة للعلاج الى مصر وطبعا عبر مطار عدن.

فاخذ نفسه ومعه بطاقته الجنوبية القديمة كتذكار عزيز وغالي .

وطبعا لديه بطاقة جديدة ولكن قال ان تلك البطاقة ستكون لها وقعها الخاص في الجنوب .

المهم وصل صاحبنا الى نقطة في الحبيلين فتم توقيفه هو ومن معه .

فبرز من بين الجماعة وأخذ يحاول مع الشباب الذي في النقطة لكي يسمحوا له بالمرور هو ومن معه .

وعجزت جميع توسلاته في ذلك فقام وأخبرهم انه كان يدرس في النجمة الحمراء واخرج بطاقته الجنوبية واعطاها لمسؤول النقطة .

لكي يثبت كلامه ويكسب وده . فقرأ مسؤول النقطة بيناتها فوجد ان صاحبنا من مواليد مدينة دمت التابعة للشمال قبل الوحدة . فقام برمي تلك البطاقة الى الأرض باستهزاء وقال له انت دحباشي من دمت وهذه البطاقة طز فيها .

الرجل انصدم مما حصل . وقال انه شعر بمرارة شديدة للوضع الأخلاقي الذي وصلت اليه هذه العينات من الجنوبيين .

و بعد حوالي ساعتين يتوسل بها تم السماح له بالمرور لمرافقة عائلته الى المطار .

مثل هذه التصرفات أكيد طبعا انها لا تكون فردية بل تكون تنفيذا لاوامر قيادات موتورة .

وهي على كل حال تضر القضية الجنوبية كثيرا حتى عند المتعصبين لها .

ربما يستغرب البعض على التشدد الذي أبديته في التحذير من هذه التحريضات لكن انا اعرف ان الكثيرين يتفهمون هذه المخاوف .

فما ذنب المواطن الشمالي المسكين الذي يدفع ثمن مثل هذه التحريضات الجاهلة .

قد يظن البعض ان هذا ربما يكون انتقام لما حصل من الحوثيين .

وهذا مفهوم خاطى .

للعلم ان الحوثيين يملكون السلطة في اغلب مناطق الكثافة السكانية في الشمال .

وهذه المناطق جميعها خاصة في المدن وخطوط النقل لاتخلو شوراعها وطرقاتها من مطاعم وفنادق ومكاتب وعيادات ومستشفيات ومحلات تجارية لكثير من الجنوبيين . فلماذا لا يقومون بنفس هذه التصرفات معهم؟

لماذا لا يقوم المواطن الشمالي الذي يحرض ضده في الجنوب بتقليد هذه الأعمال ضد الجنوبيين في الشمال؟

لماذا لا يقوم مسؤولي النقاط بتقليد التصرفات التي يقوم بها الجنوبيين ؟

قد يظن البعض ان هذا الكلام تعصب ضد الجنوب . بل العكس هو حب وحرص على اظهار الجنوب بوضع اخلاقي محترم .

أما عكس ذلك فلابد ان يعلم الذين يستمرؤون تلك التصرفات انه سياتي اليوم الذي يندمون فيه على هذا .

ففي الاول والأخير لن يستطيع اي فصيل في الجنوب مهما علا شانه تقرير مصير الجنوب بمفرده .

وعلى هذا الفصيل ان يحسب حساب الآخرين من ابناء الجنوب .

كما ان على هذا الفصيل ان يعلم ان الشمال وفي هذا المجال يمكن القول انه كل الشمال لن يفرط بالوحدة تلبية لرغبة من هذه المنطقة او تلك.

والشمال يا أصدقائي فيه فئات كثيرة تتفهم مظالم الجنوب .

ولكن الذي يجمع عليه الشماليون ان من يتكلمون اليوم على انهم من يمثلون كل الجنوب هو انهم ليسوا كذلك .

وكذلك لا بد من القول انه على الرغم من ظهور آراء تتفهم ان الوحدة بشكلها الحالي لم تعد تضيف اي جديد للوطن والمواطن .

وايضا بدأت تنشأ قناعات كثيرة ولكنها لدى الطبقات المثقفة فقط .

ان الجنوب مثل عبأً كبيرا على الدولة اليمنية باعتبار ان الجنوب الذي يمثل سكانه حوالي ١٥٪ من سكان الجمهورية اليمنية يستأثر بحوالي ٧٠ ٪ من الدرجات الوضيفية في الدولة . وهذا الموضوع قد وضحه بالتفصيل احد الكتاب الجنوبيين في مقال مفصل قبل أسبوعين وهو الاستاذ فتحي بن لزرق .

وللعلم ان كثير من المشاريع في المناطق الشمالية موقفة منذ التسعينات .

ومنها الطرقات والحواجز المائية والسدود والمدارس والجامعات .

وكل ذلك بسبب توجيه اكثر من ٧٠ ٪ من الميزانية في السنوات التي اعقبت الوحدة وحتى ٢٠١١ كل تلك الميزانية وجهت لإعادة بناء الجنوب على حساب الشمال .

لكن مع ذلك من الصعب ان تقنع السواد الأعظم في الشمال ان الانفصال هو الحل . وهم العامة الذين يرون في الوحدة قوة للوطن .

مع انهم لا يستفيدون من الوحدة اي شيء . ومع ذلك يتمسكون بها بكل قوة .

ومثلهم العامة في الجنوب يعتقدون ان خيرات الجنوب ينهبها الشماليون . لانهم كثير وارضهم صغيرة .

بينما نحن قليل وارضنا كبيرة .

لكن في مقابل ذلك يفهم العارفون من الصفوة في الجنوب ان الجنوب ان انفصل فانه سيكون في ورطة كبيرة .

فهم يعرفون ميزانية الدولة ومن أين تأتي الإيرادات .

ومن يدفعها . والى أين تذهب .

ويعرفون ان الجنوب كما قال الشهيد علي احمد ناصر عنتر في خطاب مرة في الجنوب ربما بعضكم يتذكره .

قال : ( قمنا بالثورة واخرجنا الاستعمار وعندما اردنا ان نحكم ونقيم الدولة لم نجد اي موارد تساعدنا على إقامة تلك الدولة لا تجارة ولا زراعة ولا اي شيء فقمنا بالتأميم ) .

ومع ذلك لم ينفع ذلك فلجأوا للفكر الاشتراكي كمنقذ من الفشل وبعد ذلك تكفلت المنظومة الاشتراكية بالجنوب واستمر الحال هكذا حتى انهارت الاشتراكية .

فجاءت الوحدة لتحمل الجنوب من الضياع . لذا استجابت لها قيادات الجنوب .

قد يقول البعض اني ابالغ في وصف ذلك ويقول لدينا ميناء عدن . ولدينا مصافي عدن ولدينا ثروة سمكية ولدينا نفط في شبوة وحضرموت .

ونقول نعم . ولكن هل يعلم احد منكم لماذا لم يستفد الجنوب من ميناء عدن عبر كل السنوات التي ظل فيها منفصلا ؟ .

ولماذا لم يستفد من الثروة السمكية؟

ولماذ لم يستفيد من النفط ؟

الجواب طبعا غير معروف .

اولا اي ميناء في العالم مهما كانت درجة أهمية المكان الذي يقع فيه فان هذا المكان لوحده لا يكفي لجعله ميناء مهم وقادر على در الأموال للبلاد .

فمثلا قناة السويس رغم ان الحكومة المصرية تأخذ ايجار عبور على كل سفينة تمر بها فان هذه القناة تحقق مبلغ بسيط لا يمثل حتى عشرة في المئة من ميزانية مصر .

ففي احسن حالات القناة تصل ايراداتها حوالي ٤ مليار دولار سنويا .

ولفهم الموضوع الذي ينعكس معناه لفهم أهمية ميناء عدن . فقد قامت احدى شركات النقل الصينية العملاقة باستئجار منطقة على ضفاف القنال في الإسماعيلية وفعلا تم ذلك وقدمت الحكومة المصرية لهذه الشركة كل التسهيلات الممكنة . لتنشيط الحركة في القنال .

لكن الشركة رغم كل التسهيلات والإعفاءات الضريبية . بعد حوالي ٣ اشهر من بدأ العمل في القنال قررت ترك المكان والانتقال الى تركيا بدلا عن قناة السويس .

السؤال الذي يجب ان نفهم جوابه جميعا هو لماذا انتقلت الشركة الصينية من ضفاف قناة السويس وهو ممر عالمي بين الشرق والغرب لتحل في الموانىء التركية ؟

الجواب باختصار ان النقل البحري يشبه نقل الركاب تماما .

اذا كان لديك راكب ويريد ان تاخذه الى مكان معين ومن هذا المكان يستطيع ايضا ان يعود بركاب اخرين ويستفيد من الجهتين فهل ستختلف المشارطة على الأجرة فيما لو كان المكان الذي تاخذه اليه مقطوعا وسيضطر صاحب المركبة للعودة فارغا أكيد ستختلف الأجرة وفقا لذلك.

الذي حصل مع الشركة الصينية انها كانت تأتي بحمولات من البضائع فتضعها في الميناء المصري ولكنها تضطر للعودة فارغة من مصر بسبب عدم وجود ما تحمله منها فكانت تتحمل خسائر كبيرة نتيجة لذلك .

فاضطرت للتخلي عن العقد المغري مع مصر وانتقلت الى تركيا لانها دولة صناعية مصدرة وبالتالي فهي تحضر لها البضائع وفي المقابل لا تعود فارغة بل انها تعود ايضا محملة بمختلف البضائع الى مختلف بلدان العالم فتستفيد من ذلك ولا تعود فارغة .

وهنا يجب ان نفهم ماذا يعني ميناء جبل علي في دبي ولماذا تذهب السفن اليه بدلا من ان تأتي لميناء عدن .

وهذا الأمر ينسحب على بقية الأمور الأخرى فالموقع لوحده لا يحقق الثروة.

حتى لو قارنتم ميناء عدن بميناء الحديدة فان الأخير يتفوق عليه بالأهمية والإيرادات . لنفس الأسباب السابق ذكرها .

وفيما يخص النفط فان الكمية بسيطة بالكاد تكفي لتغطية الحاجة في السوق المحلية .

وحتى لو زادت الكمية عن الحاجة المحلية بمقدار بسيط .

فان هذا المقدار لا يكفي لإقامة أعمدة دولة وكذلك موضوع الأسماك ايضا في ظل التجريف البحري فان هذه الثروة في تناقص مستمر .

وهي غير كافية مهما كانت متوفرة لبناء الدولة التي يحلم بها الجنوبيون البسطاء الذين يتم التلاعب بعقولهم بهذه الأحلام لتحقيق غايات سياسية لهذا الطرف او ذاك .