لحظات حاسمة في معارك الغوطة
لحظات حاسمة في معارك الغوطة
ناصر قنديل
– أربعة أخبار تختصر المشهد في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية، تقدّم متسارع للجيش السوري في الأماكن التي صارت كلها متساوية الأهمية عسكرياً واستراتيجياً، بعدما قسم الغوطة لثلاثة أجزاء تحت الحصار، وحرّر الباقي. والخبر الثاني حال الانهيار التي تعيشها الجماعات المسلحة بعدما تمّ فصلها عن بعضها كلّ في منطقة، فتبادل الأسرى لديها بخروج جرحاها، وتعلن مجالسها المدنية البحث بإخلاء المدنيين. أما الخبر الثالث فهو ما شهده مجلس الأمن الدولي من تهديدات بالتحرّك العسكري من طرف واحد، على لسان كل من مندوبي فرنسا وأميركا، الأول معطوف على فرضية استخدام السلاح الكيميائي، والثاني معطوف على فشل مجلس الأمن بإقرار هدنة لشهر كامل بلا شروط. أما الخبر الرابع فهو الدعوة الأميركية العاجلة لاجتماع لجنة الارتباط الروسية الأميركية الأردنية لمناطق خفض التصعيد التي ترعى التهدئة جنوب سورية، بعد غارات للجيش السوري على مواقع لجبهة النصرة في جنوب غرب سورية .
– الواضح أن المساعي الغربية والعربية لشدّ عصب الجماعات المسلحة بالخطابات والضغوط الدبلوماسية لحثها على المزيد من الصمود، فقد قدرته على التأثير في ضوء حجم التغيير العسكري الحاصل ميدانياً، وأن المعطيات لدى قادة الغرب وحلفائهم تقول بانهيارات دراماتيكية عسكرية وسياسية في وضع هذه الجماعات بات في الأفق ما لم يحدث شيء كبير يغيّر مجرى الأحداث. والواضح ثالثاً أن ثبات روسيا وراء سورية وحلفائها في الخيار العسكري لم تضعفه التهديدات الأميركية والفرنسية، لا في هذه الجلسة لمجلس الأمن ولا في ما سبقها، وأن السيناريوات التي سبق وتم تداولها صارت أمام الاختبار العملي أو حسم الأمر لصالح سورية وروسيا وحلفائهما، وما لذلك من تداعيات على توازنات تتخطّى الغوطة وربما سورية، بعدما وصل عرض القوة المتبادل بين موسكو وواشنطن ذروته مع الخطاب النووي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
– تبدو الجلسة العاجلة التي دعت إليها واشنطن للجنة الارتباط محاولة أخيرة لوقف التقدم السوري بالتوازي مع سيناريو ميداني تعتبره موسكو ودمشق آخر خرطوشة أميركية فرنسية، وعنوانها استخدام سلاح كيميائي من الجماعات المسلحة لتبرير تدخل عسكري غربي سبق الحديث عنه، في ظل قرار روسي سوري يضم الحلفاء جميعاً بالتصدّي لأي عمل عسكري غربي بهذه الذريعة، سواء جاء على طريقة قصف مطار الشعيرات قبل عام، أو على نمط سيناريو متداول لقصف صاروخي بالستي لعشرات الأهداف السورية العسكرية والاستراتيجية، كان حذّر بوتين في خطابه قبل عشرة أيام من أنه سيستدرج رداً روسياً من العيار الثقيل.
– الأسئلة الصعبة تواجه القرار الأميركي في ساعات حاسمة، بين تسليم باليد العليا لروسيا في المنطقة والتراجع عن أي عمل تضمنته التهديدات الأميركية والفرنسية، وبالتالي تسليم بانتصارات سورية متدحرجة من الغوطة إلى ما بعدها جنوباً وشمالاً، وإلا فدخول الميدان بمخاطرة قد تبدأ بعمل تقول واشنطن وباريس أنه محدود، معرّض للتحوّل إلى مواجهة تخرج عن السيطرة، وتتجاوز بمفاعيلها الصراع الدائر في سورية والمنطقة، لتصير مواجهة عالمية. والواضح أن الدعوة الأميركية لاجتماع عمان، لا يهدف فقط لبحث حلول تحفظ ماء الوجه وتجد مخارج لا تبدو سهلة، بل أيضاً لجس النبض الروسي حول حجم الرد في حال القيام بعمل عسكري محدود، والسعي لتسويقه كما حاولت واشنطن بعد أحداث خان شيخون وضربة الشعيرات، أو كما حدث في عهد الرئيس السابق باراك أوباما يوم جاءت الأساطيل الأميركية إلى البحر المتوسط بنيّة الحرب، بعد تصنيع ملف كيميائي في الغوطة عام 2013، وما بين المستويين في الخيارات الأميركية، التي تبدو جميعها موضع تحذير روسي من التبعات والتداعيات.