فرصة عودة الوعي
غالب قنديل
الصدمة التي أثارها قرار ترامب فلسطينيا وعربيا توفر فرصة نادرة وثمينة كما قال السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير وقياس الوضع ما بعد القرار يتضح باسترجاع ما قبله فقد كنست مظاهرات الرفض والاعتراض بين المحيط والخليج وانتفاضة فلسطين مناخا مشحونا بالهواء المسموم للفتن والانقسامات والعصبيات التي حركتها حروب الوكالة الأميركية الصهيونية الرجعية.
سطعت فلسطين فوق كل الغيوم التي لبدت بفعل فاعل فوق ادمغة الناس في البلاد العربية ونار فلسطين كعادتها تزيل الأوساخ الثقيلة المتراكمة لفتن الأنظمة والطبقات الحاكمة عن جميع العقول فتنقشع الصورة ويتبدد الوهم.
كان حافلا بالمواجهات التي تميز انتفاضة الأرض المحتلة وارتبكت المؤسسة الصهيونية التي احتفلت بقرار الرئيس الأميركي في مجابهة التداعيات التي تفرضها انتفاضة الشعب الفلسطيني بينما الرجعية العربية التي هللت لصفقة القرن ادعت المفاجاة بقرار احيطت به علما قبل صدوره من واشنطن وغلبها ارتباك واضح بعدما لجمت حملاتها الفتنوية كأنما أصابها الخبل لمرأى الشارع العربي يتفلت من السلاسل القذرة التي قيدت بها العقول وهيمنت على وسائل الإعلام .
عبرة التاريخ العربي ان إحياء التناقض الرئيسي مع الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي يعيد الحياة إلى الشارع ويرجع نبضه الخافق وفلسطين في البداهة هي القضية المركزية لأن إسرائيل هي القاعدة المركزية للهيمنة ومولد الحروب والآفات ومحرك المذابح والفتن وجاءت السنوات الأخيرة بما لا يقبل الجدل من الوقائع الصلبة عن ضلوعها في دعم عصابات التكفير والإرهاب وبما لم يسبق لأحد ان تخيله من قبل.
إن الصورة التي سوقتها الدوائر الغربية والرجعية العربية لإسرائيل قامت على زعم تناقض وجودي بين الكيان الصهيوني وعصابات القاعدة والأخوان بينما فضحت الوقائع مقدار اعتماد تلك العصابات في سورية على العون الصهيوني المنسق مع كل من المخابرات السعودية والأردنية تحت الرعاية الأميركية العليا.
استمرارية الانتفاضة وتصاعدها احتمال قائم بقوة حتى لو تراجعت واشنطن عن قرارها او أجلته كما يفترض بعض المراهنين على سذاجة الجمهور لأن الناس يختبرون مفاعيل قوتهم في الشوارع والميادين وكل تحول سياسي قد يقع سيزيد من ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لذاتهم والشاهد ان ما سبق وقوعه حول المسجد الأقصى كان من عوامل التحفيز المعنوي للانتفاضة الراهنة.
من أهم عناصر التثوير والتحفيز في الداخل ان تتواصل التحركات الشعبية في الدول المحيطة بفلسطين وهذه مهام راهنة على القوى الوطنية والشعبية العربية التصدي لها في العراق وسورية ولبنان والأردن ومصر واليمن وسائر الدول العربية عموما.
المواكبة الإعلامية للحراك الشعبي هي ضرورة حاسمة لتوسيع مدى الترددات والانعكاسات على حركة الوعي الشعبي ويفترض ان تكون فرصة سانحة لتصفية حساب جذرية وشاملة مع خرافة السلام الأميركي ولكنس اوهام التسويات وترسيخ إدراك واضح وعميق لمعاني وعد ترامب المتمم لوعد بلفور في إطار تحضير الكيان الصهيوني لمشروع الدولة اليهودية بعد الاستيلاء الناجز على القدس واستكمال حفريات الهيكل المزعوم لمطابقة الخرافة الصهيونية عن أرض الميعاد.
كان الاستيلاء على القدس مقدر التحقيق في جدول الأعمال الإمبريالي الصهيوني بعد النجاح بتدمير سورية والعراق وتمزيق مصر والتخلص من المقاومة اللبنانية والفلسطينية التي بذلت جهود مكثفة لتدجين قياداتها بتعاون وثيق مع كل من السعودية وقطر وتركيا واستعملت فيه ادوات مالية وسياسية واستخباراتية كثيرة.
رغم مفاجأة نهوض سورية والعراق والمقاومة اللبنانية وخروج محورالمقاومة منتصرا من الحرب الكبرى بالوكالة ظلت الأجندة الصهيونية على حالها ونفذ ترامب حصته من الالتزامات المقررة مسبقا بعلم الحكومات العربية التابعة لأن الحركة الصهيونية لا تمهل ولأنه يندفع في حضن اللوبي الصهيوني محتميا من هجمات المؤسسة الحاكمة المنخرطة في تهويد القدس بجناحيها الجمهوري والديمقراطي رغم مجادلات التوقيت التي ترددت في بعض دوائر الدبلوماسية الأميركية.
هذا المسار الجديد سيتواصل معه على الأرض كل ما يتصل بحركة تهويد القدس والاستيلاء عليها ومحو هويتها العربية وهذا امر يتخطى الجدال الثقافي والمعتقدي إلى خطر وجودي على الشعب الفلسطيني في وطنه فتتمة الدولة اليهودية حملة اقتلاع وتهجير شاملة إلى الأراضي الافتراضية المحددة في سيناء والنقب وفقا لخرافة صفقة القرن التي تروجها الحركة الصهيونية بالتعاون مع الرجعية العربية وأساسا مع المملكة السعودية وبتوجيه السيد الأميركي ومخطيء كل من يتوهم اننا امام موجة عابرة من التغييرات والتحديات ومتخاذل كل من يزعم انتماء وطنيا او قوميا او إنسانيا ويجبن عن واجب التصدي والمقاومة ولو بالكلمة.