حين تعمل الفتوى في خدمة "إسرائيل"
رفعت سيد أحمد
مع اقتراب الذكرى الحادية عشر للعدوان الصهيوني على لبنان في تموز/ يوليو 2006، نتذكّر كيف أن "السياسة" لم تكن وحدها هي التي تآمرت على لبنان ومقاومته، بل أضيف إليها "الدين" و"الفتوى" حين استُخدما على نطاق واسع ضد هذه المقاومة الباسلة، لنزع شرعيّتها وخدمة للعدوان الصهيوني وللأنظمة العربية التي تحالفت معه آنذاك.
قبل أن نخوض في تحليل ذلك الحدث وفتاويه نقول أن ذات الأمر لايزال يُستخدم اليوم وسط الإرهاب الداعشي الذي هو الوجه الآخر للإرهاب الصهيوني، نفس الفقهاء والساسة، والدول، يقومون بذات الدور في خدمة واشنطن وتل أبيب، ولكن الجديد في يومنا هذا في 2017 أنهم صاروا أكثر فُجراً ووضوحاً مما سبق عام 2006، إنهم اليوم يبالغون في الخصومة المذهبية لتستخدمها السياسة في أسوأ صورها، تلك التي تمارسها مشيخيات الخليج ( الفارسي ) ودعاته من الوهّابيين القائمة مدرستهم على التكفير ورفض الآخر.
في ذروة العدوان الصهيوني على لبنان أفتى أحد شيوخ النفط، بأن نصرة حزب الله في حربه المقدّسة ضد العدو الصهيوني، حرام، وأنه لا يجوز الدعاء له، ووفقاً لنص فتواه، فإن هذا الحزب، حزب رافضي، خارج عن ملّة الإسلام، ومن ثم لا تجوز نصرته أو مساندته في حربه ضد العدو الصهيوني، وحتى لا نكون متجنين على الرجل فلننقل نص فتواه والتي جاء فيها: "س: بدأ في الآونة الأخيرة ظهور بعض المُنادين بنصرة حزب الله اللبناني. هذا الحزب رافضي موالٍ لإيران؟ وسؤالنا: هل يجوز نصرة حزب الله الرافضي ؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنّة؟.
الإجابة: لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرّؤوا منهم وأن يخذلوا من ينضمون إليهم وأن يبيّنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة، فإن الرافضة دائماً يضمرون العداء لأهل السنّة ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم، وإذا كان كذلك فإن كل من والاهم دخل في حكمهم لقول الله تعالى (ومن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )] انتهت الفتوى .
ومن فضل الله أن العلماء الثقات، وشيوخ الأزهر الشرفاء، أن هبّوا حينها رافضين تلك الفتاوي التكفيرية، مؤكّدين أن حزب الله، حزب إسلامي، مُجاهد يدافع عن قضية إسلامية عادلة، ضد عدو للإسلام وللأمّة، وأن تلك الفتاوي تنمّ عن جهل بالفقه والدين، ولا تخدم سوى العدو الإسرائيلي ذاته الذي أسرع بدوره بنشرها على مواقع صحافته، وفي كافة أنحاء عالمنا الإسلامي حتى يزيد من البلبلة وسط جموع المسلمين والعرب.
تحرّك العلماء، وتحرّك الإعلاميون، ورفضوا دعوة الشيخ النفطي.. وكل هذا كان جيّداً ورائعاً، ولكن الأمر في تقديرنا اليوم يحتاج إلى مقاربة أكبر من مجرّد الرد على هذه النوعية المتطرّفة من فُقهاء السلفية الجديدة في بلادنا، فمثل هؤلاء الذين أصبح اليوم (2017) خطرهم أشد، لا يصدرون عن رؤية متفرّدة، إذ أن خلفهم تقف مؤسسة دينية متخلّفة وجاهلة، بل دول كاملة بسياسييها ونفطها وإعلامييها، بل إنهم يقفون ومن خلفهم صحافة عربية مُدجّنة وإعلام امتلأ فمه (بالنفط) فخرس، ولم ينطق لأن أرباب النِعَم لا يريدونه إلا أخرساً!!.
ونزيد فنقول إن صاحب هذه الفتوى، وأمثاله من شيوخ السلاطين، شيوخ أميركا و"إسرائيل"، استمدّوا بالأمس– ولايزالون اليوم- قوّتهم وتأثيرهم من كون (الأماكن الإسلامية الحجازية المقدّسة) تقع ضمن السيادة الجغرافية لبلادهم وهنا أساس المشكلة، وخطورتها، والذي كان يستلزم ممن يتصدّى للفتاوى، أن يكون واعياً ومُدركاً لخطورة ما يصدر عنه ليس فحسب من فتاوى، بل حتى من مجرّد رأي في أية قضية تمسّ شؤون المسلمين: سياسية كانت أو دينية، فمنزلة الحرمين؛ كبيرة، ومن يدّعي سيادة عليهما لابدّ من أن يكون كبيراً مثلهما وأن يكون على نفس درجة قداستهما وأهليّتهما هذا في تقديرنا هو الجانب الأهم في تلك الضجة التي أثيرت حول الفتوى، ولكنه للأسف لم يتم تناوله بشكل صريح وقاطع لأسباب معلومة، وكيف يأتي وأمثال هؤلاء الشيوخ خرسوا تماماً أمام الدلالات الخطيرة لزيارة ترامب وسرقته لأموال ونفط بلادهم وهو المفترض في عرفهم ليس فحسب (مسلماً مخالفاً) بل (نصرانياً كافراً) !! لقد خرسوا لأن وظيفتهم تقف هنا ولا يتعدّونها فهم مجرّد خَدَم للسلاطين وللحكّام.
ثانياً: وإذا ما فهمنا الأمر على هذا الأساس، يمكننا أن نعيد قراءة المشهد"، ونتابع تداعياته على مستوى (حرب الفتاوى) كامتداد للحرب العسكرية، كما جرت في العام 2006 وما تلاه حتى يومنا هذا (2017).
المؤكّد أن الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان، والحروب التالية على قطاع غزّة والدائرة اليوم في سوريا وسيناء المصرية عبر الإرهاب الممّول إسرائيلياً وأميركياً، قد فرزت الأمّة إلى معسكرين أو إلى خندقين، خندق [مَن مع الأمّة ومصالحها ودينها] و [مَن ضد الأمّة ومصالحها ودينها]، فإذا كان القرآن الكريم قد قال في محكم آياته توكيداً وجزماً [لتجدّن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا] (الآية 83 المائدة) ، فإن اليهود المعاصرين الذين اغتصب فريق منهم أرضاً إسلامية، ودنّسوا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين في فلسطين، هؤلاء اليهود الصهاينة، قطعاً هم (أشدّ الناس عداوة) لأمّة الإسلام؛ و"منَّ يتولّهم منكم فإنه منهم" كما يقول القرآن الكريم؛ والحروب الأخيرة أتت بأحداثها ومجازرها الجِسام لتحسم الأمر أمام الأمّة ولتفرز وبشكل قاطع ونهائي؛ الخنادق؛ (خندق أبناء الأمّة) و(خندق أعداء الأمّة)، في هذا الإطار تأتي مثل تلك الفتاوى وأصحابها والواقفين خلفها من ساسة وملوك، وتابعين لواشنطن وتل أبيب، ليمثّلوا الخندق المُعادي للأمّة، ولدينها، ولمصالحها، مهما تزيّنوا بعمائم أو تغطّوا بسياسات وتصريحات تدّعي حبّاً للبنان أو فلسطين وسوريا.
إن من المفيد اليوم وبعد زيارة ترامب وقيام هذا التحالف الوثيق بين دول الخليج الفارسي (وتحديداً السعودية) و"إسرائيل"، أن نضع النقاط فوق الحروف ونعلن وبوضوح؛ إن مَن يواجه "إسرائيل" بالشهادة والدم، لا يستقيم أخلاقياً أو دينياً أو سياسياً أن يطعن فيه القاعدون عن الجهاد أو الجُهلاء بالدين، وإن مَن يقاوم في فلسطين ولبنان هو وحده في تقديرنا - وفي هذا الزمان الموبوء - المعبّر عن الإسلام الحق وعن مصالح الأمّة مهما تقيّأ البعض من (القاعدين) من فتاوى أو آراء أو مواقف معلوم جيّداً أن مُحرّكها هناك في واشنطن لا هنا في عواصمنا !!.
ثالثاً: في ظلّ فتاوى التكفير التي كان- ولايزال - نفر من تيّارات الإسلام السياسي السلفي في بلادنا العربية والإسلامية يعتنقها، تستبين أمام المراقب حقيقة مزعجة، وهي أن هذه التيارات في أغلبها تضم نُخبة من الجَهَلَة بأصول الدين والفقه من ناحية، وجَهَلَة بمجريات الأحداث السياسية والإقليمية والعالمية من ناحية آخرى، وعندما يلتقي الجهلان، الجهل بالدين والجهل بالواقع المُعاش، فإن ما يترتّب على هذا اللقاء مُدمّر، وعنيف، ولنتأمّل مسار هذا (الدمار)؛ على سبيل المثال لا الحصر في سوريا اليوم حيث (داعش وأخواتها) وفي ليبيا وسيناء المصرية، إلا أن الأخطر هو أن هؤلاء جميعاً، الإرهابيون الدواعش؛ جاؤوا من المدرسة الوهّابية واحتموا بأمثال ابن جبرين ومن قبل ابن باز وغيرهما، وجميعهم استمد غلظة وقسوة فتاويه من خلال إعطائها قداسة لكونها تصدر عن شيوخ يعيشون ويهيمنون على الأماكن الحجازية المقدّسة. وهنا مربط الفرس وبيت الداء !! .
رابعاً : إذا أردنا أن نبحث عن العلاج لوقف هذه الفتاوى الإسرائيلية الهوى والدور، وإذا أردنا ألا يعود "الشيخ" إلى فتواه، وألا يتقيّأ هؤلاء الجَهَلَة كل يوم فتاوى، تُكفّر المسلمين وتحرم عليهم كل شىء تقريباً، وتساهم في خلق المزيد من الدواعش في بلادنا وتحول دون نصرة المجاهدين الحقيقيين في فلسطين وخارجها، فلنبدأ من البداية الصحيحة والوحيدة، والفعّالة: ألا وهي أن ننزع سلاح "الإفتاء"، وسلاح "الاحتماء بالمقدّسات" من بين أيديهم وأن نُعيده إلى الأمّة، فهذا هو الأسلوب الرادع لهم ولسادتهم، وهو عينه الأسلوب الإسلامي الصحيح لأنه يحمي وعن حق منزلة الأماكن المقدّسة والقِيَم الإسلامية المُنبثقة منها، وما يصدر عنها من فتاوى وما يتصل بها من شؤون، والتي ينبغي لها جميعاً أن تعود إلينا، إلى هذه الأمّة، التي ابتليت بعلمائها قبل سلاطينها.. ذلك هو العلاج.. وتلك هي البداية والله أعلم.