اردوغان المأزوم يسرح في المجهول
مع مجمل التطورات الساخنة التي شهدتها تركيا خلال المدة الماضية بدءا باسقاط الطائرة الروسية والانقلاب العسكري الفاشل وما تبعه من استحقاقات خارجية وداخلية نتيجة لتدخل بعض الاطراف الدولية كأميركا او الاقليمية كالسعودية في الانقلاب الفاشل وما لحقه من تفاهمات وتسزيات لاحقة بين هذه الاطراف المتداخلة في قضايا المنطقة وبسبب الحاجة الملحة لهم لتخطي العقبات والتفرغ الى قضايا اكبر خاصة وان تركيا باتت هشة من الداخل نتيجة للضربات القوية التي وجهها نظام اردوغان لمؤسات الدولة بالذات الجيش بعد الانقلاب حيث خلق حالة استياء كبيرة داخل المجتمع التركي وبكل مكوناته والتي تشكل المحصلة النهائية لها طيفا وسعيا من الشعب التركي حيث طالت هذه التصفيات حتى التربية والتعليم والقضاء ناهيك عن الاوضاع الاقتصادية التي تلت تلك الاحداث. اما القضية الكردية فحدث ولاحراج لانها موضوع الساعة وتشكل الثقل الاكبر في زعزعة الامن القومي التركي.
واذا دأبت حكومة الرئيس اردوغان التفرغ لمعالجة مشاكل الداخل فانها بالتاكيد ستغرق بها ولا تصل الى النتائج المطلوبة لذلك تحاول وبكل ما اوتيت من قوة حرف انظار داخل الرأي العام الداخلي التركي الى خارج الحدود على اختلاق المشاكل مع دول الجوار لذلك ظهر الرئيس اردوغان مؤخرا وكأنه في منافسة انتخابية حادة يتجول باستمرار في المدن التركية لاحياء امجاد الماضي والحنين اليها والتركيز على تاريخ الدولة العثمانية المترامية الاطراف والتي بلغت مساحتها يوما 12 مليون كم مربع.
فالرجل معروف عنه بانه بارع في تحريك مشاعر الاتراك ودفعهم بالاعتزاز للماضي فهو لايجامل بل يعلنها صراحة بان الموصل جزء من بلاده وعندما يقول الموصل فهو يعني ولاية الموصل التي تضم كل الشمال العراقي التي هي اليوم تشكل كردستان العراق ولا يكتفي بذلك بل يغازل حلب ايضا ويسميها بالحبيبة ويصنفها جزء من التركة العثمانية وهو لا يعني حلب وحدها بل المقصود كل الشمال السوري وهذا ما اتضح بشكل صريح خلال الايام الاخيرة عندما نشرت الصحافة التركية خارطة الميثاق المللي التركي لعام 1920 م والتي تضم المناطق التي ذكرناها اضافها الى 12 جزيرة يونانية تعود للدولة العثمانية وهذا ما اغاظ رئيس الوزراء اليوناني.
ان الخطاب التصعيدي شبه اليومي للقادة الاتراك حول معاهدة لوزان والموصل وحلب والجزر اليونانية يفتقد للاسس القانونية ويزعزع الاوضاع الاقليمية والدولية ويفتح الباب امام صراعات لا اول لها ولا آخر ولايمكن بهذا الاسلوب ان يدار العالم واذا ما اصر اردوغان وامثاله على ذلك فعنده سيسود قانون الغاب، لذلك من غير الممكن التخلي عن مثل هذه الاتفاقيات الدولية والتي لا نختلف عن ان بعضها كانت ظالمة ومجحفة. واذا ما انفرط هذا العقد فلا احد في هذا الكون يضمن سلامة امن الدول وشعوبها. لذلك يتوجب على القيادة التركية مزيدا من التعقل والحكمة لحل مشاكلها اولا ومن ثم الجوار دون ان تفتح نار جهنم عليها وعلى المنطقة وعندها سيخسر الجميع لكن خسارتها ستكون اشد واكبر.