kayhan.ir

رمز الخبر: 45980
تأريخ النشر : 2016October02 - 21:19

الحكم السعودي والعقاب الأميركي


غالب قنديل

تلقى الحكم السعودي صدمة عنيفة بعد رفض الكونغرس لفيتو الرئيس اوباما على تنفيذ قانون إجازة مقاضاة المملكة السعودية في هجمات الحادي عشر من أيلول وبالتالي فتحت أبواب المحاكم الأميركية لآلاف العائلات المطالبة بتعويضات انطلاقا من شبهات تورط شخصيات ومسؤولين سعوديين في تلك التفجيرات الإرهابية التي زلزلت الولايات المتحدة قبل خمسة عشر عاما .

الإجماع الفعلي في الكونغرس على إسقاط الفيتو الرئاسي هو المؤشر الأخطر الذي يعلن عهدا جديدا من تعامل النخبة الحاكمة في واشنطن مع الحكم السعودي ميزته الرئيسية الابتزاز المالي والسياسي وتحميل المسؤوليات والتبعات عن كل ما تفعله المملكة السعودية في خدمة السياسات والخطط الأميركية والأخطر والأهم ان النخبة الحاكمة اكدت التصميم على وضع السعودية في قفص الاتهام بعد كل ما فعلته الرياض لتفادي ذلك وبعد ما دفعته من اموال لتل أبيب ولوبياتها الصهيونية في واشنطن .

يكشف ما جرى عن توجه أميركي محسوم يتشارك في تبنيه الحزبان الجمهوري والديمقراطي وحيث يتبدى فيتو البيت الأبيض كخطوة رفع عتب ومجاملة للحكم السعودي لكن الجوهري في كل العملية هو مباشرة التأديب الأميركي للحكم التابع الذي حاول شق عصا الطاعة واطلق التهديدات خلال مفاوضات النووي الإيراني وتحمل الخطوة الأميركية الزاجرة ضد الحكم السعودي مجموعة من الأبعاد السياسية التي ينبغي وضعها في الاعتبار وقراءة الاحتمالات القادمة في ضوئها :

اولا الولايات المتحدة كإمبراطورية استعمارية تجرجر الحكومات التابعة والعميلة خلفها وتحملها مسؤولية ما ينتج عن خططها فرعاية الإرهاب التكفيري ودعمه هي توجه نفذته السعودية بناء على اوامر اميركية وهذا ما كشفه مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي الذي طرح فكرة حشد المتطرفين الإسلاميين من اتباع الوهابية وجماعات الأخوان إلى أفغانستان وقد كشفت عشرات الكتب والوثائق تفاصيل تلك العملية المستمرة إلى يومنا بقيادة اميركية وبتورط سعودي شامل وقد قادت تلك الشراكة إلى استيلاد داعش وجبهة النصرة ومثيلاتها لخوض حروب اميركية سعودية بالواسطة بعد اكثر من ثلاثين عاما من انطلاق هذه اللعبة الجهنمية.

ثانيا إن ارتداد الإرهاب التكفيري في أي منطقة من العالم ولاسيما داخل الولايات المتحدة هو مسؤولية اميركية وليس فحسب مسؤولية الحكومات التابعة المتورطة التي تصرفت من موقعها كحكومات تنفذ الأوامر والتعليمات الأميركية والحكم السعودي كان شريكا في توليد الفصائل الإرهابية في أفغانستان والخليج وعشرات الدول العربية والمسلمة في آسيا وأفريقيا وداخل اوروبا نفسها وفي تشغيلها كجيوش محاربة في خدمة الخطط الأميركية ومؤخرا برهنت الحرب العدوانية على سورية ان إسرائيل وتركيا وقطر وحكومات الناتو هم جميعا شركاء في هذا المخطط وفي الأعراض التي ستنتج عنه لاحقا كارتداد للمخاطر والتهديدات.

ثالثا منذ 11 أيلول تحرك نقاش اميركي داخلي حول العلاقات مع المملكة السعودية وصدرت دعوات من كتاب وقادة رأي اميركيين تدعو لتعديل قواعد العلاقات الأميركية السعودية وهي تراوحت بين ما سمي بخطة الفطام الأميركي عن النفط السعودي وهذا ما تحقق عبر خطة أميركية مثابرة لاستخراج النفط الصخري الذي بات متوافرا بصورة نوعية وبكميات كبيرة في السنوات الأخيرة وبين الدعوة إلى معاقبة السعودية بوصفها مصدر التكفير والإرهاب والخطر الأمني الذي يهدد الولايات المتحدة وسائر انحاء العالم وهو ما تحدث عنه كثيرون أبرزهم الرئيس باراك اوباما نفسه الذي مارس نفاقا كبيرا في استعمال الفيتو ضد قانون الكونغرس.

رابعا التأديب الأميركي للحكم السعودي يقع في خلفية ما جرى فمن الممنوع على عملاء الولايات المتحدة التصرف والتحدث بسقوف عالية عن اعتراضهم على توجهات السيد الأميركي وما قاله وما فعله الأمراء السعوديون لعرقلة التفاوض الأميركي الإيراني غير مسموح به ويستحق العقاب ولايستثنى من هذه القاعدة في التعامل سوى إسرائيل التي كوفئت بسخاء على استمرار وظيفتها في منظومة الهيمنة الأميركية ومشكلة الحكام العرب التابعين لواشنطن انهم يتناسون ما حل بالرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي ظل ثلاثين عاما خادما وفيا للسياسة الأميركية وشاه إيران الذي صنعت منه الولايات المتحدة شرطيا للخليج واستخدمته في احلافها وخططها الاستعمارية ولما خلعته الثورة الشعبية بالكاد ساعدته بإيجاد ملجأ في القاهرة .

خامسا من الآن فصاعدا سيكون على الحكم السعودي الاختيار الصعب فإما الرضوخ للمشيئة وللتعليمات الأميركية في كل شاردة وواردة او تصعيد العقاب الجاري الذي لن يتوقف بعد صدور قانون المحاسبة الأميركي في حملة ابتزاز مالي سيطول وشيطنة سياسية واخلاقية قد تفضح كثيرا من الخفايا وأي عربدة من الحكم السعودي ستطرح احتمالات عاصفة منها انقلاب بتدبير اميركي وليس بعيدا ان يجري مثل ذلك التدبير كامتداد للضغوط الأميركية التي انطلقت من الكونغرس ... هل يصدر محمد بن نايف بلاغه الرقم واحد ؟ هل تعقد اجتماعات لأمراء من العائلة الحاكمة لإعلان التمرد على ترتيبات التمهيد لتنصيب محمد بن سلمان ؟ ام يتحرك جنرالات مرتبطون بالاستخبارات الأميركية من خارج العائلة الحاكمة في لحظة صفر معينة ؟