kayhan.ir

رمز الخبر: 37385
تأريخ النشر : 2016April24 - 19:17

مئوية “سايكس بيكو”

حبيب فياض

لم تخرج مقولة الوحدة، بمستوياتها المختلفة، عن كونها إشكالية أرّخت بثقلها على مختلف مناحي الدولة العربية المعاصرة. بقيت هذه الإشكالية - منذ ما قبل الحقبة الاستعمارية في العالم العربي حتى اللحظة الراهنة - محل تقاطع بين مختلف المحددات التي يتوقف عليها النهوض الحضاري في المنطقة العربية، بدءاً من المسألة السياسية، مروراً بالاقتصاد، من دون أن يتوقف الأمر عند الحدود الجغرافية والخلفيات الثقافية والدينية.

ومع مرور مئة عام على "سايكس ـ بيكو”، خرجت المنطقة العربية من حال التجاذب بين الوحدة والتفتيت لصالح الأخير على خلفية انعدام فرص الوحدة، وانجرار مريع نحو التجزئة بشتى أشكالها. وفيما اختار الغرب الذهاب نحو المزيد من التقارب بهدف بلوغ الوحدة كمؤشر على تجاوز الخلافات ـ بعد حربين كونيتين بين دوله ومكوّناته - والوصول إلى الذروة في تحقيق المصالح المشتركة، أخذت المنطقة العربية تتّجه نحو مزيد من التجزئة والتفتيت، كمؤشر على بلوغ مرحلة زوال السيادة، وانحلال المجتمع، وسقوط الدولة، وصولاً إلى ما هو متوقع من انهيار كبير.

ما تشهده المنطقة اليوم يمثل استمراراً لمترتبات "سايكس ـ بيكو”، مع اختلاف في الآليات والتكتيكات، في ظل الحفاظ على الأهداف والمكتسبات ذاتها. ثمة حروب إقليمية راهنة تشهدها المنطقة من خلال عناصر وأدوات محلية، خدمة لمصالح المستعمرين، وهم بمنأى عن الانخراط الفعلي فيها. وذلك يتم وفق استراتيجيات مدروسة ومبرمجة سلفاً، يراد منها في نهاية المطاف إعادة تفتيت المنطقة من خلال العودة بها إلى أصغر مكوّناتها الدينية والمذهبية والإثنية والقومية، وتاليًا إعادة تشكيلها بما يضمن الإبقاء على ما أنتجته "سايكس ـ بيكو” من مكاسب وامتيازات.

غير أن الانقسام الذي شهده العالم العربي، لم يكن ناجماً عن استراتيجية التفرقة التي اعتمدها الغرب المستعمر بمقدار ما كان مرتبطًا بعوامل ذاتية قابلة للتجزئة، توفرت في دول المنطقة وشعوبها. ذلك أن المجتمعات العربية لم تستطع الخروج عن المسار التاريخي الذي استوطن في بنية وعيها وتحكّم في ممارساتها، فظل راهنها امتدادًا لماضٍ غابرٍ، ولم تستطع الانتقال إلى واقع جديد يتطلع إلى المستقبل على قاعدة الأخذ بالمبادئ والمصالح، بعيدًا عن منطق العشيرة الذي تحكمه العصبية والغريزة.

وإذا كان "سايكس ـ بيكو” قد نجح في المرحلة السابقة في تفتيت المنطقة، فإن قيام دولة إسرائيل في فلسطين - بمساندة الغرب وعلى رأسه بريطانيا وأميركا - شكل مقدمة منتجة لمشروع التقسيم، بمقدار ما كان نتيجة صادرة عنه. فالتقسيم في المنطقة شرط لازم لوجود إسرائيل، كما أن بقاءه شرط ضروري لبقائها واستمرارها.

بالإضافة إلى ما تقدّم، لا يمكن الفصل موضوعيًا بين "الربيع العربي” وتداعياته على مقولتي الوحدة والتجزئة في المنطقة. فمهما تكن حقيقة الدوافع والأهداف التي أفضت إلى خروج الشارع العربي على أنظمته في العديد من الدول، فإن النتائج والتداعيات التي ترتبت على ذلك، أدخلت الوطن العربي في مشاريع تقسيمية باتت وشيكة وممكنة، بعدما كانت تبدو حتى الأمس القريب صعبة وشبه مستحيلة. فجاء هذا "الربيع” ليضع أي عملية تغيير عربي في خانة اليأس، ويقطع الطريق على إمكان النهوض، من خلال تكريس معادلة أن أي محاولة للتغيير ستنتهي إلى مزيد من الاحتراب والفوضى والتقسيم.

لقد أنتجت الحرب الكونية الأولى التي شهدتها أوروبا تقسيماً ما زال قائماً في المنطقة العربية منذ مئة سنة، فما الذي يمكن أن تنتجه الحروب الكونية الراهنة التي تشهدها المنطقة العربية نفسها؟