اليمن يعطل نظرية الدومينو
كان التوجس الاميركي من تعدد جبهات المقاومة ووحدة الساحات فأندفعت ادارة ترامب لتطبيق نظرية الدومينو بعد الهدنة الاسرائيلية مع حزب الله، وترك يد نتنياهو مفتوحة يفعل ما يشاء في غزة، وتنصيب الجولاني حارساً على مصالحها في سوريا. فلم يبق إلا اليمن فتسارع ترامب ليجرب حظه ولكن مع ابطال انصار الله في اليمن هذه المرة، بعد ان عطلت هجمات انصار الله حركة الشحن المتجهة صوب كيان الاحتلال كما هددت البوارج وحاملات الطائرات الاميركية والسفن التجارية المتوجهة صوب الموانئ الاسرائيلية. هذا الموقف التضامني لانصار الله مع فلسطين وشعب غزة المظلوم اريد ربطه بالدعم الايراني تقنياً ولوجستياً كي تنزع الشرعية الاخلاقية والوطنية عن جهاد اليمنيين ودورهم في معادلات المنطقة وتصويرهم كذراع لايران يتصرفون وفق املاءات طهران، ضمن سياق سياسي اقليمي دولي للتحريض ضد ايران.
كما وصورت اميركا للعالم ان انصار الله جماعة ارهابية وذلك لكسر ارادتهم، ولكي تفرض اميركا وبريطانيا هيمنتها على البحر الاحمر والعربي بذريعة حماية التجارة العالمية بينما كان الهدف هو فرض سيطرة عسكرية واقتصادية على المضائق الستراتيجية والنقاط الحيوية التي تربط الشرق بالغرب.
الا ان الجيش اليمني اثبت قدراته التكيكية الفائقة في مواجهة التحالف الاميركي الاوروبي كما افشل التحالف العربي بقيادة السعودية الذي بدأ في الخامس والعشرين من مارس 2015 بتنفيذ ضربات جوية تحت مسمى "عملية عاصفة الحزم" على الرغم من الجهود الكبيرة والمعدات المتطورة التي خصصها التخالف فتلاشت هذه المساعي وبقي الجيش اليمني مسيطراً على الساحة كاملة. وهكذا تعلن اليوم وكالات الانباء والصحف العالمية بما في ذلك العبرية عن فشل التحالف الاميركي في مهمته البحرية، وهوما اكده موقع "unherd" البريطاني بان الحصار اليمني البحري في البحر الاحمر اصبح اليوم اقوى من أي وقت مضى وقد يئس الجيش الاميركي من محاولات رفعه، بينما من المفترض ان البحرية الاميركية هي البحرية الاقوى في العالم! في حين كانت حاملة طائرات اميركية واحدة تجبر دولة نامية على الركوع ولكن في اليمن تصطدم هذه الرواية بالواقع. لقد حاولت اميركا بكل وسعها لتحديد واستهداف الاسلحة ومواقع الاطلاق داخل اليمن بدقة ولكن فشلت بعد ان استخدمت اسلحة باهظة الثمن في مواجهة الطائرات المسيرة ومنصات الاطلاق المتنقلة والبنية التحتية للانفاق، ولا ننسى ان اليمن احد افقر دول العالم.
لقد برهن انصار الله ان عصر الهيمنة الغربية قد انتهى بالفعل، وتعلموا الكثير مما كانوا يفعلونه على مدار العام الماضي، وادركوا انهم قادرون على تحقيق النجاحات الكبيرة.
أما العدو الصهيوني وحسب صحيفة جيروزاليم بوست" – وكعادته في دفع الاخرين للدفاع عنه – فقد شدد على انه يتعين على الدول المعنية مثل السعودية ومصر ان تبذل المزيد من الجهود لتأمين الممر المائي. وخلصت الصحيفة الى "ان الحوثيين اثبتوا قدرتهم على قلب قرون من سيطرة اميركا وبريطانيا وغيرهما على الممرات المائية في العالم". فيما قالت القناة 12 التلفزيونية الاسرائيلية: ان "اسرائيل" تواجه بعد الاتفاق المعلن بين اميركا واليمن اخطاراً من البحر ويحتمل من الجو وبذلك تشعر بالوحدة.
كما واكد معهد "بروكينجز" الاميركي على "ان الحوثيين اثبتوا انهم جهة فاعلة تتصرف باستقلالية كشبكة متزايدة التعقيد ولا يمكن التنبؤ بمدى قوتهم وهم يحتفظون بالسلطة الوحيدة على عملية صنع القرار، وقاموا بتحسين قدرتهم على تصنيع الاسلحة داخل اليمن. وعلى مدى الاشهر الماضية قاموا بسرعة بتطوير استخدامهم للسفن السطحية غير المأهولة فخففوا من اعتمادهم على الاسلحة الايرانية وتأمين قطع الاسلحة الحيوية من الصين. وبما انهم يعملون خارج النظام المالي الدولي فهم اقل عرضة للعقوبات الدولية.
هذه المقدمات كلها تجعل قرار ترامب طبيعياً حين اعلن ان اميركا توصلت الى تفاهم مع اليمن بوقف استهدافه للقطع البحرية في البحر الاحمر مقابل وقف البحريتين الاميركية والبريطانية استهداف الاراضي اليمنية. ولكي يجبر هذا الفشل يعربد ترامب ثانية انه بصدد الاعلان عن شيء مهم جداً في الايام القادمة سيكون لمصلحة المنطقة. وهو ما ينوي اعلانه اليوم في زيارته لعدة دول عربية "السعودية وقطر والامارات" كمحطة خارجية اولى "باستثناء زيارته للفاتيكان للمشاركة في تشييع البابا فرانشيسكو" يلتقي فيها في الرياض قادة الدول الست لمجلس تعاون الخليج الفارسي، ولا تشمل زيارته الكيان الصهيوني، مما ينبئ باعترافه بدولة فلسطينية، وهذه هي بداية النهاية لنتنياهو. وهذه هي سياسة ادارة ترامب في اعتماد ستراتيجية المقايضة لتحقيق الاهداف، وفرض التفوق العلمي والتكنولوجي على دول المنطقة في قبال مصالح اقتصادية لاسيما وان لا وجود لموقف عربي موحد على تعديل موازين القوى، وهوما نستنتجه من اللقاء الخماسي الذي سيعقده ترامب الثلاثاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومحمود عباس والرئيس اللبناني جوزاف عون والسوري ابومحمد الجولاني.