المفاوضات تطلعات بعيون رامقة
وعادت المفاوضات مجدداً بين ايران واميركا بوساطة عمانية، التي ينبغي ان ترسو على بر النجاح وتؤدي الى السلام مادام هنالك رغبة لدى الطرفين في اجرائها. فلإيران الحق المشروع في امتلاك برنامج نووي سلمي لذا لابد من التوصل الى حل مشرف مع واشنطن، وتنحصر المقترحات الايرانية في رفع العقوبات، بعد ان اتضح لدى الجانب الاميركي انه يخدع نفسه لعقود بشأن قدرة العقوبات على ردع ايران رغم ما سببته من مشاكل لكنها لن تجبر الايرانيين التخلي عن رسالتهم اقليمياً ودولياً، وهذا ما خيب آمال الغرب. على ذلك من المقرر عقد اجتماع فني على مستوى الخبراء غداً الاربعاء في عمان حول الرفع الفعال للعقوبات كم اكد "غريب آبادي" نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية؛ "يجب إلغاء اسس العقوبات بما في ذلك قوانين العقوبات التي يسنها الكونغرس الاميركي والاوامر التنفيذية للرئيس الاميركي". وبذلك يكون حبل الثقة ممدوداً، ولعل تزامن المفاوضات مع عيد الفصح له رمزية للجانب الآخر إذ فيه حالة التوبة والندم، ولا يتم تكرار مذكرة بودابست للضمانات الامنية في 5 ديسمبر عام 1994 لمعالجة النووي الاوكراني، وان للتاريخ حركة تلقائية وآلية لا تضرها الكوابح، فنتذكر حديث للامام الخميني "ره" بتاريخ 24/4/1982 يضع فيه ثوابت للثورة الاسلامية: "نحن الذين اعتبرنا اميركا منذ البداية ظالمة ولما وجدنا بلدنا قد ارتمى في احضانها بواسطة خيانة الحكومة السابقة عارضنا ذلك وانتفضت الجماهير وهتفت بالموت لاميركا....ورغم ذلك لازال البعض يتهمنا بالتعاون مع اميركا وكأننا متواطئون معها على اظهار علاقتنا وكأنها تتصف بنوع من النزاع والسجال...ألا يعد هذا محض انحطاط اخلاقي يعاني منه هؤلاء الزعماء؟...".
ومع ان العلاقات مع الغرب ظلت متوترة الا ان اميركا هي التي توجهت في ديسمبر عام 2010 يمثلها "جون كيري" رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ آنذاك توجه الى عمان لملاقاة السلطان قابوس ليبحث معه اذا كان بوسعه تسهيل مفاوضات رفيعة المستوى مع الجانب الايراني في مسقط لمنافشة ملف البرنامج النووي الايراني، فانحصرت كذلك المقترحات الايرانية في رفع العقوبات والاعتراف بحقها في انتاج الوقود النووي وتبديد المخاوف الدولية من طهران لجهة عدم سعيها الى انتاج سلاح نووي. فكانت سلطنة عمان فاتحة مفاوضات شاقة ومضنية اسفرت عن اتفاق نووي عام 2015. وها هي اميركا لكن هذه المرة بزعامة ترامب تكرر طلبها للتفاوض لتعود عمان كوسيط فاعل تحتضن من جديد المفاوضات، حول الملف النووي دون غيره بعد ان كان ترامب في ولايته الاولى يريد بحث مواضيع اضافية اخرى كملف الصواريخ البالستية وسياسات طهران في المنطقة، اذن فالعالم ينتظر صعود الدخان الابيض من مسقط لتفادي الاسوأ.
ولا يغيب عن اللاعب الايراني ما تصبو اليه المؤسسات الاستخبارية التي تلبست بلباس يثير اعجاب الشارع لتطبيق الحرب الناعمة. اذ تضع اميركا نفسها كمدينة فاضلة في مكانة اخلاقية عليا بالنسبة لباقي دول العالم ومن هنا تعتبر نفسها مسؤولة عن إرساء الاسلوب الاميركي للتفكير والقيم الديمقراطية والنظام السياسي عن طريق انشاء ودعم مؤسسات متناغمة مع الليبرالية الديمقراطية الغربية والحفاظ على المصالح الاميركية، وهي اقوى اداة لاميركا في الحرب الناعمة ضد باقي الدول فيما كانت قد تولت في بعض الاحيان قيادة الاجراءات الفعلية كالانقلابات في دول اميركا اللاتينية.
وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ومن اجل استمرار هيمنتها على العالم تحت مسمى المكافحة العالمية ضد الارهاب كمشروع جديد لاميركا تمركز نشاطاتها على الدول الاسلامية بما فيها الشرق الاوسط وجرى التأكيد على ضرورة الدعم الخاص للاسلاميين الليبراليين ودراسة منتظمة للحياة العامة في ايران، كما رشح من تصريحات للادارات الاميركية على سبيل المثال ما جاء من استراتيجية إدارة كلينتون للامن القومي: "ان استراتيجيتنا في الامن القومي ترتكز على تعزيز الديمقراطيات الشكلية ...وكلما تحققت الديمقراطية والتحرر الاقتصادي في العالم، لاسيما في الدول التي تحظى باهمية استراتيجية للولايات المتحدة كلما ازدادت امكانية أمن البلاد...". ومن الضروري مراجعة ما يجول في اذهان راسمي هذه السياسة امثال "كارل غيرشمن" مسؤول المؤسسة الوطنية للديمقراطية ابان فترة الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش، والذي يستند في تركيز دراسات مؤسسته على العالم الاسلامي يستند على التحدي السياسي والايديولوجي للحركات الاسلامية ولجوء تلك الحركات الى العنف السياسي، ويقول: ان مثل هذا التحدي كان قائماً حتى قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر، مطالباً بدعم الاصلاحيين وتعزيز قوتهم لتحقيق الاهداف. ان هكذا تفكير يحتم ان يقابله خطوات رصينة وبتوئدة في رسم اي علاقة أو الاقبال على اتفاقيات مستقبلية. ونحمد الله على حضور قيادة واعية بين ظهرانينا تتمثل بسماحة قائد الثورة الامام الخامنئي الذي يقراُ حسابات الاعداء قبل البدء في اي مقاربة سياسية تجمع بين الاصل وهو حفظ نظام الجمهورية الاسلامية في ايران، وابقاء الانموذج الرائد حياً امام حركة كل قوى المقاومة في العالم.