تعقيدات دولية وأقليمية دون نجاح الحوار الأفغاني
جاويد ايوب
عادت إلى الواجهة من جديد مفاوضات السلام بين كابول وحركة طالبان المتشددة في أفغانستان، برعاية قطر، في حين لا تزال قوات الجيش الباكستاني مستمرة في عملياتها العسكرية ضد الجماعات المتطرفة على حدودها مع أفغانستان منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي، هذا و واشنطن تراقب ما ستؤول إليه هذه المحادثات باهتمام شديد، لما لهذا الحوار من تداعيات مباشرة على مستقبل مصالح الولايات المتحدة في الأقليم النووي.
استضافت قطر في بلدة الخور الساحلية شمالي الدوحة، الأحد في الثالث من الجاري، حوارا بين مسؤولين أفغان وممثلين عن حركة طالبان لليوم الثاني على التوالي، بشأن سُبل إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 13 عاما. بيد أن طالبان رفضت طلب قيوم كوتشاي - عم الرئيس (الأفغاني) أشرف عبد الغني - الذي ترأس الوفد الحكومي إلى قطر، الذي دعا طالبان إلى وقف القتال وإعلان وقف إطلاق النار، حيث إنها اشترطت أن ترحل كل القوات الأجنبية عن أفغانستان لوقف القتال.
هذا وكان قد فُتح مكتب سياسي لطالبان في قطر عام 2013 في إطار التمهيد لحل سياسي في أفغانستان، لكن لم تحقق الجهود المبذولة والمبادرات السابقة أيَّ تقدم لفتح قنوات اتصال تكون مقدمة لحوار أفغاني - أفغاني ناجح.
يرى مراقبون أن فشل هذه المبادرات تعود لتضارب المصالح الخارجية من جهة، وعدم قدرة الفصائل الأفغانية تحقيق نصر حاسم على القوى الأخرى من خلال السيطرة الكاملة على أرض أفغانستان من جهة ثانية.
أما حول صراع المصالح الخارجية يقول ابو بكر الدسوقي المختص بالشأن الأفغاني: "أن ظهور مصالح حيوية فى دول آسيا الوسطى المستقلة دفع بكل الأطراف الفاعلة فى الأزمة إلى تكثيف الجهود وحشد التحالفات من أجل ضمان الفوز بنصيب في ثروات آسيا الوسطى من خلال تفعيل آليات للصراع الأفغاني”.
بدوره، يعتبر مصباح عبد الباقي، وهو أستاذ بجامعة سلام- كابول، أن الأهداف المعلنة لبقاء الجنود الأمريكيين في أفغانستان ليس إلا ستاراً يخفي الأهداف الحقيقية التي تتلخص في استمرار القتال والحرب لخلق مزيد من الاضطرابات في المنطقة بغية تبرير بقاء القوات الأجنبية فيها، وتهيئة الظروف لنقل المعركة إلى الدول التي تخاف أميركا والناتو منافستهما على قيادة العالم في المستقبل القريب، مثل الأراضي الصينية في تركستان الشرقية أو إلى المناطق التي تعتبرها روسيا مناطق نفوذ لها مثل دول آسيا الوسطى.
في سياق متصل، كتب عبد الكريم خرم، المساعد الخاص لرئيس الجمهورية السابق حامد كرزاي ورئيس مكتبه مقالا تحت عنوان: "لماذا لم نوقِّع الاتفاقية الأمنية الثنائية مع أميركا؟”، اعتبر فيه أنه "عندما يقال: إن الحرب الأميركية دخلت مرحلة جديدة بتوقيع "اتفاقية التعاون في مجالي الأمن والدفاع” يُراد بهذه المرحلة الجديدة توسعة دائرة الحرب إلى الدول المجاورة لأفغانستان، ونقلها إلى الحدود الروسية والصينية”.
ويضيف قائلاً: " أنها( الولايات المتحدة الأمريكية) تروِّج باستمرار عن تواجد مجموعات "داعش” في أفغانستان، وكأنها تشجع بذلك مجموعات من حركة طالبان لترفع الرايات السوداء وتتحول من حركة طالبان إلى "تنظيم الدولة”. وفي الوقت نفسه تضغط باكستان من خلال العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الباكستاني حاليًا باسم "ضرب عضب”ضد المجموعات المسلحة لتغادر الأراضي الباكستانية وتنتقل إلى أفغانستان ولا سيما إلى شمال وشمال شرقي أفغانستان لتشكِّل هناك "وزيرستان” جديدة - وفق "الخطة الأميركية المقبلة”- وبهذا تنتقل الحرب إلى داخل الأراضي الصينية ودول آسيا الوسطى التي تعتبرها روسيا مناطق خاضعة لنفوذها.
توجس صيني
من جهتها، شعرت الصين بالخطر من هذه الخطة الأميركية، وخافت من مسلحي "التنظيم” حال ظهورهم في شمال أفغانستان، فسارعت إلى دفع عملية المصالحة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية إلى الأمام، لتفويت الفرصة على خلق مجموعات مسلحة خارج إطار حركة طالبان. وكانت الصين قد بدأت هذا الجهد منذ العام الماضي حين استقبلت وفد المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر بقيادة "قاري دين محمد”، وقد أكَّد الناطق باسم الرئيس الأفغاني السابق "أيمل فيضي” هذا الخبر لوكالة ARA الباكستانية، وبين أن الاستخبارات الباكستانية رتَّبت لسفر المذكور، وأكدت وزارة الخارجية الصينية على لسان ناطقها خبر الوساطة الصينية بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، وأبدت استعدادها للتوسط من أجل الاستقرار في أفغانستان، ثم سافر وفد آخر من حركة طالبان إلى الصين في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2014 . كل هذه التحركات تأتي لتفويت الفرصة على أميركا في هذه المرحلة من خطتها للمنطقة، فتعتقد الصين أن حركة طالبان إذا انضمت إلى عملية المصالحة فإن ذلك سيفوِّت الفرصة على أميركا لنقل الاضطرابات والمعارك إلى الصين وإلى مناطق في آسيا الوسطى.
إلى جانب الصين تلعب باكستان دوراً مهماً في تذليل العقبات أمام هذا الحوار وتضغط بدورها على قيادات طالبان للمشاركة في الحوار. فقد أبلغ قائد الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني في فبراير/شباط الماضي أن شخصيات بارزة في طالبان لا تمانع إجراء محادثات مع حكومة كابل مما أنعش الآمال بشأن الحل السياسي.
في الخلاصة، لا شك أن نجاح الحوار ضرورة أفغانية لا مناص منها للنهوض بأفغانستان الدولة والمجتمع، ولذلك شروطه الذاتية والموضوعية ليس أقلها استقلال الحكومة الأفغانية بقرارها السياسي و عدم رضوخ الملا محمد عمر للأجنحة الرافضة للحوار في طالبان افغانستان .