التفاهم الإيراني السعودي وبدء التنفيذ
لم يكن الوقت الذي فصل بين توقيع الاتفاق السعودي الإيراني الصيني قبل أقل من شهر واجتماع وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والسعودي فيصل بن فرحان، وقتاً ضائعاً. فانعقاد الاجتماع في بكين يعكس الكثير من التكهنات التي توقعت عقده في إحدى عواصم المنطقة، دليل على أن الأمر ليس مجرد ترتيب بروتوكولي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، وأن الصين كشريك كامل في الاتفاق ليست مجرد راعٍ ووسيط.
الواضح أن السير بالعلاقات الثنائية نحو أفضل ما يمكن توقعه، على مستوى التأشيرات والزيارات المتبادلة أراد التعبير باتفاقات تفصيلية وتقنية عن نيات الانتقال من إنهاء الخلاف إلى التعاون المثمر الاقتصادي والأمني، بشراكة صينية تنظر لهذا التعاون ضمن رؤية شاملة لمنطقة الخليج ومكانتها الاستراتيجية في نظام الطاقة العالمي، الذي تنتقل الصين الى مسؤولية رعايته بدلاً من أميركا بالتوازي مع تحولها الى الدولة الأولى عالمياً في استهلاك الطاقة والتجارة العالمية.
لم يكن للسير بخطى ثابتة نحو التعاون الثلاثي الصيني الإيراني السعودي من دون ضمان القدرة على السيطرة على ملفات الخلاف الإقليمي المزمنة، ووضعها على سكة التبريد تمهيداً للحلول، وهذا ما نُقل من مناخات اجتماع بكين حول الملف اليمني خصوصاً، وإنهاء الانخراط السعودي في حرب اليمن مقابل ضمانات للأمن السعودي وأمن الطاقة من جهة اليمن. واليمن الذي يشكل أولى الاهتمامات والهموم، ليس نهايتها، والآلية الثلاثية قائمة ومستمرة لمتابعة الملفات حلقة بحلقة.
أهم تداعيات هذا الانتقال السعودي الإيراني الصيني إلى آلية تنسيق لمقاربة القضايا الثنائية والإقليمية، إنهاء مسارين خطرين سيطرا على المنطقة خلال العقد الماضي، الأول هو مسار التطبيع الخليجي الإسرائيلي الذي كانت السعودية حلقته المركزية، وكان الأمر ينتظر التوقيت المناسب لانتقالها من الظل إلى العلن، والثاني هو مسار الفتنة المذهبية بين الطائفتين السنية والشيعية، خصوصاً مع تحوّل التنظيمات التكفيرية كما أظهرت الحرب على سورية الى موضوع رعاية واستثمار مالي وإعلامي ومذهبي بالنسبة للعديد من دول الخليج.
المنطقة بحد أدنى من التفاهم السعودي الإيراني، وحصانة عالية ضد الفتنة المذهبية وخطر التطبيع تتقدم بقوة إلى الاستقرار، فكيف إذا كان الاتفاق فوق الحد الأدنى؟
كما كانت فلسطين أول الخاسرين من الخلاف والانقسام، فأولى الرابحين من الاتفاق بلا منازع هي فلسطين.
البناء