لا حلول في الإقليم بدون المقاومة…
د. جمال زهران
بتأمّل ما يحدث في الإقليم العربي والشرق أوسطي، من تفاعلات، نراه وقد أصبح وكأنه يعيش على صفيح ساخن، ولا يدري أحد، ما الذي سيتمخّض عن هذه التفاعلات، ونحن وغيرنا نجتهد في قراءة ما يحدث وسيحدث، ولذلك فإنّ القراءات المطروحة تختلف باختلاف الانتماءات الأيديولوجية والمصلحية.
فالإقليم ساخن، بطبيعته منذ تفجّر الثورات العربية في ديسمبر 2010 في تونس، وبعدها مصر في 25 يناير 2011، والتفجير العمدي للأحداث والتفكيك في ليبيا واليمن، ثم سورية، التي خصص لتدميرها (138) مليار دولار، باعتراف رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها السابق (حمد بن جاسم)، في أحاديث متعددة أبرزها حديثة مع قناة الـ (بي. بي. سي) البريطانية باللغة العربية! إذن الإقليم ساخن في آخر (12) سنة، بفعل عوامل ذاتية (تونس/ مصر)، وبفعل عوامل خارجية (عربية/ أجنبية) في الدول الثلاث الأخرى (ليبيا – اليمن – سورية)، ومن قبلها جميعاً، العراق، ثم انتقل الأمر بعد ذلك إلى الجزائر والسودان. وقد هدأت أوضاع الجزائر، ولا تزال السودان في قلب المتاعب. ومن ثم فإنّ الإقليم العربي يواجه متاعب كبرى. وفي المقابل فإنّ دول الجوار تواجه متاعب أيضاً، في إيران وأزمة الاتفاق النووي والحصار الأميركي الأوروبي عليها، وأثيوبيا وأزمة سد «الخراب» مع مصر التي لم تحسم الأمر حتى الآن إلى أن تم بناء السد واستمرار الملء الثالث حتى تمّ تخزين أكثر من (20) مليار م3، من حصة مصر! ثم أزمة تركيا، وتدخلها العسكري في سورية، والإسهام في تخريبها وتدميرها وسرقة مصانعها في حلب إلخ… فضلاً عن متاعب أردوغان الداخلية، وإصراره على التدخل في الإقليم العربي، في ليبيا، بعد سورية. إذن الإقليم بجناحيه العربي والشرق الأوسطي، يواجه أزمات عاتية، ازدادت سخونة بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، والمستمر حتى الآن، لنعيش مرحلة «الأزمة الأوكرانية»!
والسؤال هنا: كيف يمكن الخروج من كلّ هذه الأزمات في الإقليم؟ إن كلمة «السر»، هي «المقاومة»، في مواجهة كل هذه الأزمات، ومن يريد أن يعرف مفتاح «السر» هذا، فعليه أن يتخيل، ماذا كان يمكن أن يحدث، لولا المقاومة، لكانت التداعيات خطيرة وبلا حدود، ويمكن الإشارة إلى النماذج في الإقليم:
البداية في العراق (بوابة الإقليم العربي الشرقية)، والذي احتلته أميركا في عام 2003، وأسقطت نظام صدام حسين، رأينا اشتعال المقاومة ضدّ الأميركيين، حتى ازدادت خسائرهم، واضطروا للخروج وإعادة التموضع في الشمال العراقي، والتوحّد مع الأكراد، ومنها إلى سورية في الشمال الشرقي! فلنتصوّر انعدام المقاومة في العراق، للوجود الأميركي، وتم الاستسلام، فالنتيجة هي، الانتشار الأميركي في المنطقة بالسيطرة الكاملة واحتلال سورية ولبنان، وإخضاع الأردن، وكل دول الخليج وحتى اليمن، للسيطرة والاحتلال الأميركيين!! إلا أن «المقاومة» في العراق، بعد عدة أيام من الاحتلال الأميركي للعراق في 9 أبريل/ نيسان 2003، كانت هي كلمة السر في إحداث التوازن.
ومع بدايات الثورات العربية في تونس ومصر (2010/ 2011)، ومحاولات أميركا وحلفائها الأوروبيين، وفي الإقليم تمويلاً وتنفيذاً، التحرش وتنفيذ مؤامرات ضد ليبيا واليمن وسورية، كمرحلة أولى، ثم الجزائر والعراق والسودان، في مرحلة ثانية، فلنتصوّر عدم وجود «المقاومة» في كل هذه الدول، فماذا كانت الصورة والتداعيات فيها؟!
مثلاً: اليمن والعدوان السعوديّ عليها، فكانت السعودية ستسيطر على اليمن، ومعها الإمارات لتتغيّر موازين القوة الإقليمية في الإقليم، فكانت «المقاومة»، هي حجر العثرة أمام الهيمنة والسيطرة السعودية، وقد سمت عدوانها بأنه «عاصفة الحزم»، وأن المسألة ستنتهي خلال أسابيع، امتدّت بفعل «المقاومة»، لثمانية أعوام، حتى الآن (2015 – 2023)، ولا تزال المقاومة هي كلمة السر.
والأمر نفسه في سورية، حيث صمد النظام في سورية أمام المؤامرة بالمقاومة، إلى أن انتصرت المقاومة من خلال محور واسع بدعم روسي كبير، في إطار التنافس الدولي، ودعم إيراني بلا حدود، وكانت النتيجة هي الانتصار لسورية المقاومة. فلو لم تكن هناك مقاومة ومحورها في سورية، لاستولت أميركا ومعها الصهاينة ولو كانوا يرتدون ثوب «المعارضة» السورية المشبوهة، وهم العملاء، على سورية ولبنان، والأردن، ومن قبل العراق، وكلّ ذلك يصبّ في دعم الكيان الصهيونيّ وأمنه واستقراره، بالإضافة إلى استنزاف الموارد العربية، وإضعاف قدراتها!
وكذلك مع سيطرة قادة الجيش السوداني على السلطة، وإزاحة البشير، من الحكم، إلا أنّ المقاومة الشعبية واستمرار التظاهر بكل السبل، وتقديم كلّ التضحيات من أجل إجبار هؤلاء العسكريين على الرضوخ والتراجع، والاتفاق على نظام مدنيّ، بعد إصرار المقاومة!
إلا أنّ القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، يظلّ هو المحور الرئيسي للمقاومة، بكلّ ما يقدّمه هذا الشعب العظيم، من نماذج المقاومة الإبداعية ضدّ العدو الصهيوني، وكانت النتيجة إجبار هذا العدو على الخروج المخزي من غزة نهائياً، كما خرج من جنوب لبنان في عام 2000 دون قيد أو شرط، تحت إصرار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله على تحرير الجنوب اللبناني وحدث بالفعل، ولا تزال المقاومة الفلسطينية، واللبنانية هي حجر الزاوية في معادلات القوة، والصراع في الإقليم العربي والشرق أوسطي كله. وإذا تصوّر أحد أنّ الإقليم ستحل مشاكله وأزماته بدون المقاومة فهو واهم؟
خلاصة القول إنّ وضعاً كارثياً كان سيحلّ أكثر على الإقليم، لو لم تكن هناك المقاومة، وإنّ المقاومة وفّرت البيئة المناسبة لتوازن القوى، حتى انتصرت في بعض المواقع، ولذلك فإنّ استمرار المقاومة في الإقليم العربي والشرق أوسطي، هي الآلية لتحرير الإقليم واستقلاله، وتطوّره السياسي والاقتصادي، نحو الحرية والمساواة والعدالة، والديموقراطية.