kayhan.ir

رمز الخبر: 153965
تأريخ النشر : 2022July20 - 20:29

البحر الأسود كالصندوق الأسود… أسرار الاستراتيجية الروسية

 

د. حسن مرهج

من الواضح أنّ منطقة أوراسيا كمساحة جيوسياسية، قد أصبحت عاملاً حاسماً في تحديد المصالح وموازين القوى، بالنسبة لغالبية القوى العالمية، وعلى وجه الخصوص، فقد أصبحت منطقة البحر الأسود وبشكل متزايد، منطقة تتصارع فيها المصالح السياسية والعسكرية والتجارية والطاقة بين القوى العظمى العالمية والتقليدية، ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي حيث تسمح منطقة البحر الأسود لبعض القوى، بإظهار نفوذهم داخل القارة الأوروبية، وبشكل رئيسي في البلقان وأوروبا الوسطى، بالإضافة إلى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وجنوب القوقاز وشمال الشرق الأوسط.

وكعلامة فارقة في صيغ النظام العالمي، فقد اكتسبت منطقة أوراسيا وتحديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أهمية استراتيجية إضافية، لأنها تحتوي على طرق نقل لموارد الهيدروكربونات من بحر القزوين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنه قد حدث تحول ملحوظ في البيئة الجيوسياسية للبحر الأسود بعد عام 2000، حيث تحوّلت منطقة البحر الأسود إلى مركز للمواجهة الأيديولوجية بين الغرب والشرق، والمنافسة بين روسيا والقوى الغربية، ومنطقة دائمة للصراع على النفوذ، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على أمن واستقرار منطقة البحر الأسود، خاصة أنّ التسلح غير المنضبط والإرهاب، وتزايد المعلومات المضللة حيال قضايا الأمن العالمي، وغياب سياسات بناء السلام المحلية والإقليمية الشاملة، كلها عوامل تجعل أمن المنطقة ضعيف للغاية.

نتيجة لذلك، تعدّ منطقة البحر الأسود مركزاً رئيسياً للمنافسة بين روسيا والغرب من أجل مستقبل أوروبا، وقد كانت المنطقة منذ عقدين مسرحاً للنزاعات الحامية بين الطرفين قبل أن تضمّ موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014، كما استخدمت روسيا القوة العسكرية أربع مرات ضدّ بلدان أُخرى في المنطقة منذ عام 2008، وذلك في إطار التصدي للمحاولات الأميركية والغربية عموماً، الرامية لزعزعة استقرار الاتحاد الروسي، في المجالات السياسية والاقتصادية.

وربطاً بذلك، فإنّ الدول المطلة على البحر الأسود، ونتيجة البروباغندا الأميركية، فإنها تريد حماية نفسها من ما يُسمى «التدخل العدائي الروسي»، وعليه فإنّ العوامل السياسية المحلية، وكذلك العضوية بالاتحاد الأوروبي أو مستوى ارتباط أقلّ مع الاتحاد والناتو، يؤثران في درجة التداخل والتباين في مستوى المصالح، على الرغم من الغرب عموماً، ومنذ نهاية الحرب الباردة، فقد تجاهلوا منطقة البحر الأسود إلى حدّ كبير، وعلى اعتبار أنّ البحر الأسود يشكل صندوقاً أسوداً للاستراتيجية الروسية، فإنه من المنطقي أن تلجأ روسيا لسياسات من شأنها كسر الخطط الأميركية والغربية، الرامية إلى محاصرة روسيا في المستويات كافة.

ضمن ما سبق، فإنّ روسيا عملت على تكثيف وتعزيز قدراتها السياسية والاقتصادية في منطقة البحر الأسود، كما سعت روسيا إلى بناء نظام إقليمي جديد أكثر استجابة لمصالحها الوطنية، ويتسم النظام الإقليمي الجديد بتكامل متوازن بدقة يُمكن موسكو من استخدام استراتيجيات دبلوماسية مرنة ومراعية للحساسيات الموجودة مع الدول المطلة على البحر الأسود.

الاستراتيجية الروسية قفزت نحو تركيا في هذا الإطار، ودأبت موسكو في تنفيذ استراتيجيتها على اعتماد نموذج التكامل الروسي التركي، للاعتراف المتبادل بمجالات النفوذ والاستعداد لتقديم تنازلات لتحقيق نتائج مفيدة للطرفين، والهدف الأساسي هو صياغة قواعد مشتركة لتحسين إدارة العلاقة الشاملة، وكذلك الديناميكيات والأولويات الإقليمية. تصاحب هذه الاستراتيجية جهود كلّ دولة لتطوير اقتصاديات وطنية قوية ومتينة، وقد أصبحت كلا الدولتين قوى مؤثرة من خلال التوسع المستمر في وضعهم العسكري والاقتصادي، ومطابقته بحملة إعلامية حازمة وخطاب لا هوادة فيه.

في ظلّ هذه الظروف، يصعب على الدول الغربية صياغة وتنفيذ استراتيجية متماسكة ومستدامة لحماية المصالح المشتركة ومواجهة التأثير والتخويف الروسي الملح، فالغرب عموماً يدرك أنّ منطقة البحر الأسود تحتلّ مكانة بارزة في استراتيجية روسيا الخارجية والتي تهدف إلى استعادة النفوذ والسيطرة على هذه المناطق التي كانت تابعة لها في سالف الزمان.

في ذات الإطار، فقد عززت السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى تحديث أسطولها في البحر الأسود ونشر جنودها في المنطقة العسكرية الجنوبية، النفوذ الروسي في المنطقة وساهم في تسهيل الدعم للقوات الروسية الموجودة في منطقة شرق البحر المتوسط.

جُملة ما سبق، يؤكد بأنّ طريقة موسكو العامة تتنوّع في التعامل مع محيطها وفقاً للظروف السائدة في كلّ بلد من بلدان المنطقة، مع حفاظها على هدف تحييد مواقفهم من الغرب، أو القضاء على أيّ تهديد من قبلهم تجاه روسيا.