وهل اغتيال خليفة البغدادي جاء للتغطية؟ وما علاقة تعثّر الجُهود الجزائريّة لعودة سورية إلى الجامعة؟ وكيف سيكون ردّ المحور الروسي الصيني الإيراني؟
عبد الباري عطوان
في ظل التوتّر الجديد المُتفاقم سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا بين الولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين من ناحيةٍ، والمحور الرباعي الصيني، الروسي، الشّمال كوري، الإيراني من ناحيةٍ أخرى، خاصّةً على جبهتيّ تايوان في شرق آسيا، وأوكرانيا في وسط أوروبا، هُناك ترتيباتٌ مُتسارعة لتَفعيل الأزمات، والصّراعات في منطقة الشّرق الأوسط، ابتداءً من سورية، ومُرورًا بالعِراق، وانتهاءً بحرب اليمن.
لنترك الأوضاع في العِراق واليمن وتطوّراتها جانبًا ولو مُؤقّتًا، ولنُركّز في هذه المقالة على الملف السوري تحديدًا، الذي عاش أجواء من الهُدوء النسبي، أو بالأحرى “الجُمود” في الفترة الأخيرة، بعد استِعادة الجيش العربي السوري أكثر من 70 بالمئة من الأراضي السوريّة، وتراجع ما يُعرف بالمُعارضة، بشقّيها السياسي والعسكري، وانحِسارها وتموضعها في مدينة إدلب وجِوارها، وبعض المناطق الأُخرى في شمال شرق سورية تحت حِماية مظلّة القوّات الأمريكيّة.
هُناك عدّة مُؤشّرات تؤكّد أن هذا الجُمود، أو الخُمول، على صعيد الجانب الآخر المُعارض للدولة السوريّة، دوليًّا وإقليميًّا، في طريقه إلى التفعيل مجددًا، وربّما في صُورةٍ أكثر شراسةً، من الوضع الذي كان عليه في بداية الأزمة في شهر آذار (مارس) عام 2011، ويُمكن حصْر هذه المُؤشّرات في النقاط الخمس التالية:
أوّلًا: كشف الاستِخبارات الخارجيّة الروسيّة اليوم الثلاثاء، عن خطط أمريكيّة لتحريض، ودعم، جماعات مسلّحة في سورية و”إسلاميّة” مُتطرّفة على وجه الخُصوص، لتكثيف هجماتها ضدّ القوّات السوريّة والروسيّة والإيرانيّة في توازٍ مع إشعال فتيل احتجاجات “سلميّة” في العُمُق السوري وتشجيعها، من خِلال استِغلال توظيفي للاحتِقان المعيشي الدّاخلي النّاجم عن انهِيار الأوضاع الاقتصاديّة، والخدمات الأساسيّة، وتراجع كبير لسِعر العملة المحليّة، بسبب الحِصار الأمريكي الخانِق.
ثانيًا: تُفيد المعلومات الواردة إلى هيئة الاستِخبارات الروسيّة، حسب البيان الصّادر عنها، أن الإدارة الأمريكيّة تسعى للحِفاظ على وجودها العسكري شمال شرق سورية، ومنع استِقرار سورية، وإعادة تأهيل قيادة المُعارضة السوريّة، وتوحيد صُفوفها، كُرديّة كانت أو عربيّة، وإطلاق حملات إعلاميّة مُكثّفة على وسائط التواصل الاجتماعي النّاطقة بالعربيّة لتَحريض السوريين مجددًا للنّزول إلى الشّوارع والميادين، في العاصمة دِمشق، والمُدن الكُبرى في حلب وحمص واللاذقيّة لدفع النظام إلى استِخدام القبضة الحديديّة “العنيفة” في مُواجهة احتجاجات “سلميّة”، أيّ إعادة تطبيق “سيناريو درعا”.
رابعًا: انطِلاق يوم السبت الماضي “ندوة” في الدوحة استمرّت يومين، دعا إلى عقدها السيّد رياض حجاب رئيس الوزراء السوري المُنشق، وبحُضور ثلاث مراكز أبحاث قطريّة وعربيّة ودوليّة، وأكثر من 60 شخصيّة سوريّة مُعارضة، كتتويجٍ لسلسلة من ورش عمل انعقدت في بعض العواصم الأوروبيّة مِثل استوكهولم، ووفّرت السّلطات القطريّة الدّعم الكامِل لهذه الندوة التي غطّت جلسات وقائعها قناة “الجزيرة” وأخواتها بكثافةٍ لافتة.
خامسًا: تعثّر الجُهود التي بذلتها وتبذلها الجزائر حتى الآن لعقد قمّة عربيّة يُشارك فيها الرئيس بشار الأسد بحيث تكون تدشينًا لاستِعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربيّة، وكانت دولة قطر من أكثر الدول المُعارضة لهذه الخطوة وأشرسها.
سادسًا: عمليّة اغتِيال أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، على يد قوات أمريكيّة خاصّة هاجمت منزله شِمال إدلب، التي لا يُوجد أيّ دليل “مُوثّق” بالصّوت والصّورة، على حُدوثها، أُسوةً باغتيالاتٍ سابقة لأبو بكر البغدادي وقبله أسامة بن لادن، (على عكس إعدام الرئيس صدام حسين وقتل نجليه) قد تكون هذه العمليّة مُجرّد تغطية للمُخطّط الأمريكي الجديد بدعم المُعارضة الإسلاميّة المسلّحة المُتشدّدة، والتواصل معها مجددًا وبطريقةٍ أكثر قوّة، والإيحاء في الوقت نفسه أنها (أمريكا) ما زالت تستهدفها باعتِبارها منظّمات إرهابيّة.
المُعارضة السوريّة انطلقت في “حِراكها” الأوّل قبل 11 عامًا من الدوحة، ويبدو أن مُحاولة إعادة إحيائها سَيتم من المكان نفسه، حيث قال بيان الانعِقاد للنّدوة المذكورة “إنها تهدف إلى مُحاولة إيجاد آليّات العمل للنّهوض بأداء المُعارضة ومُناقشة كيفيّة إخراج عمليّة الانتِقال السّياسي من الاحتِباس الذي تُعانيه حاليًّا”.
شبكة “أورينت نت” التي تعمل بمثابة “وكالة أنباء” المُعارضة، أكّدت في تقريرٍ لها بثّته قبل شهرين “بأنّ إدارة الرئيس بايدن تُريد أن يكون عام 2022 هو عام تأهيل قِوى المُعارضة السوريّة لتكون أكثر جاهزيّة لتحل مكان النظام في أيّ عمليّة تغيير قد تحدث”، وكشفت أن إيتان غولديرتش نائب وزير الخارجيّة الأمريكي التقى قادة المُعارضة السوريّة في إسطنبول، والقامشلي، وغازي عنتاب في أواخِر العام الماضي للإعداد للسّيناريو الأمريكي الجديد في سورية.
هل ينجح المُخطّط الأمريكي الجديد في سورية؟ هل بدأ الحِصار الخانق الذي جرى فرضه لهذا الغرض قبل 11 عامًا يقترب من مرحلة الحصاد؟ وهل سيكون أفضل حظًّا من الأوّل؟ وهل سيأتي التمويل من المُموّلين الخليجيين أنفسهم؟ وكيف سيكون ردّ المحور الروسي الصيني الإيراني الكوري الشّمالي السوري؟
نَترُك الإجابة للأسابيع والأشهر المُقبلة.