ما هي عوامل المناعة الروسية أمام خطر فصلها عن نظام "سويفت"؟
د. علي دربج
مع احتدام المواجهة الروسية ــ الأميركية على خلفية الأزمة الأوكرانية، صعدّت واشنطن لهجتها التهديدية ضد موسكو، ملوحة باستخدام سلاح "العقوبات المالية"، في محاولة لردع الكرملين عن القيام بخطوة عسكرية ضد كييف.
ونتيجة لذلك، تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، فإنها ستواجه "عواقب اقتصادية وخيمة". وحذرت إدارة بايدن من أن "جميع الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة".
يشير هذا الخطاب الأميركي العالي السقف، الى احتمال أن تطلق الولايات المتحدة حزمة قاسية من العقوبات التي من شأنها ــ كما تأمل واشنطن ــ قطع الاقتصاد الروسي بشكل فعال عن جزء كبير من النظام المالي العالمي، وذلك عبر فرض مجموعة من العقوبات على المؤسسات المالية الروسية، ووضع قيود جديدة على صادرات المنتجات الأمريكية.
غني عن التعريف، أنه في العقد الماضي اعتمدت الولايات المتحدة، بشكل متزايد على العقوبات ــ السلاح الذي ازهق أرواح الملايين من الأبرياء والأطفال في فنزويلا وايران والعراق وليبيا وسوريا وغيرها من الدول ــ كطريقة لمعالجة المشاكل الدبلوماسية. لكن توجيه مثل هذه الأدوات نحو اقتصاد بحجم الاقتصاد الروسي لن تكون له نتائج فعالة تذكر.
من هنا، وعندما يُسأل خبراء العقوبات عن الطريقة الموجعة لإلحاق الألم الاقتصادي بروسيا، مباشرة تتجه الأنظار الى قناة تحويل الأموال العالمية "السويفت".
ما هو نظام "السويفت"؟
يعرف نظام SWIFT رسميًا باسم "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك" التي كانت قد تأسست في العام ، 1973 عندما اجتمع 239 بنكًا من 15 دولة لمعرفة أفضل طريقة للتعامل مع المدفوعات عبر الحدود. تربط "السويفت" التي يقع مقرها في بلجيكا، أكثر من 11000 مؤسسة مالية أثناء قيامها بتحويل الأموال حول العالم.
لا يحتفظ نظام "سويفت" بالأموال أو يحولها بالفعل، ولكنه يسمح للبنوك والشركات المالية الأخرى بتنبيه بعضها البعض بشأن المعاملات التي على وشك الحدوث. ورغم بذل قصارى جهدها لتكون كيانًا منفصلًا غير سياسي في النظام المالي الدولي، لكن وجدت "جمعية SWIFT" نفسها أحيانًا متورطة في نزاعات دبلوماسية، والأخطر أنها تحولت الى سيف مُسلط بيد واشنطن.
هل يمكن لأميركا فرض عقوبات مالية على روسيا عبر"السويفت"؟
منذ بدء الأزمة الأوكرانية، كانت هناك مناقشات مستمرة بين الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا حول ما إذا كان سيتم منع وصول روسيا إلى نظام "السويفت". خصوصًا أنه يمكن لإدارة بايدن أن تتخذ هذه الخطوة من جانب واحد.
زد على ذلك، أن قانون الدفاع عن السيادة الأوكرانية لعام 2022، الذي كشف عنه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، من شأنه أن يسمح بفرض عقوبات على مقدمي خدمات الرسائل المالية المتخصصة مثل SWIFT، لكن إدارة بايدن قد تفرض أيضًا مثل هذه العقوبات دون موافقة الكونغرس.
عمليًا، وعند النظر في الشواهد الدولية المتعلقة بقطع وصول أي بلد إلى نظام SWIFT، نجد أن واشنطن قد أفرطت في اللجوء لهذا السلاح، لمعاقبة البلدان والشعوب والأنظمة المناهضة للسياسات الأميركية والاسرائيلية الارهابية، خصوصًا ايران، حيث كانت طردت "سويفت" في عام 2012، وبأوامر اميركية ما يصل إلى 30 مؤسسة مالية إيرانية، بما في ذلك بنكها المركزي.
هل ستتأثر روسيا بقطعها عن "السويفت"؟
في دوائر العقوبات، تم وصف تحرك الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لعزل روسيا عن نظام "سويفت" بأنه خيار نووي. ومع ذلك، فإن القيام بذلك ليس بالبساطة التي يبدو عليها، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة بسبب حجم روسيا ومكانتها في الاقتصاد العالمي.
أواخر كانون الثاني الماضي، التقى مسؤولو إدارة بايدن مع ممثلين من البنوك الأمريكية لمناقشة المخاطر والآثار المحتملة للعقوبات على السوق العالمية، بما في ذلك التداعيات المحتملة لقطع وصول SWIFT عن الكيانات التي تعرضت للعقوبات.
يصف آدم سميث الذي شغل منصب مسؤول العقوبات في وزارة الخزانة بإدارة أوباما الاقتصاد الروسي بأنه "وحش مختلف، يمثل ضعف حجم أي اقتصاد فرضته الولايات المتحدة على الإطلاق".
وفي السياق ذاته، أشارت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية الى أن إدارة بايدن كانت تقيم "التداعيات" المحتملة من أي عقوبات تفرضها على روسيا وتستكشف طرقًا لتقليل أي آثار سلبية غير مقصودة.
ما هي انعاكسات هذه الخطوة على موسكو؟
واجهت روسيا مثل هذه التهديدات من قبل. في عام 2014 عندما استعادت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها كانت هناك دعوات في أوروبا لاستبعاد روسيا من نظام "السويفت". قال ديمتري ميدفيديف، رئيس وزراء روسيا في تلك الفترة "إن مثل هذه الخطوة كانت بمثابة إعلان حرب لو طبقت حينها".
لكن الأمور مختلفة حاليًا بشكل كلي. في الأسبوع الماضي، أخبر نيكولاي جورافليف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي وكالة الأنباء الحكومية "تاس" أن "إخراج روسيا من نظام "السويفت" سيكون له أيضًا عواقب اقتصادية على الدول الأوروبية التي لن تكون قادرة على تلقي واردات النفط الروسي كالغاز والمعادن نتيجة عجز روسيا عن تلقي العملات الأجنبية".
لكن ما ليس في الحسبان، أن التحركات لقطع الاقتصاد الروسي وضربه، قد يكون لها عواقب غير متوقعة من جانب الغرب، مثل رد موسكو الانتقامي، الذي قد يهز الأسواق العالمية، لا سيما وان الكرملين يملك أوراقًا خاصة كثيرة للعب مع واشنطن وبروكسيل.
وانطلاقًا من هذه النقطة، من المرجح جدًا أن تعمد كل من الولايات المتحدة وأوروبا الى البحث عن طرق ومخارج، لإعفاء قطاعات روسية معينة من العقوبات، مثل الطاقة.
هل يمكن لروسيا الاستغناء عن "السويفت" فعلًا؟
قد لا يكون التهديد بالانفصال عن SWIFT خطيرًا بالنسبة لموسكو، كما كان في الماضي.
طورت العديد من الدول بما في ذلك روسيا، أنظمة الرسائل المالية الخاصة بها، والتي على الرغم من كونها أقل تطورًا من SWIFT، إلا أنها قد تسمح للشركات المالية الروسية بالحفاظ على الاتصالات مع العالم.
بدأت روسيا في تطوير نظامها في عام 2014، وسط تهديدات بتصعيد العقوبات من الولايات المتحدة. وتبعًا لذلك أوضح ميدفيديف، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، أواخر الشهر الفائت أن "النظام الجديد يعمل وان كان لا يخلو من تعقيدات"، مؤكدًا أن "التدفقات المالية ستكون قادرة على الاستمرار داخل روسيا إذا تم عزل البلاد عن نظام "السويفت"". وأضاف ميدفيديف: "نعم، ستكون التحويلات أكثر صعوبة، هذا واضح، لكنها لن تكون كارثة".
وعلى خط مواز، يتفق بعض الخبراء بشأن عقوبات روسيا، على أن المسؤولين الغربيين يبالغون في تقدير الآثار المحتملة لفصل روسيا عن نظام "السويفت".
وفي هذا الاطار، قالت ماريا سنغوفايا، الباحثة الزائرة في جامعة جورج واشنطن والمؤلفة المشاركة لتقرير المجلس الأطلسي حول العقوبات الأمريكية على روسيا، إن "قطع روسيا عن نظام السويفت - لن يكون مؤلمًا لروسيا كما يتصور المسؤولون الغربيون".
وبناء على ما تقدم، يبدو أن واشنطن ستخطئ التقدير بجدوى هذا السلاح لتطويع موسكو. فروسيا ليست نظاما خليجيًا أو أوروبيًا شرقيًا، لترضخ وتسلم لمشيئة واشنطن كما تفعل هذه الانظمة في العادة. فقوة موسكو وثرواتها وقدراتها وامكاناتها ستخولها التغلب على العقوبات المالية (ان فرضت عليها)، وليس من المستبعد ان تنقلب على اميركا واوروبا أيضًا، وربما ستكون فاتحة للتخلص من الهيمنة المالية الاميركية مستقبلا.