شهر رجب.. شهر الرحمة والعبادة
شهر رجب هو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية وهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله عزّوجلّ فيها: ﴿اِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة/36). هو أحد أشهر النور الثلاثة (رجب، شعبان ورمضان)، الذي عظّمه الله تعالى وكرّمه فوصفه بالأصبّ لأنّ الرحمة تصب فيه صباً. كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً: «أيّها المسلمون قد أظلكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصب يصبّ فيه الرحمة على من عبده إلّا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام.« وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهر عظيم، وإنّما سُمّي الأصمّ لأنّه لا يقارنه شهر من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله تبارك وتعالى. وكان أهلُ الجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها، فلمّا جاء الإسلام لم يَزدَد إلّا تعظيماً وفضلاً».
يمتاز شهر رجب بكونه شهر العبادة، فقد ورد فيه الكثير من الأعمال العبادية، منها الاستغفار وهو بوابة شهر رجب، ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «رجب شهر الاستغفار لأمّتي، فأكثروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم، وشعبان شهري، استكثروا في رجب من قول استغفر الله، وسلوا الله الإقالة والتوبة فيما مضى، والعصمة فيما بقي من آجالكم...». وورد في سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان يسجد في شهر رجب، ويُسمع في سجوده: «عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك». ومنها الدعاء، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّ الله تعالى نصَبَ في السماء السابعة مَلكاً يُقال له الداعي فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلةٍ منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، ويقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني، ومطيع مَن أطاعني، وغافر مَن استغفرني، الشهر شهري والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمَن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومَن سألني أعطيته، ومَن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل إليّ». ومنها الصوم، ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فضل الصوم فيه بقوله: «ألا إنّ رجب شهر الله الأصم وهو شهر عظيم، وإنّما سمي الأصم لأنّه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله،.. ألا مَن صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار، ولو أعطي ملئ الأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه».
إنَّنا إذا قمنا باستقراء الأعمال التي وردت في هذا الشهر الشريف، سواءً كانت أعمالاً عامةً، أو كانت أعمالاً خاصةً ببعض الأيام، أو ببعض الليالي؛ نرى أنَّ أغلب الأعمال تشتمل على فنون من العبادة، وليس فنّاً واحداً من العبادة، مما يرشد إلى أنّ التزوَّد المطلوب في هذا الشهر الشريف أن نجمع بين عدة أنواع من العبادة. فالمؤمن العاقل هو الذي يفكر في قبره، وفي آخرته، وفي مسيرته الطويلة، قيل: «العقل ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان». وقد ورد في أدعية شهر رجب: «اللهم إنِّي أسألك صبر الشاكرين لك، وعمل الخائفين منك، ويقين العابدين لك». هذا هو قوام التزوُّد، فإذا كنَّا نريد أن نتزوَّد في شهر رجب؛ فإنَّ قوام التزود هو: صبر الشاكرين، عمل الخائفين، يقين العابدين.. «صبر الشاكرين» وليس أيَّ صبرٍ، بل صبرٌ مُمْتزِجٌ بالشكر، فالصبر على نافلة الليل، والصَّوم لا بدافع الخوف من عذاب الله، ولا بدافع الحصول على شيءٍ من الرِّزق، أو التوفيقات الدُّنيويَّة، وإنَّما الباعث المؤثِّر هو الشكر، فيتحول الصبر إلى مظهرٍ من مظاهر شكر النعم. قال تعالى: ﴿َاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة/152)، وقال: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ (إبراهيم/ 7).