محور المقاومة في حصاد العام: تنامي الحجم وتثبيت المعادلات
د. أمين حطيط
في الأسبوع الأخير من العام، وعلى أبواب سنة جديدة تبدأ بعد فترة أعياد تنطلق بعيد الميلاد المجيد وتنتهي بعيد المولد الشريف يتوسطهما عيد رأس السنة الميلادية، وبعد سنوات أربع على بدء العدوان الذي استهدف المنطقة عموماً ومحور المقاومة خصوصاً، يكون من المفيد أن نجري نوعاً من تقييم أو جردة حساب للوقوف على نتائج المواجهة في الشرق بين مشروعين: مشروع غربي عدواني شاء استباحة المنطقة واستعمارها مجدداً بشكل احتيالي خبيث، ومشروع إقليمي مقاوم للهيمنة الاستعمارية الاحتلالية يسعى إلى تثبيت المنطقة في هويتها وحفظها لأهلها دونما تفريط بحق أو تاريخ.
وفي عملية التقييم هذه ومن غير الغوص في تفاصيل ما جرى، أو عرض جزئيات المشهد القائم كان لذلك فيما كتبنا نصيب وافر من التفصيل والمتابعة ، نبدأ بالتوقف عند الحال التي آل إليها الوضع المتصل بكل مكون من مكونات محور المقاومة، الطرف الآخر في المواجهة التي فرضها العدوان الغربي على المنطقة والمتخذ من عناصر محلية وإقليمية أدوات ووسائل تنفيذية يستعملها في تنفيذ مشروعه.
ونبدأ بسورية، التي استهدفها المخطط أو قائد المشروع الغربي وجعلها الميدان أو منطقة المأثر الرئيسية لنيرانه العدوانية. ونقف هنا على إنجازات دفاعية هائلة حسمت فيها أموراً أساسية أربعة:
الأول من طبيعة استراتيجية، وتمثل بتعطيل جوهر المشروع العدواني الهادف إلى إسقاط الدولة وتغيير موقعها الاستراتيجي. وهو إنجاز تحقق بعد أن وجهت الضربة القاصمة لمشروع الإخوان وهلالهم بالقيادة التركية القطرية. ثم كانت الضربة التالية التي تمثلت بإسقاط مشروع الوهابية السعودية، وقد نعى أوباما بنفسه الخطتين معاً بقوله: "إن التفكير بإسقاط بشار الأسد بات ضرباً من الخيال”.
الثاني من طبيعة ميدانية عملانية، تجلى بإحكام سيطرة الحكومة السورية على مراكز الثقل النوعي الاستراتيجي للدولة بوجوهها الأساسية: الثقل النوعي السياسي دمشق والثقل النوعي الاقتصادي -الديمغرافي ومنفذ الاتصال بالخارج المنطقة الساحلية والثقل النوعي العسكري الميداني وعقدة الوصل الوسطى في حمص، بما يحقق اليقين بالمحافظة على وحدة الدولة ويمكّن لاحقاً من استعادة الأمن والاستقرار إلى أطرافها التي أفسد الإرهابيون حالها.
الثالث من طبيعة سياسية، وتمثل بإقرار دولي بأن تجاوز الحكومة السورية الشرعية القائمة أمر مستحيل ومنفصل عن الواقع، ولهذا شهد المسرح عودة دولية إلى سورية علنية أو خفية أو خجولة لكثير من الدول الإقليمية والأجنبية الأخرى، كما وجرى تثبيت موقع سورية في المنظمات الدولية وندم عربي على ارتكاب حماقة تجميد مقعد سورية في الجامعة العربية.
الرابع عسكري تنظيمي لوجستي، وتجلى باستعادة الجيش السوري نمط التجنيد الذي تأثر في بدء الأحداث واستعيد اليوم ليقترب مما كان عليه، مع تصاعد تدفق السلاح والتجهيزات من الدول الحليفة والصديقة بما يحفظ للجيش قدرته العسكرية ومؤهلات المواجهة بالقدر الذي تقتضيه الحال.
وعلى صعيد إيران، نستطيع أن نصف عام 2014 إيرانياً بأنه عام التحول الاستراتيجي المميز الذي سقطت فيه بشكل شبه نهائي وقطعي فكرة العدوان المسلح عليها، وباتت فكرة الهجوم الغربي أو "الإسرائيلي” عليها ضرباً من الحماقة والغباء الذي يرتد على أصحابه ويلاً وخسارة لا يحتملان، ثم كان تراجع الغرب عن سياسة العقوبات وبدء فك الحصار عنها، وهو أمر سيغير الكثير في المشهد. إذ إن إنهاء الحصار يعني تمكين إيران من الانطلاق لبناء فضائها الاستراتيجي الحيوي وهي طليقة اليدين رشيقة الحركة، جاء ذلك مصحوباً بإقرار دولي بحق إيران بالتقنية النووية للاستعمال السلمي كما تريد هي وتخطط، وبالتالي قد يوصف هذا العام إيرانيا بأنه عام الإقرار بإيران النووية.
ترافق كل ذلك أيضاً مع نجاح إيراني مؤكد في تحقيق أكثر من إنجاز على الصعيد السياسي انتخابات الرئاسة التي سلم الغرب بشفافيتها وشرعيتها وتعامل معها لأول مرة منذ أربعة عقود على هذا الأساس. وعلى الصعيد العسكري، حيث خطت إيران خطوات واسعة في مجالي التصنيع العسكري وتنظيم القوات المقاتلة وأعدادها لما يناسب الأخطار محققة مناعة دفاعية عالية المستوى تمكنها من حماية قرارها السيادي المستقل. ما جعل إيران نتيجة كل ذلك دولة إقليمية كبرى منفتحة على موقع مؤثر في العلاقات الدولية العامة.
أما على صعيد المقاومة في لبنان، المقاومة التي ينظمها ويقودها حزب الله، يمكن اعتبار عام 2014 عام القفزة النوعية والنجاح في العمل على جبهتي "إسرائيل” والإرهاب وتثبيت معادلة توازن الردع بشكل صارم، والانفتاح على إنتاج القلق المستدام في بيئة العدو السياسية والعسكرية والشعبية.
ففي المجال القتالي الميداني ومع انخراطه في الحرب الدفاعية عن محور المقاومة في سورية ونجاحه في العمليات التي شارك فيها بشكل مؤثر، وجه حزب الله ركلة صادمة للعدو "الإسرائيلي” بتنفيذه عمليات نوعية مؤثرة في مشارف الجولان في مزارع شبعا المحتلة، عمليات شكلت بمفاعيلها امتداداً لكمين اللبونة وأعادت للأذهان عمليات أسر جنود العدو على يد مقاتلي المقاومة.
وفي مجال الإعداد والتخطيط والحرب النفسية، تمكن حزب الله بأدائه الرفيع المستوى أن يجعل من فكرة اقتحام الجليل والقتال على أرض فلسطين المحتلة فكرة في متناول التفكير الواقعي، ما جعل المحتلين الصهاينة في شمال فلسطين المحتلة يتخبطون في دوامة من القلق والخوف من احتمال وجود أنفاق للمقاومة تحت مساكنهم، أو مباغتتهم بنار قاتلة في لحظة لا يحسبون لها توقيتاً.
أما في مجال التسليح والتجهيز ورغم كل تدابير الحصار التي مارسها العدو ضد حزب الله، تمكنت المقاومة من الارتقاء في سلم القوة حتى بلغت شأناً يمكّن نارها الدفاعية من الوصول بشكل مؤثر إلى أية نقطة في فلسطين المحتلة.
وأخيراً لا يمكن أغفال الإنجاز الأمني الكبير الذي تحقق في لبنان ضد الإرهاب عبر تفاعل أركان المعادلة الذهبية الشعب والجيش والمقاومة في التصدي للإرهاب، ما حمى لبنان بشكل عام وحمى بشكل خاص الضاحية الجنوبية وسواها من مناطق المجتمع المقاوم.
ونصل إلى ما أنجزته المقاومة الفلسطينية بشتى فصائلها العاملة في غزة في مواجهة العدوان "الإسرائيلي” وما أرسته من معادلات بنتيجة تلك المواجهة. فقد أثبتت المقاومة الفلسطينية فشل الحصار على غزة وأكدت أن لديها من القدرات العسكرية المتنوعة ما يمكنها من الوصول إلى القدس وتل أبيب وإفشاء الخوف والرعب في صفوف الجماعات الصهيونية المحتلة، ثم أكدت قدراتها الميدانية للتعامل مع أي عمل أو عدوان بري على غزة ما جعل العدو "الإسرائيلي” يخشى الانزلاق إلى حرب برية ويضطر في نهاية المطاف إلى السعي إلى وقف إطلاق النار الذي حصل بعد أن أرست المواجهة معادلة جديدة بين "إسرائيل” وغزة وهي معادلة "تبادل الحذر من المواجهة”، وهذا بذاته إنجاز يحسب لمصلحة المقاومة التي تكون أمنت بهذه المعادلة نوعاً من حماية دفاعية للقطاع.
وجمعاً لجزئيات الصورة المتشكلة آنفاً، يقودنا إلى القول بأن محور المقاومة بأركانه الأربعة وكل على صعيده رسم لمسيرته خطاً تصاعدياً يتدرج فيه بيقين وثبات، ويراكم عليه القوة بوجوهها ومصادرها المتعددة، فيرتقي مطمئناً إلى أنه أضحى رقماً رئيسياً صعباً من معادلة إقليمية مؤثرة في نظام عالمي قيد التشكل قائم على تعددية قطبية، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر الذي يخرق فيه طرف لم يكن من مجموعة المحاربين المنتصرين في الحرب الثانية، دائرة الاستئثار الغربي للقرار الدولي، نقول ذلك من دون إغفال أو إنكار صعوبة ما تبقى من أخطار، وما تفرضه من حذر ويقظة وما تقتضيه من حشد لمستلزمات المواجهة التي يبدو أنها ستستغرق أيضاً العام المقبل كما استهلكت أربعة أعوام حتى الآن.