kayhan.ir

رمز الخبر: 116160
تأريخ النشر : 2020July21 - 20:32

الاتفاقية الاستراتيجية بين طهران وبكين.. صفعة جديدة للعقوبات الأميركية

عادل الجبوري

هل كان مصادفة تزامن ابرام الاتفاقية الاستراتيجية بين ايران والصين، قبل يضعة أيام، مع الذكرى السنوية الخامسة لابرام الاتفاق النووي بين ايران من جهة، ومجموعة خمسة زائد واحد (الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي مضافا اليها المانيا)، ذلك الاتفاق الذي اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده منه في الثامن من شهر ايار-مايو من عام 2018؟.

وسواء كان الأمر محض مصادفة، أو كان محسوبًا ومخططًا له من قبل كل من طهران وبكين، أو من قبل طهران فقط، باعتبارها المعنية والمستهدفة، والمستفيدة والمتضررة، فإنه مثلما انطوى ابرام الاتفاق النووي في حينه على رسائل ذات أبعاد سياسية وغير سياسية مهمة، ومثلما انطوى تنصل ترامب منه بعد ثلاثة أعوام من ابرامه على رسائل معينة، فإن توجه كل من طهران وبكين الى تعزيز العلاقات والروابط الاقتصادية بينهما في اطار اتفاقية واسعة وشاملة ومتعددة الجوانب والأبعاد، يستبطن توجهًا عميقًا يستند الى رؤية استراتيجية لطبيعة وحقيقة مصالح الطرفين، وحجم ومستوى ومصدر التحديات والمخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تجابههما.

وفي الوقت الذي يمكن فيه القول إن طهران حققت مكاسب مهمة من خلال ابرام الاتفاق النووي، فإن هذا الأخير ساهم في حد كبير في توفير قدر لا بأس به من الاستقرار في المشهد العالمي، وجنب المجتمع الدولي مخاطر نشوب المزيد من الصراعات والصدامات العبثية، وهذا ما أقر به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وزعماء غربيون آخرون.

وعلى ضوء ذلك، فإنه من الطبيعي جدًا أن تفضي أية خطوة عكسية ارتدادية الى افراز نتائج ومعطيات سلبية، وهذا بالفعل ما حصل جراء اقدام ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي، رغم الكم الهائل من الانتقادات التي وجهت له، ورغم اصرار ورغبة القيادة الايرانية باستمرار الالتزام بتعهداتها فيما لو واصلت أطراف الاتفاق الأخرى التقيد بالتزاماتها، على اعتبار أن انسحاب واشنطن لا يعني بالضرورة انهيار الاتفاق.

ولم تقتصر الخطوات والقرارات الارتجالية المتهورة لدونالد ترامب على التعاطي مع ايران، وانما استهدفت أطرافًا دولية واقليمية عديدة كروسيا والصين وفنزويلا وسوريا والعراق، وربما وجه الاستهداف الأميركي الأكبر بعد ايران الى الصين، والذي بدا واضحًا الى حد كبير خلال الشهور السبعة الأخيرة، أي بعد ظهور جائحة كورونا.

ولعل من راقب وتابع مجمل تصريحات وتغريدات وخطابات ترامب والمقربين منه من أعضاء ادارته، يجد أنها حملت نفسًا عدائيًا فاضحًا لكل من طهران وبكين، وكان البعد الاقتصادي هو الطاغي عليها، فمن تشديد العقوبات والحصار على ايران بهدف تركيعها واخضاعها، الى الحرب التجارية المتواصلة ضد الصين، حيث برزت شركة (هاواوي)، أحد أبرز عناوينها الواسعة والعريضة، حتى أنها وصلت الى تطبيق (تك توك) الصيني للتواصل الاجتماعي.

وانطلاقًا من رؤية عقلانية، فإن تلك النزعة العدائية الأميركية، لا بد من أن تجابه بقوة، ولا بد من العمل على تحويل التهديدات والتحديات الى فرص ومكاسب ومنجزات. وبالنسبة لايران فإنها نجحت على مدى أربعة عقود من الزمن بتحويل التحديات الى فرص، بحيث إنها في ظل ظروف الحرب والعقوبات والحصار ومختلف أشكال ومظاهر التضييق والاستهداف، تمكنت من أن تصبح قوة اقليمية - ان لم تكن عالمية - تشغل حيزًا ملموسًا في المشهدين العالمي والاقليمي، وتمثل رقمًا مهمًا ومؤثرًا في كل المعادلات، فضلًا عن تحقيق مستوى عال من الاستقرار والتماسك المجتمعي الداخلي.

ولا يختلف الأمر كثيرًا عن الصين، التي اقتربت كثيرًا من الولايات المتحدة الأميركية خلال العقدين الأخيرين، كقوة اقتصادية عالمية منافسة بقوة على موقع الصدارة.

واليوم حينما تتحرك كل من طهران وبكين بصورة مشتركة ومنظمة وممنهجة لمواجهة الضغوطات والاستهدافات الاميركية، فهذا يعني أن حقائق ومعطيات جديدة ستنبثق على صعيد المستقبل القريب والمتوسط، فضلًا عن البعيد، وستكون صادمة لأميركا ولترامب، هذا اذا كتب له أن ينجح في الفوز بالسباق نحو البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، وإن كانت مجمل المؤشرات تذهب الى عكس ذلك.

وطبيعي أن تتعدد وتتنوع القراءات للاتفاقية الايرانية - الصينية الأخيرة، فالبعض يرى فيها خطوة استراتيجية ذكية للتخلص من العقوبات الأميركية الجائرة على الطرفين، والبعض يرى فيها مقدمة لاعادة ترتيب موازين القوى العالمية والاقليمية، فيما يذهب البعض الآخر الى أبعد من ذلك حين يعتبرها صفعة قوية للولايات المتحدة الأميركية عمومًا، ولرئيسها دونالد ترامب على وجه الخصوص.

وأيًا تكن القراءات والتقييمات والتحليلات لدوافع وخلفيات وأهداف تلك الاتفاقية الاستراتيجية، فإن هذه الخطوة تعكس جملة حقائق على قدر كبير من الأهمية، لعل من بينها، أن لدى القوى والأطراف المستهدفة من قبل الولايات المتحدة الاميركية، مثل ايران والصين وغيرهما، امكانية ايجاد البدائل العملية المناسبة لافشال سياسات الحصار وفرض العقوبات من قبل واشنطن، وقد برزت العديد من المؤشرات والدلائل خلال الاعوام الماضية على ذلك الأمر.

والحقيقة الثانية، تتمثل في أن المنهج الأميركي القائم على النزعات العدوانية الاستعلائية حيال الآخرين، لا بد أن يواجه بإجراءات وخطوات، تثبت أن منطق القوة والاملاءات لم يعد مجديًا ونافعًا في عصر التحولات الكبرى والافاق المفتوحة والارادات الصلبة للامم والشعوب، وكما قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية عباس موسوي "ان خطة العمل الشاملة للشراكة بين إيران والصين هي خارطة طريق واضحة ودليل رائد للعلاقات بين البلدين في المستقبل، حيث يمكن للصين كقوة اقتصادية رائدة في العالم في المستقبل القريب وإيران كقوة عظمى لمنطقة غرب آسيا أن تتحمل ضغط المتنمرين بعلاقات تكميلية مستقلة عن القوى التقليدية التي يسيطر عليها الغرب".

اما الحقيقة الثالثة، فهي أن الحكمة والشعور بالمسؤولية يحتمان على القيادتين الايرانية والصينية، البحث عن البدائل والخيارات المناسبة، من أجل تجنيب شعوبهما تبعات وآثار الحصار والعقوبات ضدهما، فضلًا عن تعزيز توجهات الاكتفاء والتكامل، وبالتالي تعزيز مبدأ السيادة الوطنية. ومن غير المستعبد ان تتوسع مديات الاتفاقية الايرانية الصينية، لتضم تحت مظلتها قوى وأطرافا دولية واقليمية تحت عنوان أو عناوين أوسع وأشمل.

تبقى المفارقة الغريبة، أنه في الوقت الذي راحت طهران تمد فيه خيوط التواصل وتبني المزيد من جسور التلاقي والتعاون مع بكين، تبدو بغداد في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة والتحديات الكبرى، غير مكترثة كثيرًا بتفعيل الاتفاقية الاستراتيجية التي أبرمت العام الماضي مع بكين، حتى ليبدو الأمر وكأنه خارج دائرة الاهتمامات وبعيد عن قائمة الاولويات.