ثلاثة أحداث تنهال على كيان الاحتلال
سعد الله زارعي
شهدنا خلال فترة متواصلة وقصيرة نسبة ما، ثلاثة احداث دولية منفصلة مهمة ومؤثرة، بمجموعها توصف بالستراتيجية؛ الاول مشروع وقف اطلاق النار في غزة وخروج الجيش الصهيوني بالكامل، والثاني صدور مذكرة اعتقال قادة الكيان الغاصب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والثالث رفض المشروع الاميركي على لبنان. ففي الثلاثة التي وقعت خلال اسبوع قد ضعف موقف الكيان الصهيوني لترسم ملامح فشله. وهذه الاحداث تعكس مواجهة بين المقاومة الاسلامية وجبهة الاستكبار.
كما انه في المراكز الفكرية وجهات القرار العالمية يؤخذ بهذه الاحداث ويعتمد عليها. ومن الواضح ان هذه الاحداث والاستفادة منها ومسار التحليل في الساحة في تضاد مع مصالح اميركا وكيان الاحتلال، كما شهدنا معارضة الحكومة الاميركية والاسرائيلية لهذه الوقائع الثلاث.
ان اميركا وكيان الاحتلال ترغبان في الاظهار بمكانة اعلى، والنظر الى حرب غزة وحرب لبنان من زاوية هدم المباني المرتفعة في بيروت وغزة او من زاوية عدد الشهداء والمجروحين اللبنانيين والفلسطينيين، اذ من خلال هذه الصور والارقام يمكن خلق شعور لدى المخاطب بالغلبة على المقاومة.
إن قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة الذي طرح الاربعاء الماضي والقاضي بوقف اطلاق النار وخروج جيش الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة، ورغم ايقافه بالفيتو الاميركي ولم تتم المصادقة عليه، الا انه اظهر موافقة قاطعة لـ 14 عضوا بما فيهم الاعضاء الدائمين الاربعة، فكانت اميركا قد وقفت بوجه العالم وهو يعني العزلة السياسية لاميركا، وكأن العالم قد عاقب كيان الاحتلال على ارتكابه للمجازر وان حرب الكيان على غزة ولبنان حرب ظالمة والدفاع الذي يبديه شعب غزة ولبنان هي العدالة. وان دعم الكيان الصهيوني بمثابة جريمة. ومن الناحية النفسية حين يقف اهم داعم لكيان الاحتلال خلال ثمانين عاماً مضت الى جانب من يعتبرون هذا النظام غير شرعي مما يؤشر الى الوضع السياسي القوي للمقاومة.
ان صدور مذكرة اعتقال قادة الكيان الصهيوني من قبل المحكمة الجنائية الدولية واعلان 124 دولة اعضاء في المحكمة، الخميس الماضي، استعدادهم تسليم نتنياهو وغالانت للمحكمة الجنائية في حال اعتقالهما على اراضي اي دولة من الدول الاعضاء في المحكمة، رغم عدم تناسب الحكم مع الجرائم المرتكبة، وينبغي ان تشدد الاحكام الصادرة، الا انه بمثابة ضربة قانونية مهمة من قبل منظمة قانونية دولية هي الاكثر اقتدارا. فهذه المحكمة خلال احكامها المؤقتة اتهمت اسرائيل باعمال العنف وفرض المجاعة على شعب غزة وفرض حرب على المدنيين ومعاقبة جماعية للشعب الفلسطيني، وهذا يعتبر ابادة ضد الفلسطينيين. من هنا وان كان حسب المحاكم يكون الشخص هو المخاطب الا انه في الحقيقة تعتبر الحكومة وجيش الكيان الغاصب يشملهم الحكم أعلاه.
ان هذه المقاضاة تعتبر من اعلى منظمة قانونية دولية وتحمل الكيان مسؤولية الحرب وهذا بحد ذاته له تداعيات جمة للكيان المحتل. فبعد صدور رأي المحكمة دعمته 124 دولة عضو في المحكمة الجنائية عدى ثلاث دول هي اميركا والمجر والكيان الغاصب، وهم غير اعضاء في المحكمة. وهنا يتبين كذلك الوضع السياسي للنظام وداعمه الاساس اي اميركا، كما ويعكس وضع فلسطين على الساحة الدولية.
الحدث المهم الآخر في هذه الفترة، فشل مساعي اميركا وكيان الاحتلال لفرض مشروع شائك على لبنان والمقاومة الاسبوع الماضي. فكيان الاحتلال بعد شهر من اعلانه انه خلال ثلاثة اسابيع سيسيطر على الاراضي اللبنانية الى نهر الليطاني ولكنه تعرض لمقاومة عنيفة، ولذا توجه الكيان الى مشروع سياسي ظناً منه ان الظروف المستجدة على حزب الله ستجبرها على القبول. فاميركا واسرائيل في هذا المشروع السياسي أثارا بشكل خفي مستبطن عدة امور؛ "نزع سلاح حزب الله" و"اخراجه من اقرب مساحة حدودية مع اسرائيل" و"اصدار ترخيص دائمي لعمليات امنية وحربية اسرائيلية في لبنان" و"قيادة لجنة مشتركة اميركية فرنسية بريطانية... ـ وفي الواقع قيادة جيش الكيان الاسرائيلي ـ على القوات الدولية اليونيفيل وقوات الجيش اللبناني جنوب لبنان"، وكل ذلك قد ووجه برفض لبنان والمقاومة. واميركا التي كانت تتحدث بصخب عن مشروع ايقاف القتال على لبنان، لم تكن تتوقع ان يصر حزب الله على موقفه. وبالرغم من ان حزب الله تعرض لاشد الضغوط، لكنه شدد على ضرورة تغيير بنود الاتفاق، وبالتالي غادر المبعوث الاميركي الخاص بيروت، بعد فشله من فرض الشروط اعلاه. في هذا الخضم جدد الجيش الاسرائيلي ولاجل ان يثبت ان معارضة حزب الله مع هذا المشروع يعني مواجهته للخطر. فاستأنف هجماته بشدة على لبنان كانت الحملة على بيروت الغربية (او بيروت السنية قبال بيروت المسيحية وبيروت الشيعية) يوم السبت الماضي. كما ان حزب الله قد اطلق نفس اليوم 400 مقذوفة حربية تشمل؛ مائتا صاروخ جعلت اسرائيل تعيش أشد الضربات.
ان الرد المفروض من قبل اسرائيل واميركا من جهة والمقاومة الشديدة قبال المرحلة الثانية من العمليات الهجومية البرية الاسرائيلية قد اثبتت في الواقع ان حزب الله ليس غير مضطر في مفترق اما التسليم او الموت، وحسب وانما يمكنه ان يصعد من قدرته ومقاومته في جو طبيعي بالكامل. ومن جانب ان استئناف الكيان الصهيوني عمليات المرحلة الثانية البرية بمثابة تكرار المرحلة السابقة اذ وبسبب فشله لجأ الى القرار السياسي. اذن فعمليات المرحلة الثانية تكرار مسير في طريق كان قد سار فيه ولم يصل الى نتيجة مهمة.
ان الكيان الصهيوني وجيشه ولاجل تصور هكذا رؤية عن ساحة القتال، اقدم خلال 4-5 أيام ماضية على دعاية سياسة وعمليات نفسية بخصوص تقدمه الوسيع على المحورين الشرقي والغربي. وكانت في يوم السبت دعايته في اوجها الا ان الحقيقة هي نفود استعراض وكالة المخابرات الاسرائيلية في تشخيص المواقع والاشخاص المؤثرين لحزب الله، ومن هنا لجأ يوم السبت الى عمليات عسكرية بمقاتلاته على اجواء مغلقة باستهداف ثلاثة مباني مرتفعة في بيروت الغربية، وكانت نتيجة القصف عدم تعرض اي من اعضاء حزب الله لاصابة في بيروت الغربية. ان هذه العمليات برهنت ان بنك المعلومات لكيان الاحتلال قد نفد. كما انه على المحور البري ووجهت في يوم السبت والاحد الماضيين مساعيه الشديدة بانغلاق كبير.
حين نجمع هذه الاحداث معا يمكننا بوضوح تحليل وضع كيان الاحتلال ووضع داعميه جيدا. كما ان افق هذه الحرب عن هذا الطريق واضح بيّن؛ فان هذه الحرب مستمرة لان اسرائيل لا تريد ان ترى فشلها امام حزب الله، فالثمن الباهض للقبول بهكذا فشل هو ما سينعكس على الداخل الاسرائيلي، اي انهيار النظام برمته. وان هكذا نهاية للحرب سينتهي قطعا بموجة من الفرار لليهود وخروج عدة ملايين منهم، وتأسيسا على ذلك لا مفر لكيان الاحتلال إلا والاستمرار في الحرب.
والوجه الآخر للقضية هو الفشل القطعي لاسرائيل. فحرب بهذه الخصوصيات هي حرب مدمرة، ولكنها ليست حرباً توصل من أبدأها الى نتيجة. فحرب تستمر دون ان يكون لها افق واضح، ستتسبب في خسارة داعميها يوماً بعد آخر وعلى اسرائيل ان تستمر في حربها من خلال اجواء انعزالية، وهذا في وقت نجد ان الجانب الآخر وفي كل ضربة يوجهها لاسرائيل سيحصل على شرعية اعلى.
وعلى مستوى دعم الدول الاوروبية لرأي المحكمة الجنائية الدولية (لاهاي) ضد قادة الكيان الغاصب، فقد اتضح ان الحرب على غزة ولبنان سيؤدي لان تواجه اوروبا بهذه الخصوصيات من جرائم واضحة ضد الاطفال والنساء و... وتدمير منازل الآمنين ـ تواجه بعواقب وخيمة. فان الرأي الموافق لبريطانيا والرأي الموافق لفرنسا لقرار مجلس الامن الاخير ضد اسرائيل، واعلان تنفيذ رأي محكمة لاهاي ضد قادة الكيان اللقيط، هو نوع من الدفاع عن النفس. اي ان بريطانيا في دفاعها عن مصالحها وحيثيتها، قد قيمت الحرب بهذه الوضعية الحالية لاسرائيل بانها مكلفة وتحملها الاضرار، وإلا اذا كان هناك اسرائيلي هو ثمرة دعم شديد هذا البلد لقرن من الزمان.
ان جرائم اسرائيل هي بشكل ان المصالح الشرعية وغير الشرعية للحكومات الغربية لاسيما في الممالك الاسلامية ستتعرض للخطر، وان اي مشروع اقتصادي وغير اقتصادي في مناطق المسلمين سيواجه بالرفض.
في الحقيقة ان اسرائيل اليوم وبسبب فطرتها المجرمة تشكل خطراً كبيراً للمنطقة والدول الاسلامية وكذلك للحكومات الاخرى تتسبب اسرائيل في اضرار كبيرة لهذه الحكومات مع هذا الوضع الذي تعيشه اسرائيل ليس لها غير افق واحد وهو الانهيار.