kayhan.ir

رمز الخبر: 162433
تأريخ النشر : 2022December21 - 20:21

"فوبيا" العقد الثامن.. لماذا يخشى الاحتلال زوال "إسرائيل" قريباً؟

 

مع تعاظم التحدّيات الداخلية والخارجية، التي تواجهها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، تتزايد حدّة التحذيرات من مختلف المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية في الكيان، ومفادها أنّ "إسرائيل" تلفظ أنفاسها الأخيرة. فإلامَ استندت مخاوف قادة الاحتلال؟ وهل بات زوال "إسرائيل" قريباً؟

هناك اعتقاد راسخ لدى كثيرين من الإسرائيليين، مفاده أنّ عمر كيانهم لن يدوم أكثر من 80 عاماً - الأمر الذي يعني زوالها عام 2028 - انطلاقاً من وقائع تاريخية. فالكيانان اليهوديان السابقان (مملكة داوود، ومملكة الحشمونائيم)، لم يصمد أيّ منهما أكثر من 80 عاماً. وبالتالي، فإنّ كيانهم الثالث القائم حالياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة اقترب زواله، وفقاً للرواية اليهودية.

هذا الأمر عبّر عنه، صراحة، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق، إيهود بارك، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بالقول إنه "على مرِّ التاريخ اليهودي، لم تعمِّر لليهودِ دولةٌ أكثر من 80 عاماً".

مخاوف إيهود بارك كان سبقه إليها رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، عام 2017، عند قوله: "سأجتهد كي تبلغ إسرائيل عيد ميلادها الـ100، لأنَّ مسألة وجودنا ليست مفهومة ضمناً، وليست بديهية، فالتاريخ يعلِّمنا بأنّه لم تُعمّر دولة للشعب اليهودي أكثر من 80 عاماً".

وعلى رغم اعتقاد البعض أنّ إثارة هذه المخاوف تهدف إلى استعطاف اليهود تجاه الكيان الحالي، وضمان استمرار الدعم الغربي، فإنّ تزايد التحذيرات، على لسان قادة الاحتلال بشأن مصير كيانهم، يدفع إلى التساؤل إنّ بات زوال "إسرائيل" قريباً؟

الانقسامات الداخلية

"اجتزنا نقطة اللَّاعودة، وإسرائيل تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليّون يدركون، منذ أن جاءوا إلى فلسطين، أنّهم ضحيَّة كذبة اختَرعتها الحركة الصهيونيّة". بهذه العبارة، يختصر المحلل الإسرائيلي، آري شافيط، الحال التي وصل إليها الكيان الإسرائيلي.

ولعلّ الانقسامات الداخلية، التي تعيشها "إسرائيل"، تشكّل أبرز التحديات التي تواجهها. وفي هذا السياق، يقول المحلل الإسرائيلي، جدعون ليفي: "إنَّنا نواجه أصعب شعبٍ في التَّاريخ. وعمليَّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيَّة، ولا سبيل إلى العِلاج بالقبب الحديديَّة ولا بالأسوار ولا بالقنابل النوويَّة".

وبرزت الصراعات الداخلية، بصورة لافتة مؤخراً، مع محاولات نتنياهو تشكيل حكومته، وسط الاقتتال الداخلي بين الحزب الواحد على توزيع الحقائب الوزارية، ناهيك بالامتيازات الحصريّة الممنوحة لفئة من دون أخرى، وتصاعد التحذيرات من وصول الأحزاب اليمينية المتشددة إلى الحكم، وتزايد السخط بين المستوطنين بسبب الفساد الحكومي المستشري.

ولعلّ ما يبرز حجم المعضلة القائمة، هو اتهام وزير المالية في حكومة الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، قبل 3 أيام، لنتنياهو بتقسيم الإسرائيلين إلى "شعبين"، أو "عدّة شعوب"، وأنّه يضحي بمصالح "إسرائيل" من أجل مصالحه الشخصية.

وفي هذا السياق، يقول الرئيس السَّابق لجهاز "الموساد"، تامير باردو، إنه "بينما كثُر الحديث عن التهديدات الكبيرة التي تحوم فوق "إسرائيل"، فإنَّ التهديد الأكبر يتمثَّل بنا نحن الإسرائيليين، عبر ظهور آليةِ تدميرِ الذَّات التي جرى إتقانها في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي يستدعي منّا وقف هذا المسار الكارثي قبل نقطة عدم العودة، لأنّ إسرائيل تنهار ذاتياً".

"الهجرة المعاكسة"

المظهر الآخر، الذي يدل على تغلغل اليأس في نفوس الإسرائيليين من مستقبل كيانهم، نتيجة فقدانهم للأمان، وعجز حكومتهم عن حمايتهم، هو السعي المتزايد للحصول على جوازات سفر أوروبية لمغادرة الأراضي المحتلّة عند توافر الفرصة الملائمة.

وما عبّر عنه رئيس الكنيست السابق، إبراهام بورغ، في مقال له نُشر في "واشنطن بوست"، يصبّ في السياق ذاته، إذ قال "إنّ إسرائيل على أبواب نهاية الحلم الصهيونيّ، وتتجه نحو الخراب". ودعا الإسرائيليين إلى امتلاك جواز سفر آخر، كما أوضح أنّه هو نفسه امتلك جواز سفر فرنسياً.

ووفق دراسة صدرت عام 2018، بعنوان "الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين"، بلغ عدد الذين تركوا "إسرائيل"، خلال العقود الأخيرة، بمن فيهم يهود الاتحاد السوفياتي السابق، مليوناً ونصف مليون.

وبحسب دراسة أعدّتها وزارة الاستيعاب الإسرائيلية عام 2020، غادر  "إسرائيل" ما يقارب 16 ألف يهودي، بسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي باتت تشكّل تهديداً كبيراً لحياتهم.

وتترافق رغبة المستوطنين في مغادرة الكيان الإسرائيلي مع عزوف يهود العالم عن الهجرة إلى الأراضي المحتلّة، فلقد تراجع معدل الهجرة السنوي إلى "إسرائيل" من 100 ألف مهاجر، في تسعينيات القرن الماضي، إلى 14 ألف مهاجر في الوقت الحاضر.

انهيار المؤسسة العسكرية

في منتصف الشهر الحالي، أدلى وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، بتصريح لصحيفة "إسرائيل هيوم"، كشف فيه حجم المشكلة التي يعانيها جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر تحذيره من نقص التجنيد الذي وصفه بالقنبلة الأمنية والاجتماعية لـ"إسرائيل"، وعبر وصفه "الجيش" الإسرائيلي بأنّه "جيش نصف الشعب".

فالفجوات الداخلية والاتجاهات السلبية، التي يسلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي، دفعت باحثين وخبراء إسرائيليين إلى دق جرس الإنذار والتحذير من تراكم المؤشرات والشواهد على فشله، في أداء وظيفته كـ"جيش الشعب"، كما يتم وصفه، بعد أن تحوّل، في رأيهم، إلى "جيش طبقي" يعزز الفوارق ويفاقم الانقسامات الداخلية.

وفي هذا الخصوص، أظهرت نتائج استطلاع للرأي، أجراه "ائتلاف الحركات الشبابية" في كيان الاحتلال، ونقلته "القناة الـ12" الإسرائيلية، أنّ "ثلث الشبان الإسرائيليين لا يريدون أن يجري تجنيدهم". وأكدت القناة أنّ "هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب".

ووفقاً لدراسة أعدتها صحيفة"إسرائيل هيوم"، في 24 تموز/يوليو 2022، يتبين أنّه تهرّب من الخدمة في "الجيش" الإسرائيلي، في عام 2020، ما بين 2400 و2500 شاب، بينما ارتفع العدد في عام 2021 إلى نحو 3100 شاب.

وبالإضافة إلى الانقسامات الداخلية، التي يعانيها "الجيش" الإسرائيلي، تبرز آفة إدمان المخدرات. ففي عام 2018، نشرت هيئة مكافحة المخدرات الإسرائيلية تقريراً شكّل صدمة في الأوساط الإسرائيلية، مفاده ارتفاع نسبة الإدمان بين جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي لتصل إلى 54.3%، الأمر الذي عدّه الخُبراء النفسيون إنذاراً بالخطر.

تعاظم قوّة المقاومة

ومع تعاظم قوة المقاومة الفلسطينية، والصمود الشعبي، يرتفع منسوب الخوف الإسرائيلي من إمكان زوال كيانهم، وهو ما عبّر عنه غانتس، في قوله إنّ "المخاوف من سيطرة الفلسطينيين على "إسرائيل" في المستقبل ليست بعيدة عن الواقع، وإنَّ "الدولة اليهودية ستتقلَّص، خلال الأعوام المقبلة، لتصبح ما بين مستوطنة غديرا والخضيرة".

وشكّلت معركة "سيف القدس" الأخيرة، عام 2021، نقطة تحوّل لمصلحة المقاومة، نظراً إلى تردداتها المدوية والمستمرة حتى اللحظة في الكيان الإسرائيلي، في المستويين الرسمي والشعبي.

تأكيداً لما تَقَدَّمَ، يقول المحلل الإسرائيلي، غدغون ليفي، في صحيفة "هآرتس"، في ثالث أيام المعركة، إن "وجهتنا يجب أنْ تكون أوروبا، وعليهم أنْ يستقبلونا كلاجئين".

ونجحت هذه المعركة في ضرب مفهوم الأمن القومي الإسرائيليّ، وأصبحت كلّ بقعة، باعترافٍ إسرائيليٍّ رسميٍّ، مستباحةً وتحت مرمى صواريخ المقاومة من غزّة ومن حزب الله اللبنانيّ.

كما أنّ ما يجري اليوم في الضفة الغربية، من تزايد العمل المقاوم، شكّل تهديداً استراتيجياً لـ"إسرائيل". وفي هذا السياق، يعلّق المراسل العسكري في "القناة الـ13" الإسرائيلية، ألون بن دافيد، على ما يحدث في الضفة خلال الأشهر الأخيرة، ويقول: "إنها انتفاضة من نوع آخر، تتباين عما شهدناه في الثمانينيات وعام 2000".

بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ الانتصارات التي يحققها محور المقاومة في كل الجبهات، الداخلية والخارجية، وانتصاره الأخير على "داعش"، وتعاظم قوّته العسكرية، وفرضه معادلات ردع جديدة، شكّلت جميعها تحديات تهدد وجود "إسرائيل"، وهو ما يدركه قادة الاحتلال جيداً، لا بل ويتحدثون عنها علناً.