السعودية .. من دعم المشاغبين الى الدفاع عن القتلة المحكومين بالإعدام في ايران
في شهر مارس من العام الجاري 2002 ، نفذت السلطات السعودية عملية إعدام جماعي طالت 81 شخصا. عملية اعدام هؤلاء الاشخاص تمت في حين لم يكن هناك اي سجل واضح لتورطهم في أعمال إرهابية أو أعمال تمس بالأمن السعودي. طبعا قبل ذلك، كانت قضية مقتل خاشقجي في تركيا قد ادت الى تركيز الرأي العام العالمي على انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد لفترة طويلة، ولكن بدعم من الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، تمكن ابن سلمان من انقاذ نفسه من التهلكة والعقاب. ربما كان اعتماد ابن سلمان على ثروات النفط وغوائد الحج وصبها في جيب ترامب جعلته أكثر تصميماً على مواصلة الطريق واتخاذ قرار إعدام 81 شخصا في يوم واحد.
وكالة الأنباء السعودية الرسمية قالت أنذاك حول تفاصيل عمليات الإعدام هذه أن "من أعدموا هم 73 سعوديا وسبعة يمنيين وسوريا، متهمين بالانتماء إلى عدة مجموعات إرهابية منها "داعش" والحوثيين في اليمن. بالطبع هذه التفاصيل لم تكتمل قط ولم يتم توضيح التهم والجرائم الخاصة بكل من هؤلاء الأشخاص الذين تم إعدامهم
وزعمت وسائل الإعلام السعودية الرسمية حينها: أن الأشخاص الذين تم إعدامهم حاولوا تنفيذ عدة هجمات في السعودية، لا سيما ضد الأماكن الدينية والمباني الحكومية، وكذلك المرافق الحيوية لاقتصاد البلاد. وأضافت وسائل الإعلام أن هؤلاء الأشخاص متهمون أيضا بمحاولة قتل ضباط إنفاذ القانون وتهريب الأسلحة. وفي هذا الخصوص، لم يكن بامكان الرأي العام السعودي ولا وسائل الإعلام الحساسة تجاه الوضع الداخلي السعودي أن تتذكر حضور أي من هؤلاء الأشخاص الـ 81 في أي عمليات مناهضة للنظام السعودي، او باي ذنب تم اعتقالهم؟ وفي أي إطار تمت محاكمتهم؟ ، وبالتالي من أي حق من حقوق الدفاع عن النفس استفادوا حتى يلاقوا هذا المصير؟!.
الآن، وبعد مضي 7 أشهر على عملية الإعدام الجماعي في السعودية، وفي ظل الظروف التي كانت اعمال الشغب في إيران تتصدر نشرات الاخبار العالمية خلال الأشهر الثلاثة الماضية (وانحسرت منذ فترة)، تحاول وسائل الإعلام السعودية التشكيك في حقيقة وشرعية المحاكم الإيرانية في التعامل العادل مع المتورطين والضالعين في عمليات التعدي على المواطنين والممتلكات العامة والخاصة. النظام السعودي ووسائل الإعلام في هذا البلد، والتي كانت الداعم الرئيسي لاعمال الشغب في ايران وتأجيجها، حاليا و من خلال تركيزها على عملية التحقيق القضائي فيما يخص الاتهامات والجرائم التي ارتكبها الجناة في أعمال الشغب، تتبع عدة محاور رئيسية. اولا تدعي بان المحاكم الايرانية المعنية بالبتّ في تورط مثيري الشغب تقام خلف الأبواب المغلقة!. وثانيا، المستندات الخاصة بإثبات التهم الموجهة إلى المجرمين، وكذلك الإجراءات القانونية الخاصة بالتعامل مع جرائم المجرمين غير مكتملة!, وثالثا، ان المتهمين ليس لديهم محام!.
المفارقة المريرة لهذا الدعم، الذي يعد طبعا مصداقا بارزا للتنفيس عن الاحقاد والعقد النفسية، ويعود الى الإخفاقات العديدة للسعوديين على الساحة الدولية امام ايران، هي أن نظاما قبليا حتى النخاع يصبح من دعاة تطبيق حقوق الإنسان في إيران. ربما موظف قناة "بي بي سي" الناطقة باللغة الفارسية، المفصول أو المنفصل، قدم أدق تحليل للأهداف السعودية من التركيز على الاضطرابات في إيران ودعمها، عندما قال : بأي منطق يمكن قبول أن السعودية المناهضة للإنسان والمتعطشة للدماء تصبح من دعاة حقوق الإنسان في إيران؟ وان لا تسعى إلى التصيد من الماء العكر للاضطرابات في إيران؟. وكيف يمكن تصور نظام يقطّع صحفيا معارضا اربا اربا في وضح النهار، ثم يُعدم 81 شخصا بتهم واهية في يوم واحد، وتكتظ سجونه بالسجناء السياسيين والعلماء واصحاب الراي المعارضين لابن سلمان، ان يكون مناصرا للشعب الايراني ومعارضا لعمليات اعدام الأبرياء؟.
مدافع الأمس عن المشاغبين ومعارض اليوم لإعدام المفسدين، هو الذي أعلن بوضوح أنه سينقل المعركة الى داخل إيران. ومن الواضح أن أي إيراني لا قيمة له عند واهم مثل بن سلمان واخطبوطه الاعلامي. فكما ان عدد أرواح الإيرانيين الذين استشهدوا وقتلوا في الاضطرابات الأخيرة لا قيما لها عند ابن سلمان، فكذلك الحال فيما يخص أرواح الذين يتم إعدامهم. ما يدور في ذهن ابن سلمان والنظام السعودي خلال هذه الأشهر والظروف، هو ان ايران أصبحت ضعيفة، ويجب استغلال اي وسيلة لزيادة هذا الضعف. وبناء على هذا المنطق يتضح جليا بان ابن سلمان يتعامى عن الأفلام الموثقة التي يتم نشرها عن جرائم مثيري الشغب ولا تقنعه مقاطع الفيديو التي يتم نشرها من داخل محاكم محاكمة الجناة بسبب ان عقله مليء بالكراهيته والحقد للإيرانيين والعجم، هذا من جهة. ومن جهة اخرى لا ينعم بتعليم او خبرة تجعله قادرا على معرفة الاسس القانونية والحقوقية للبلدان والتمييز بين الأسس القانونية للدول وطرق العمل المختلفة على صعيد تطبيقها.
نظرة عابرة على العداء السعودي لإيران خلال الـ 43 عاما الماضية وعداء ابن سلمان الخاص ضد الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني والبالغ من العمر 7 سنوات، يمكن تلخيصه في كلمة واحدة وهي "وهم العداء". طبعا لا يوجدا اساسا اي مؤشرات لتاكيد وجود مثل هذا الوهم على ارض الواقع، لانه نتاج تلقين الغربيين والصهاينة الذين ينظرون إلى جيب المملكة، وفي نفس الوقت، وجود ولي عهد غر من المفترض أن يعتلي العرش، ويقدم نموذج إدارة علمانية في مقابل الإسلام السياسي، ويبلور علاقة خاصة بين العالم الاسلامي والكيان الصهيوني ! . فهل ما كشف عنه عادل الجبير الأسبوع الماضي واعلانه رسميا وعلنيا بأن الوقت سيحين لتطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني، لا علاقة له بالتحليل الخاطئ السعودي وبن سلمان حول الوضع الداخلي في إيران؟ هذا امر مستبعد .