السفن الايرانية وسقوط الفيتو الأميركي: ماذا عن تنفيذ خطة الغاز المصري؟
د. محمود جباعي
منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية والبلد يعاني من أزمة مزمنة تتمثل بغياب الكهرباء وملامسة العتمة. هذا الواقع انكشف أكثر وبشكل غير مسبوق مع بدء مفاعيل الأزمة الاقتصادية الخانقة الأخيرة حيث فقدت مصادر الطاقة من البلاد إما بفعل الحصار الخارجي وإما بفعل التخزين والاحتكار الذي يستغل أصحابه الأزمة لتحقيق أرباح خيالية على حساب الشعب اللبناني. هذا المشهد كان يحصل كل هذه الفترة أمام أعين الادارة الأميركية واعوانها الاقليميين والمحليين دون تحريك أي مبادرة الى التخفيف من حدة الحصار وتنفيس الوضع المتأزم الذي تعاني منه كل مناطق الوطن دون استثناء.
إذاً ما الذي تغير حتى تحركت النخوة الأميركية وقررت السفيرة فتح آفاق الحل للدولة اللبنانية؟
السفن الإيرانية والحل السحري
بمجرد اعلان سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عزم الجمهورية الاسلامية على مساعدة لبنان من خلال ارسال سفن محملة بالمحروقات الى لبنان للمساهمة بحل جزء من أزماته المتفاقمة المتمثلة بالطاقة، موجهة بذلك صفعة حقيقية لخطط الحصار والاحتكار، صدمت الادارة الاميركية ومن معها من أدوات منفذة لهذه الخطط لعلمها أن استقدام المحروقات بشكل فوري ودوري سيحد من تفاقم الأزمة ويكسب محور المقاومة نقاط انتصار جديدة تتمثل هذه المرة بالجانب الاقتصادي والمعيشي.
من هنا خرج الحل السحري الأميركي بالسماح للدولة اللبنانية بالقيام بتفاوض مباشر مع الدولة السورية المعاقبة بفعل قانون قيصر الأميركي من أجل استجرار الغاز المستعمل للطاقة الكهربائية عبر مصر مرورًا بالأردن ومن ثم سوريا حتى يصل الى معمل دير عمار لتشغيل اضافي للتغذية الكهربائية تصل الى عدة ساعات يومية. علمًا ويقينًا أن هذا الحل لم يكن ليحصل لولا المبادرة الشجاعة للمقاومة اللبنانية التي رسخت معادلة جديدة مفادها أنها لن تسمح باستمرار الحصار على الشعب اللبناني ككل دون استثناء مما فرض معايير تعاطٍ جديدة مع الملف اللبناني من قبل الإدارة الأميركية التي ستحاول جاهدة التخفيف من حدة تأثير هذه المعادلة على الداخل اللبناني ولكنها من حيث لا تدري رسخت انتصارًا مفاده أن المقاومة تستطيع فرض حلول اقتصادية جديدة حين تدعو الحاجة لذلك.
الموقف السوري المشرف
رغم ما تعانيه سوريا من حصار اقتصادي كبير على مختلف الصعد إلا أن الحكومة السورية اتخذت موقفًا مشرفًا من دون تردد ورحبت بطلب لبنان استيراد الغاز المصري لتوليد الكهرباء عبر أراضيها دون قيد أو شرط عقب الزيارة التي قام بها الوفد اللبناني الوزاري الى العاصمة السورية دمشق.
وبعد الاجتماع وافقت الحكومة السورية على خطة مدعومة أميركيًا تقضي باستيراد الكهرباء من مصر الى الاردن مرورًا بالشبكة الكهربائية السورية حيث تتضمن الخطة استعمال الغاز المصري لتوليد الكهرباء في الأردن ثم تحويلها الى لبنان عبر الشبكة الكهربائية السورية، على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا التي تعقّد أي مساعدة للبنان عبر سوريا، ولكن حصل خرق أميركي لهذا الأمر بعد زيارة أعضاء من الكونغرس الاميركي الى بيروت وتأكيدهم للدولة اللبنانية رغبة بلادهم في تسهيل تنفيذ الخطة المقترحة مما أتاح للجانبين اللبناني والسوري المضي قدمًا في البدء بعملية تنفيذها.
المعوقات التقنية لتنفيذ الخطة
مع اعطاء الضوء الأخضر الأميركي للبنان للعمل على استجرار الطاقة من الدول العربية الشقيقة المتمثلة بمصر والاردن وسوريا الا أن هذه الخطة تعترضها عقبات تقنية ليست بالقليلة وتحتاج الى وقت لا يقل عن عدة أشهر لتنفيذها عملياً.
لعل أبرز هذه العقبات التقنية تتلخص بما يلي:
1- إن خط الكهرباء الذي يربط بين الاردن وسوريا وصولاً الى لبنان تعرض جزء منه لأعمال تدمير وتخريب على مسافة 87 كم بدءًا من شمال العاصمة الأردنية عمان حتى منطقة الدير علي التي تقع جنوب سوريا على طول 144.5 كم.
2- إن الكلفة التقديرية لإعادة تأهيل هذا الخط تبلغ حوالي 3.5 مليون دولار ويحتاج لفترة زمنية لإعادة تشغيله تقدر بحوالي 4 أشهر.
3- توجد صعوبة في تأمين المواد الأساسية الواجب استخدامها من الجانب السوري بسبب حالة الحصار الشاملة المفروضة عليها وهذا قد يؤخر عملية الاصلاح لفترة أطول من 4 أشهر.
4- يحتاج خط استجرار الطاقة الى لبنان الى صيانة أيضًا في الجانب اللبناني وهذا الأمر يحتاج الى عدة شهور لتنفيذه.
يعتبر هذا المشروع خطوة استراتيجية في حال قررت الدولة اللبنانية الاستفادة منه بشكل دائم لأنه يمكن أن يؤمن تغذية كهربائية قد تصل الى 4 ساعات يوميًا شرط استغلاله ضمن خطة متكاملة لانتاج الطاقة الكهربائية، ولكن يبقى الخطر الأكبر يتمثل بمدى جدية الجانب الأميركي باستكمال الموضوع حتى خواتيمه وأن لا تكون هذه الخطة فقط لذر الرماد في عيون اللبنانيين من أجل إبعادهم عن الخطوات الحقيقية التي تساهم في حل مشكلة الطاقة، لذلك على الدولة اللبنانية مدعومة من جميع القوى السياسية أن تفكر بمصلحة لبنان بعيدًا عن الإرادة الأميركية.