kayhan.ir

رمز الخبر: 125941
تأريخ النشر : 2021January27 - 20:36

السعودية هي الخاسر الأكبر مع بايدن


ناصر قنديل

عندما تحشد الدول الكبرى الحلفاء لخوض حرب فهي تعِدُهم بتوزيع أنصبة الأرباح، وهذا ما فعلته واشنطن في العقدين الماضيين، حيث حشدت لحروبها في أفغانستان والعراق وعلى لبنان وفلسطين وصولاً للحرب تحت ظلال دخان الربيع العربي، في المنطقة وصولاً الى سورية. وعندما تقع الخسارة ويصير المطلوب الخروج من الحرب، يتم توزيع أنصبة الخسائر، ومهما تم توصيف السياسة الخارجية الأميركية الجديدة في عهد الرئيس الجديد جو بايدن، فهي عملياً تحمل بصمات الإقرار بالسعي للخروج من الحروب الفاشلة بأقل الخسائر، لكن أقل الخسائر على أميركا، وليس على الحلفاء، الذين سيتم توزيع أنصبة الخسائر عليهم، بنسب مختلفة عن وعود توزيع أنصبة الأرباح. فالحصص من الأرباح يحددها حجم الإسهام في الحرب والحاجة إليه من جهة، والقرب من ساحة الحرب والقدرة على استثمار عائداتها من جهة ثانية، عدا الحصة المحورية التي سيغتنمها سيد الحرب وصاحب قرارها، لكن الحصص التي سيتحمّلها الحلفاء من الخسائر عدا عن نصيبهم من حصة صاحب الحرب الذي لن يدفع من نصيب الخسائر شيئاً، سيتمّ توزيعها على الحلفاء بقياس موازين القوى داخل معسكر الحلفاء من جهة، ومن جهة مقابلة وفق معادلة طبيعية عنوانها الأقرب سيدفعون أكثر، لأن النتائج المترتبة على الخسارة ستعني اعترافاً بحضور أقوى للخصم المنتصر على حساب الحلفاء بتدرّج قدراتهم على التحمل، وتدرج مكانتهم عند سيد الحرب، ودرجة القرب التي تتقاطع فيها سياساتهم مع صاحب الحرب.

الوجهة التي ستسلكها إدارة الرئيس بايدن، بالمقارنة مع سلفه دونالد ترامب، تضع الشرق الأوسط كساحة مركزية للتغييرات، حيث تبريد الحماوة في الاستقطابات التي تحكم العلاقة بكل من روسيا والصين لن يصل حد الانخراط في تسويات كبرى، بل ربط نزاع ورسم قواعد اشتباك تتقدمها اتفاقية الحد من سباق التسلح واتفاقية الحد من التلوث المناخي الصناعي، والواضح أن دعم المعارضات في روسيا والصين والسعي لتعزيز الحلفاء الإقليميين لأميركا في الجوار الروسي والصيني سيبقى عنواناً للسياسة الجديدة، بينما ربط النزاع وقواعد الاشتباك في الشرق الأوسط كمدخل لتهدئة النزاعات بما هو أبعد من هذه المنطقة، تقوم على ركيزة هي العودة للتفاهم النووي مع إيران، والتفاهم كان من أبرز الخطوات التي أقدمت عليها إدارة باراك أوباما وجو بايدن كإطار لربط النزاع ورسم قواعد الاشتباك منذ العام 2015، وجاء التراجع عنها في عهد ترامب بشراكة وتشجيع وتحريض وتمويل شريكين رئيسيين في حروب العقدين الماضيين، هما كيان الاحتلال وحكومات الخليج المنضوية تحت قيادة السعودية، بعدما وقفت أوروبا في خط الدفاع ولو نظرياً عن بقاء الاتفاق، وخرجت تركيا من حلف الحروب التي تقودها واشنطن، وعندما تدق ساعة العودة للتفاهم النووي سيكون هذان الشريكان المناهضان للتفاهم وحدهما معنيين بتقاسم الخسائر.

مهما حاولت إدارة بايدن تفادي وقوع خسائر جسيمة على كيان الاحتلال، فإن المتغيرات الجيوسياسية الناتجة عن المرحلة الجديدة ستجعل الكيان في وضع أشد صعوبة، وستحاول واشنطن تعويض بعض الضعف اللاحق بكيان الاحتلال بالالتزام بحمايته وتمويله، والسعي لتوسيع مفهوم قواعد الاشتباك لتبريد ساحات التصعيد المحيطة به والقابلة للاشتعال، ولكن يكفي أن يكون الكيان رغم تورط قيادته بتحالف معلن مع ترامب، في مكانة الحليف المميّز لإبعاد الكيان عن دوائر الخطر، ورمي كتلة الخسائر وأثقالها على عاتق الحكومات الخليجيّة الواقفة تحت الظلال السعوديّة. وها هي الإدارة تثير مجموعات عناوين تطال الحضور والمكانة السعودية، رغم ترداد أنّها لن تتخلى عن هذا الحليف، فالقرار بالتراجع عن تصنيف أنصار الله في اليمن عن لوائح الإرهاب قيد النقاش، كما قال جيك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن، والقرار بالتراجع عن السماح بييع طائرات الأف 35 للإمارات وقرار الاعتراف بالسيادة المغربيّة على الصحراء الغربية قيد البحث أيضاً، وكشف تفاصيل قتل جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا التزام رئيسة المخابرات الوطنيّة الأميركيّة افريل هاينز أمام الكونغرس، خصوصاً ما قد يطال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذا الملف.

يكفي أن لا تُقدم واشنطن مع بايدن إلا على العودة للتفاهم النوويّ حتى تبدأ السعودية بدفع الثمن، وفقاً لمعادلة الأقرب في الجغرافيا. فالتنافس في المنطقة لا يدور بين إيران وتركيا، ولا بين إيران و»إسرائيل»، فمع الأولى تحالف ومع الثانية صراع مفتوح، ومن لبنان الى سورية الى العراق وفلسطين واليمن والبحرين، صراع الولاءات والتحالفات والخيارات يدور بين مرجعيتين هما طهران والرياض، ويكفي انفراج أحوال أحدهما لتضيق الأحوال على الآخر، هذا إذا لم نأخذ بالحساب التقارير التي تتحدث في واشنطن عن خطأ استراتيجي باعتماد السعودية زعيماً للعالم العربي بدلاً من مصر، أو عن التقارير التي تتحدّث عن الحاجة لإعادة صياغة توازنات النظام السعودي لصالح ترجيح مكانة شخصيات أكثر موثوقية وانسجاماً، والبداية هي بتداعيات إنهاء حرب اليمن التي يلتزم فريق رئيسيّ في إدارة بايدن باعتبارها أولى الترجمات للسياق الإقليمي الجديد.