وقنابله الدخانية في الخليج الفارسي تذروها الرياح....!
محمد صادق الحسيني
بداية لابد من القول بانه يجب على كل متابع للشأن الصيني ، وبالتالي لجهود الصين المشتركة مع روسيا وايران وغيرهما من الدول لانهاء سيطرة القطب الاميركي الواحد على العالم ، ان يتذكر ان ما ينفذه الرئيس الاميركي ترامب ضد الصين ، من اجراءات اقتصادية / مالية وسياسية وعسكرية ، ليست بالإجراءات الامريكية الجديدة إطلاقاً .
اذ ان العداء الاميركي لجمهورية الصين الشعبية قد بدأ منذ نشأة هذه الدولة ، سنة ١٩٤٩ ، ومنذ ان قام الجنرال تشين كاي تشيك ، زعيم ما كان يعرف بالكومينتانغ وأثر هزيمة قواته امام قوات التحرير الشعبية الصينية ، بقيادة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ في نهاية الحرب الاهلية الصينية ، التي استمرت من سنة ١٩٤٥ وحتى ١٩٤٩ ، نقول حيث قام زعيم الكومينتانغ ، مع فلول قواته ، بالهرب من البر الصيني المحرر الى جزيرة فورموزا ( تايوان ) وسيطر عليها ، من خلال وحدات الكومنتانغ العميلة للولايات المتحدة ، والتي تمكنت من ذلك بمساعدة عسكرية اميركية مباشرة .
وقد تمادت الولايات المتحدة في عدوانها على جمهورية الصين الشعبية بدعمها هذا الكيان اللقيط ، الذي أطلقت عليه اسم تايوان ، ومنحته ليس فقط عضوية الامم المتحدة ، وانما عضوية دائمة في مجلس الامن الدولي . اَي ان انها اصبحت " دولة " تتمتع بحق الفيتو في ما كانت جمهورية الصين الشعبيه محرومة من حق العضوية في منظمة الامم المتحدة بالمطلق وذلك حتى سنة ١٩٧١ عندما بدأت الولايات المتحدة بتطبيق سياسة انفتاح مبرمج على الصين .
ولكن المخططات الاميركيه ، المعاديه لاستقلالية القرار الصيني والهادفة الى وقف التطور الاقتصادي الصيني ، لم تتغير مطلقاً ، طوال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي شهدت اقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين . وقد وصلت مؤامرات الولايات المتحدة ، ضد الصين ، قمتها في ربيع سنة ١٩٨٩ ، عندما أطلقت واشنطن حملة سياسية وإعلامية دولية ضد جمهورية الصين الشعبية ، تحت حجة دعم مطالب شعبية صينية ، كان قد طرحها محتجون صينيون عبر مظاهرات في عدة مدن صينيه ، خاصة في ميدان تيانا مين ، الذي شهد احتجاجات وصدامات ، منذ أوائل شهر نيسان وحتى أواسط حزيران سنة ١٩٨٩ ، بين المحتجين وقوات الامن الصينية .تلك الصدامات التي انتهت بإعادة فرض النظام في كل مكان والقضاء على ظاهرة "الثوره الملونة " في مهدها .
وها هي الولايات المتحدة ، ومعها بقايا ما كان يطلق عليه مسمى بريطانيا العظمى ، تحاول اثارة المتاعب امام الحكومة الصينية المركزية ، وذلك عبر اثارة الشغب وحالات الفوضى في جزيرة هونغ كونغ ، التي اضطرت بريطانيا الى إعادتها الى الوطن الام ، الصين الشعبية ، عام ١٩٩٧ ، مستخدمة مجموعات محلية مرتبطة بمخططات خارجية ، يتم تسييرها وتوجيهها من قبل اجهزة مخابرات اميركية وبريطانيا منذ ما يقارب الشهرين ، دون ان تقوم قوات الامن الصينية بأكثر من الحد الأدنى لحفظ النظام .
ولكن استمرار هذه السياسة الانجلواميركية وتزامنها مع استمرار التحشيد العسكري الاميركي ، في البحار القريبة من الصين كشرق المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي وخليج البنغال وبحر اليابان وغيرها من البحار ، وصولاً الى إرسال حاملة الطائرات الاميركية ، رونالد ريغان ، الى بحر الصين الجنوبي ، ووصولها تلك المنطقة هذا اليوم ، في خطوة استفزازية للصين ، نقول ان استمرار هذه السياسة الاميركية ، الى جانب العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضت على الصين ، وفِي ظل قدسية الحفاظ على وحدة وسيادة جمهورية الصين الشعبية على كافة أراضيها ؛، فقد اصدر المتحدث باسم مكتب شؤون هونغ كونغ وماكاو تصريحاً شديد اللهجة قال فيه : " بودنا التوضيح لمجموعة صغيرة من المجرمين العنيفين عديمي الضمير ومن يقف وراءهم ان من يلعب بالنار سيقتل بها .لا ترتكبوا خطأً في تقييم الوضع . ولا تعتبروا ممارستنا لضبط النفس ضعفاً ".
اذن فهذه. رسالة صينية نارية واضحة وصريحة ، لا بل امر عمليات ، موجهة لليانكي الاميركي ، وليس فقط لبعض اذناب الاستعمار في هونغ كونغ ، من سواحل بحر الصين الجنوبي ، مفادها : لا تلعبوا بالنار ...!
وما يزيد امر العمليات الصيني هذا زخماً وقوة ، هو صدوره بعد الجولة الفاشلة ، التي قام بها وزيري الحرب والخارجيه الاميركيين ، في استراليا وعدد من دول المحيط الهادئ ، في محاولة منهما لاقناع تلك الدول بالموافقة على نشر صواريخ اميركية ، موجهة الى الصين ، على أراضيها ورفض جميع الدول المعنية لهذه الفكرة الاميركية الهدامة . كما ان امر العمليات هذا قد تزامن مع وصول حاملة الطائرات الاميركية ، رونالد ريغان ، الى بحر الصين الجنوبي هذا اليوم كما أسلفنا .
اذاً وكما جرت العادة فان الولايات المتحدة ، ممثلة برئيسها ورئيس دبلوماسيتها ، يمارسان الكذب والتضليل بشكل فاضح وخطير .ففي الوقت الذي تشن فيه ادارة الرئيس ترامب حملتها التضليلية الكاذبة ، حول ضرورة الحفاظ على امن الخليج الفارسي ومضيق هرمز ، وحماية السفن التجارية التي تبحر فيهما فانها تطلق قنابل دخانية للتغطية على خطواتها الاكثر خطورة على الامن الدولي ، المتمثلة في تعزيز الحشد العسكري الاستراتيجي ضد كل من روسيا والصين الشعبية ، وذلك من خلال :
1. مواصلة إرسال حاملات الطائرات ، ابراهام لينكولن ورونالد ريغان ، ومجموعتيهما البحريتين الى مناطق عمليات اكثر قرباً من الصين .
2. سحب قاذفات القنابل الاميركية الاستراتيجية ، من طراز / B 52 / التي كانت ترابط في قاعدة العيديد القطرية ونقلها الى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي ، غرب المحيط الهندي .
3. مواصلة الولايات المتحدة لمناوراتها المشتركة مع كوريا الجنوبية والتي لا تشكل استفزازاً لكوريا الشماليه فحسب ، وانما لجمهورية الصين الشعبية ايضا ، وذلك لانها تفضي الى مزيد من الحضور العسكري الاميركي في المحيط القريب من الصين .
وفي اطار قنابل الدخان هذه ، فان القنبلة الاكثر إثارة للسخرية هي الهراء الذي اطلقه وزير خارجية نتن ياهو ، ايسرائيل كاتس ، حول احتمال مشاركة "اسرائيل" في التحالف البحري الذي دعت الولايات المتحدة لإقامته في الخليج الفارسي.
ولكن هذا الوزير نسي ان " دولته " لا تعتبر دولة تملك قوة بحرية ذات قيمة على الصعيد الدولي ، على الرغم من امتلاكها غواصات دولفين ، الألمانية الصنع ، والقادرة على حمل رؤوس نووية ، والخاضعة لمراقبة سلاح البحريه الايراني على مدار الساعى والعديمة القدرة على المناورة ضد ايران في اَي من بحار المنطقه ، لاسباب لا مجال للتوسع في شرحها .
اذن فهذه التصريحات الاسرائيلية لا يمكن اعتبارها اكثر من قنبلة دخان انتخابية لصالح نتن ياهو ليس الا . ولا تدخل حتى في استراتيجية الولايات المتحده الاكثر شمولية . ولمزيد من التوضيح فان هذا الوزير ، كاتس ، كان كمن أراد الاستجارة من الرمضاء بالنار ، اَي انه أراد ان يغطي على فشل كيانه في مواجهة حلف المقاومة وعلى راْسه ايران بحشر انف "اسرائيل" في وضع الخليج الفارسي ، مستنداً الى الوجود الامني الاسرائيلي الواسع في السعودية ودوّل خليج فارس العربية الاخرى .
هذا الوجود الذي تعود جذوره الى اكثر من عشرين عاماً ، اَي الى نهاية تسعينيات القرن الماضي ، حيث بدأت السعودية والإمارات بابرام عقود حماية امنية ، للمنشآت النفطية في البلدين ، مع شركات امن اسرائيلية . وهو الامر الذي مكَّن هذه الشركات الاسرائيلية ، وهي في الحقيقة أذرع لجهاز الموساد الاسرائيلي ، من اقامة بنية تحتية استخبارية كاملة تخدم الاهداف الاسرائيلية . علماً ان هذا الوجود الاستخباري الاسرائيلي الكثيف لا يمثل اَي قيمة لها تأثير على موازين القوى في ميادين القتال . حيث ان مناطق هذا الوجود ، اي السعودية ودوّل الخليج الفارسي ، لم يكن يوماً جزءاً من ميادين القتال ضد الجيش الاسرائيلي وعليه فانه وجود لا يختلف عن وجود العصافير في القفص ،لا قيمة له ميدانية او عملية اطلاقاً ....!
لكل نبأ مستقر
بعدنا طيبين قولوا الله