التوازنات الإقليمية وحسابات الأطراف الدولية: قراءة شاملة
محمد علي جعفر
تتجه الأنظار نحو المرحلة المقبلة مع ما تعنيه من استحقاقات مفصلية تؤكدها حركة الأطراف الإقليمية والدولية. يوماً بعد يوم يُثبت العام 2019 أنه عام التحولات الكبرى. هذه التحولات تُشكِّل بأغلبها تحولات بنيوية ستؤثر حتما على المسارات الإستراتيجية للصراع. ما يعني أن المنطقة والعالم، يعيشان مخاضاً يسبق ولادة نظام عالمي سيأتي كنتيجة لهذه التحولات، يُرسخ معه أحجام جديدة للاعبين وبالتالي توازنات ومعادلات جديدة، تحديداً على الصعيد السياسي والعسكري. فكيف يمكن تصوير الواقع الحالي بدلالاته وتأثيره على المشهد المستقبلي؟
عدة مؤشرات إقليمية ودولية مرتبطة تُعتبر أساساً للحسابات الإستراتيجية نُشير لأبرزها فيما يلي:
أولاً: يبدو واضحاً التغيُّر في السياسة الدولية تجاه سوريا حيث أن أغلب الأطراف الغربية والعربية بدأت تتعايش مع واقع الإنتصار السياسي للدولة السورية وهو ما يمكن تأكيده عبر عودة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، بالإضافة الى عودة حركة الطائرات المدنية وفتح الخطوط الجوية تجاه دمشق. ما يعني تسليم جميع الأطراف بمرحلة ما بعد الحرب ضد سوريا، وعودة العلاقات السياسية معها، مع الإبقاء على بعض نقاط النزاع والتي ستحسم نتائجها حسابات البعض المستقبلية.
ثانياً: إن تراجع المشروع الأمريكي السعودي في اليمن، وعجز أطراف العدوان عن فرض معادلات سياسية جديدة نتيجة الفشل في الميدان، يدفع لتأكيد الإنتصار المدوي للشعب اليمني وإرادته السياسية ونجاحه في فرض مصلحته، فيما يسود لدى بعض الدول توجه لسحب قواتها العسكرية من تحالف العدوان. ما يُنبئ بمرحلة جديدة فيما يخص الحرب على اليمن، سيكون القرار فيها لإرادة الشعب اليمني.
ثالثاً: تسليم أصحاب القرار الأمريكي الإسرائيلي بالتوازنات العسكرية الجديدة في المنطقة، وتعاظم قوة محور المقاومة. فمن جهة وعلى الصعيد السياسي أبرز فشل مشروع صفقة القرن تراجع القدرة الأمريكية على إدارة حلفائها في المنطقة، في ظل عجزهم عن حفظ مصالحهم. ومن جهة أخرى وعلى الصعيد العسكري ساهم الفشل المتكرر للعدوان الإسرائيلي على سوريا في إفراغ الأسلوب الإسرائيلي من القدرة على التأثير حيث بدا واضحاً استغلاله في الإعلام فقط وتجييره لصالح المعركة الإنتخابية الداخلية في آذار. وهو ما يُعزز تراجع فرضية التصعيد أو المواجهة أو الحرب العسكرية المفتوحة ضد محور المقاومة.
رابعاً: بات محور المقاومة واقعاً جديداً يُشبه اتحاد سياسي وعسكري وإعلامي، متماسك ينطلق من أسس ثابتة قادرة على التأثير وبشكل جماعي. ما أوجد تكتل عسكري وسياسي مترابط المصالح يمتلك العديد من أسباب القوة. ما فرض بالنتيجة اعتراف السياسة الأمريكية وحلفائها في الغرب والمنطقة، بهذا الواقع والتعايش معه.
إنطلاقاً من هذه النقاط، بالإضافة الى نقاط أخرى، يمكن البدء برسم الصورة المستقبلية للمشهد السياسي والعسكري المقبل. فيما تُشكل انقطة المتعلقة بمحور المقاومة النقطة الأهم، لإعتبارها أحد أبرز التحولات التي صنعها الصراع الحالي. من نتائج الحرب السورية وما تعنيه من حسابات، بالإضافة الى العدوان على اليمن، وتعاظم محور المقاومة، كلها أسباب طبيعية لحالة الصراع المحتدمة. بإختصار، اليوم تتصارع الأطراف على الساحة الإقليمية والدولية على رسم المشهد المستقبلي. فيما بات من المُسلمات، تعاظم محور الممانعة وتراجع محور أمريكا وحلفائها. هذه النتيجة تعني الكثير. وليس بعيداً عنها المؤامرة الأمريكية الحالية على فنزويلا والقادمة على أمريكا الجنوبية. فهل أخطأت واشنطن وفتحت باباً للحرب ضمن جغرافيتها السياسية؟