kayhan.ir

رمز الخبر: 85967
تأريخ النشر : 2018November25 - 20:15

الصراع الجيواقتصادي: الإقتصاد العالمي ساحة الحرب الجديدة


محمد علي جعفر

يتحول التنافس بين الدول الكبرى من الصراع التقليدي الجيوسياسي والجيوعسكري، الى الصراع الجيواقتصادي. يوماً بعد يوم يحتدم هذا التنافس، ويترافق مع ارتفاع مستوى التحديات في ظل معادلاتٍ جديدة تحكم العالم. معادلاتٌ جاءت كنتيجة للصراع الجيوسياسي والجيوعسكري والذي طغى خلال مرحلة امتازت بحروب السيطرة العسكرية. اليوم، ومع التحول نحو الحرب الناعمة والتي تُعتبر الحرب الإقتصادية أبرز تجلياتها، يعود التنافس بين الدول الكبرى، وتطفو من جديد أسباب الصراع الأساسية بين هذه الأطراف، هي الأسباب الإقتصادية. لكن ما هو الفارق اليوم؟

ساد ولفترة طويلة الصراع الجيوسياسي والجيوعسكري بين الأطراف الدولية. اقتصر على بناء الشراكات العسكرية والسياسية إما مع الأنظمة الحاكمة للدول أو الأطراف المعارضة لها داخل الدول. حيث كانت الدول المُستهدفة في الصراع، ساحةً للتنازع بين الأطراف الدولية بحسب مصالحها. لتلعب الأنظمة الحاكمة أو الأطراف المعارضة دور الأدوات التي تُغذي هذا الصراع. اليوم يتوجه العالم الى تحولٍ في الأسلوب والأهداف. بعد مجيئها الى السلطة، سعت الإدارة الأمريكية الجديدة على سبيل المثال، لبناء تغيُّر في السياسة الخارجية الأمريكية يتناسب مع هذا التحول. لا بد من نقل الصراع من الجيوسياسي والجيوعسكري الى الجيواقتصادي، في عالمٍ باتت تحكمه قواعد السوق فيما يعاني من شُحٍ في الموارد لا سيما الطبيعية. هي نفسها الأسباب التقليدية للحروب العسكرية، لكنها باتت اليوم تُمثل أدوات الحرب. هذا ما أبرزته القضايا الإستراتيجية التي حددتها استراتيجية أولبرايت هادلي منذ سنتين قبل أن تلحق بها استراتيجية الأمن القومي الأمريكي. حيث كانت القضايا الخاصة بالمنطقة مثلاً، اقتصادية المحتوى ذات مُبررات سياسية. وهو ما نجده اليوم في الحرب الإقتصادية التي تعتمد العقوبات كأداة ضد أطرافٍ معارضة للسياسة الأمريكية.

تسعى الشركات الكبرى الى ممارسة الصراع الإقتصادي تحت سقف لعبة السوق والعولمة

تتجلى الحرب الإقتصادية بين لاعبين كبار إما الشركات أو الدول أنفسها. تسعى الشركات الكبرى الى ممارسة الصراع الإقتصادي تحت سقف لعبة السوق والعولمة. وتتصارع للدخول الى الدول التي تنعدم فيها أنظمة وقوانين الرقابة وتتميز بالقدرة على ممارسة كل مظاهر الفساد. هكذا تسيطر على الأسواق. أما الدول، فتمارس السياسة نفسها لكن بشكلٍ مغاير. تدَّعي الدول الكبرى الدفاع عن مصالح ودول مُستهدفة على قاعدة مصلحة الأمن القومي والتاريخ المشترك من العلاقات التجارية الثنائية. خلف هذه المُبررات تقع المطامع بالموارد الطبيعية.

القصة في الصراع ليست جديدة. حتى أن الغرب الأوروبي الذي يمتلك تاريخاً من الإستعمار للمنطقة الرمادية في النظام العالمي (غرب آسيا وأفريقيا وهي المنطقة الغنية بالموارد)، تنازع فيما بينه على تقاسم موارد هذه الدول. كما حصل في عدة دول أفريقية كالكونغو مثلاً والتي ما يزال الصراع الأمريكي الفرنسي فيها مُحتدماً حول الموارد. كما أن واشنطن سعت لأن ترث الحصة الأفريقية التي كان يسيطر عليها الإتحاد السوفيتي قبل انهياره.

خلال السنوات الماضية وضعت روسيا استراتيجية لمواجهة سياسة الإحتواء الأمريكية لها والتي يمارسها الغرب عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، فيما يلعب فيها الناتو دوراً بارزاً لأسباب جيوسياسية وجيوعسكرية. قررت موسكو العودة الى ساحات الحرب التقليدية في اللعبة الإقتصادية عبر المواجهة في ساحة نفوذ الأعداء. دخلت روسيا الحرب الإقتصادية ضمن إستراتيجية التوسع وإعادة الإعتبار للدور والنفوذ الروسي على الصعيد العالمي. حينها شكلت الحركة الروسية نحو دول المغرب العربي، رسالة للغرب بأن موسكو عائدة للصراع الإقتصادي من البوابة الإفريقية. اليوم ارتفعت الأسهم الروسية نتيجة للتعاظم الذي وصلت اليه روسيا سياسياً وعسكرياً في المنطقة بعد الحرب السورية، ليزداد الحضور الروسي في لعبة الإقتصاد الخاصة بالمنطقة والقارة السمراء. على خطٍ موازٍ يبرز الدور الصيني المتعاظم والذي يلتقي مع روسيا، ويأتي في نفس السياق.

إذاً باتت المعايير الإقتصادية حاكمة في حركة الأطراف الدولية. حتى أن سُبل نسج التحالفات وتحديد الشراكات باتت ضمن سقف المعايير الإقتصادية. هنا، يمكن فهم اللهجة التجارية في خطاب الرئيس الأمريكي. كما يمكن فهم الأسباب الكامنة خلف الصراع الأوروبي الأمريكي، ومحاولات الإبتزاز الأمريكية لدول الناتو. كذلك، يمكن فهم الأسباب الحقيقية للحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وحرب العقوبات على كلٍ من روسيا، وايران وحلفائها. بالنتيجة، باتت مقاربة الواقع تعتمد على فهم الخريطة الجيواقتصادية للأطراف، والتي من دونها لم يعد ممكناً تحديد المسارات المستقبلية.