kayhan.ir

رمز الخبر: 78895
تأريخ النشر : 2018July14 - 20:21

انتصار 2006.. كيف أنهى الحرب في سوريا

حسام مطر

تتزامن الذكرى الثانية عشر لعدوان تموز 2006 مع دخول الحرب السورية مرحلتها الأخيرة مكللة بفشل اسقاط الدولة السورية في واحدة من أقسى حروب العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

بطبيعة الحال كان لانتصار المقاومة على العدوان الإسرائيلي عام 2006 جملة من التداعيات والنتائج عادة ما تُختصر بالقول أن هذا الانتصار غيّر الشرق الأوسط وأسقط النظام الإقليمي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهذه مقولة لا مبالغة فيها البتة. لكن كيف يمكن للانتصار في معركة جرت ضمن نطاق جغرافي محدود بلحاظ مساحة الشرق الأوسط ومن دون دخول مباشر لقوى كبرى أن يولّد نتائج تتيح الحديث عن تغيير مستقبل الشرق الأوسط بالرغم من كل تعقيداته؟

يمكن الحديث عن نتيجتين أساسيتين لانتصار المقاومة في 2006 يفسران عمق التأثير الإقليمي لتلك المعركة ويمكن إيضاح ذلك بشكل تطبيقي بوضعهما في سياق الحرب السورية. النتيجة الأولى كسر قدرة "إسرائيل” على المبادرة الإستراتيجية، والثانية كسر الإرادة الأميركية بالتورط في حروب واسعة داخل المنطقة.

فيما يخص النتيجة الأولى، أدت الحرب إلى اختبار كيان العدو حدود قوته العسكرية وعمق التحولات في البيئة الاستراتيجية حيث لاعدائه في محور المقاومة قدرة "اللكم فوق وزنهم” بشكل هائل. بالتالي فإن قدرة المبادرة الهجومية الإسرائيلية التي اعتادها الصهاينة بوجه الجيوش العربية لم تعد قائمة، وزحفت الحرب إلى قلب مستوطنات ومدن الاحتلال ومنها إلى وعي كل مستوطن. أن تفقد "إسرائيل” قدرة المبادرة الإستراتيجية يعني أنها أصبحت عاجزة عن تأدية دورها الوظيفي كعصا غليظة لـتأديب قوى الاستقلال والتحرر داخل المنطقة او لخلق وقائع إقليمية والتلاعب بالتوازنات. وهذا ما دفع بعد العام 2006 إلى اعادة تأجيج النقاش الأميركي حول جدوى دعم "إسرائيل” وما إذا كانت تحولت إلى عبء إستراتيجي، وهو ما دفع معهد واشنطن الصهيوني إلى نشر عشرات المقالات والدراسات التي تحاول أن تثبت للأميركيين أن "إسرائيل” لا غنى عنها للأمن القومي الأميركي. وأيضاً، هذا العجز عن المبادرة الاستراتيجية جعل "تل أبيب” تفقد استقلاليتها في المبادرة العسكرية- الأمنية داخل المنطقة، وأصبحت مقيدة بالموافقة الأميركية الصريحة.

النتيجة الثانية لانتصار المقاومة عام 2006 هي تثبيت الهزيمة الأميركية في العراق وتأكيد انهيار المنظومة الإقليمية لما بعد الحرب الباردة والتي "ارتطمت بالأرض” عام 2011. إذاً، كان هناك عجر من الوكيل الإستراتيجي أي "إسرائيل” عن استنقاذ الراعي الأميركي والذي بدوره كان يتعرّض لتنكيل ميداني واسع في العراق عسكرياً وسياسياً. كما حرمت نتيجة حرب 2006 واشنطن من الارادة والقدرة على محاولة الاعتداء على دمشق أو طهران. منذ حينها حصل شبه اجماع داخل الولايات المتحدة على أن الشرق الأوسط هو حقل الغام كبير ومستنقع قاتل للامبراطوريات وأن على واشنطن أن لا تتورط مجدداً بشكل مباشر في حرب برية واسعة هناك.

إذاً، أدى انتصار المقاومة في 2006 إلى كبح المبادرة الهجومية الاستراتيجية لركني محور الاحتلال والهيمنة في المنطقة، وهو ما جرى التعويض عنه لاحقاً بالعدوان السعودي على اليمن والدعم الإقليمي لمشروع الإرهاب في سوريا والعراق. هذا الرصيد الذي جنته المقاومة عام 2006 لم يكن مؤشر على موجة أو حدث بل على اتجاه جديد جرت الاستفادة منه في أبرز تحدي استراتيجي لمشروع المقاومة وهو الحرب على سوريا دولةً ودوراً.

وصلت سوريا في العام 2013 إلى لحظة شديدة الخطورة حيث أصبح كل شيء على المحك، حينها جرى تفعيل نوع من الاتفاق الضمني للدفاع المشترك بين عناصر محور المقاومة الذي انتقل بثقله إلى الميدان السوري ولحقه الحليف الروسي عام 2015. طوال هذه السنوات كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني قوى أصيلة في الصراع السوري وبذلت جهوداً واسعة للتأثير على نتائجه بما في ذلك الدخول الميداني المباشر المحدود. إلا أن كلا من واشنطن وتل أبيب لم تغامرا في الدخول المباشر المفتوح إلى الصراع السوري والذي كان في لحظات ما من الحرب يمكن أن يؤدي إلى تحولات ميدانية هائلة.

علقت واشنطن في دائرة مفرغة من التردد الميداني مكبلة باجماع اميركي على عدم تكرار الكارثة العراقية واكتفت بالضربات الموضعية عن بُعد، وحذت "إسرائيل” حذوها وإن بجرأة أكثر لأن مخاوفها أكبر بكثير. بالنسبة إلى "تل أبيب” الكابح الأساسي هو حصيلة حرب 2006 والتوازن الدقيق الناتج عنها. لو لم يختبر الإسرائيلي والأميركي حدود قوتهما وقدرتهما على المبادرة الإستراتيجية داخل المنطقة، لكان دورهما في الحرب السورية مختلف بشكل تام وربما كان أدى إلى إلحاق ضرر هائل بمحور المقاومة. في النهاية المقاومة تراكم الانجازات والمعادلات لا لتصرفها في أزقة نزاعات لا طائلة منها، بل لتستثمرها ولو بعد عقد من الزمن في المعارك الكبرى التي ترسم أفق النظام الإقليمي الجديد بديلاً عن الذي قضت عليه مع الطلقة الأولى في "خلة وردة”.