قنبلة من نوع جديد : انتخاب رئيس مسلم لبلدية لندن !
عقيل الشيخ حسين
بعد الشرق الأوسط وغيره من مناطق العالم، الأيدي الظاهرة والخفية تتفنن في خلق الظروف المنشطة لعدم الاستقرار والحروب المختلفة في أوروبا. وفي الميدان، أفعى الطائفية تطلق فحيحها المشؤوم.
"في البدء، كان هنالك البرابرة الذين كان ينبغي تحضيرهم (جعلهم متحضرين)، والذين كانوا يردون على الجهد التحضيري بالعنف الذي يمارسونه بحق الأوروبيين جنوداً طيبين أو مستوطنين مساكين".
"ثم كان بعدهم وما زال هنالك المهاجرون الذين تفوح روائحهم وهم يأكلون خبزنا ويرفعون أرقام عاطلينا عن العمل وينشرون الرعب في شوارعنا ومسارحنا وملاعبنا الرياضية ومكاتب صحفنا".
"وها إن الملايين من اللاجئين يجتاحون بلداننا اليوم ويكون علينا أن نلبي جميع احتياجاتهم ومتطلباتهم. وهذا ليس كل شيء : هم يحكمون الآن مدننا بوصفهم رؤساء بلديات. ومن يدري ربما يحكمون دولنا غداً بوصفهم رؤساء و... سلاطين"
تلك -وهذا مما لا يصعب استخلاصه- أفكار تتربع مهيمنة في عقول الكثيرين من الغربيين، وها إن أحداثاً راهنة تضاف إليها بعد أن تزداد انتفاخاً تحت أقلام الصحافيين العاملين في خدمة الإمبراطورية، وذلك لكي يطفح بها كيل الحساسيات المدمرة، ولكي تدفع أوروبا نحو هوة الانهيار.
ففي لندن، ولكن أيضاً في كبريات المدن البريطانية، هنالك 640 حافلة ركاب من حافلات النقل العام سيلتصق على جوانبها، بين آخر حزيران /يونيو وآخر تموز / يوليو، ملصق إعلاني تظهر عليه بالخط العريض ترجمة لعبارة "سبحان الله" (بالحرف اللاتيني). أما وسائل الإعلام التي نقلت هذا الخبر فقد حرصت على التذكير، في الوقت نفسه، بأن العديد من دور السينما في بريطانيا رفضت، في كانون الأول / ديسمبر الماضي، عرض شريط مصور يهيب بالمسيحيين ألا يتركوا الصلاة. أليس هذا تمييز صريح في بريطانيا المسيحية بين أتباع الديانتين وتحيز للإسلام على حساب المسيحية ؟
عند فتح مكة من قبل المسلمين الأوائل، تسلق الصحابي بلال بن رباح (كان عبداً أسود البشرة لبعض عتاة مكة ومشركيها قبل أن يصار إلى عتقه واعتناقه الإسلام، وصار معروفاً بإيمانه الشديد وصوته المهيب في أداء الآذان) تسلق إلى سطح الكعبة وأذن للصلاة كما كان يفعل عادة مطلقاً عبارة "الله أكبر" التي بات ينظر إليها اليوم بالكثير من الاستنكار لاستخدامها السيء من قبل المسلمين المزعومين ممن اعتنقوا الإرهاب الناتوي.
هذا المشهد المثير جداً، جرى استقباله بشكل أقرب إلى الفضيحة من قبل أولئك الذين لم يكونوا قد تخلوا عن كفرهم. ولم يتردد أحدهم عن توجيه الشكر لله لأن أباه قد هلك قبل أن يرى من أسماه بـ "هذا الغراب الأسود" الذي يصيح من فوق الكعبة، على حد قوله.
هذه القصة، وهي حقاً طويلة بعض الشيء في مثل هذه العجالة، تتمتع بقيمة كبيرة عندما تقرأ في سياق انتخاب صادق خان، وهو مسلم من أصل باكستاني، رئيساً لبلدية لندن، وذلك من قبل أكثر من مليون و300 ألف ناخب بريطاني.
لنترك جانباً الحدث البالغ الدلالة الذي تمثل باستقبال صادق خان كما يستقبل الأبطال من قبل الجماعة اليهودية في لندن حيث قام بزيارتها، في أول ظهور جماهيري له بعد انتخابه، وذلك لكي يحيي معهم ذكرى "ملايين اليهود" المفترض بأنهم أبيدوا خلال فترة ما يسمى بالمحرقة... وجرى ذلك بالطبع، في وقت تحيي فيه قلة قليلة من الناس ذكرى عشرات وعشرات الملايين من العرب والمسلمين الذين أبيدوا خلال الفترة الاستعمارية، وما زالوا يبادون من قبل الجيوش العاملة في خدمة الصهيونية والغرب والتي يرتدي أفرادها الثياب الداعشية.
رئيس بلدية لندن صادق خان
ولنتوقف، بدلاً من ذلك، أمام الأمر التالي : بين الـ 994 ألف و614 ناخب الذين صوتوا لـ زاك جولدشميث، خصم صادق خان في الانتخابات، لا بد وأن هنالك أشخاصاً كثيرين قد يمتعضون من رؤية "هذا الغراب غير الأسود بما فيه الكفاية" وقد أصبح رئيساً لبلدية العاصمة البريطانية.
وأن بين هؤلاء أشخاص لا يكتفون، في ظروف الصعود الصاعق للعنصرية وكره الأجانب والمسلمين والأزمات الاجتماعية، لا يكتفون بمجرد تقطيب الحاجبين للحظات قبل أن ينسوا مثل هذه ... الصفعة.
غزو الجزائر
أحداث أخرى شددت وسائل الإعلام تركيزها عليها لأنها تحمل الرسالة نفسها : تأجيج الغضب في الشارع الأوروبي والغربي تجاه العرب والمسلمين و، في الوقت نفسه، خلق فرص لتفريغ هذا الغضب عبر الانتقام !
ومن هذه الأحداث، نذكر حدثين اثنين :
الأول : في العاصمة النمساوية، فيينا، تتقدم الشرطة بالنصح إلى النساء الشقراوات بصبغ شعرهن بالأسود لكي لا يعرضن أنفسهن للاعتداء كما حصل لفتاتين تعرضتا للاعتداء في أحد شوارع فيينا، من قبل رجال أفغان ومسلمين.
الثاني : بعد الولايات المتحدة القوى الغربية الأخرى وخاصة فرنسا ، تسعى إلى الاستثمار المربح، من الناحية الجيوسياسية، أيضاً وأيضاً ضد الإرهاب. لا عبر أقفال حدودها مثلاً في وجه الإرهابيين الذين ترسلهم إلى سوريا وغيرها والذين يعودون الآن لتنفيذ الأوامر الصادرة إليهم بمواصلة نشاطهم الإرهابي في فرنسا نفسها، بل عبر التدخل العسكري في الجزائر. القراءة الصحيحة للعبارة الأخيرة هي "عبر إقامة رؤوس جسور لغزو الجزائر مجدداً".
مع كل ما في مثل هذا المسعى من ويلات سيجرها مثل هذا التدخل على فرنسا نفسها قبل الجزائر.
هل من أدنى شك في أن قوى ظاهرة وخفية تعمل بنجاح منقطع النظير على إشعال نيران القتل والدمار في كل أنحاء العالم، وأن هذا المسعى مركز اليوم بوجه خاص على بلدان أوروبا الغربية التي بدأت أيضاً بالدخول في منطق حرب قد تكون نووية بسبب إصرار الولايات المتحدة على نصب دروعها الصاروخية في أوروبا الغربية.
هل من أدنى شك، في أن القوى التي تقود الولايات المتحدة تسعى أيضاً إلى تدمير أوروبا لا بشقها الشرقي، بل أيضاً بشقها الغربي ؟
المسعى الشيطاني لإشعال الحروب مركز اليوم -بعد الشرق الأوسط- على أوروبا الغربية.