أزمة الهجرة الى أوروبا
يعيش العالم أزماتٍ معقدة لطالما تكون وليدة سياسات الدول والأنظمة الحاكمة. وتعتبر الدول الأوروبية نموذجاً للدول التي تتغنى بالديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان. لكن الواقع الحالي لهذه الدول، يعكس حقائق ليست بعيدة عن سياسات الإستعمار التي طالما عانى منها شعوب المنطقة وبالتحديد ما سجَّله التاريخ عن الإنتداب الفرنسي أو البريطاني.
لكن السياسات التي انتهجتها تلك الدول في تعاطيها مع الملفات الخارجية لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بدأت تنعكس عليها مؤخراً لا سيما في موضوع المعاناة من تسلل الإرهابيين الى الداخل الأوروبي، الى جانب أزمة الهجرة والنزوح نحو دول أوروبا، لا سيما من سوريا وشمال أفريقيا. وهو ما جعل الدول الأوروبية تدخل في مشكلة التعاطي مع هذه الملفات المُستجدة، لما تحتويه من تداخل بين الطابع الإنساني والأمني للمسألتين. فكيف يمكن وصف أزمة الهجرة الى أوروبا تحديداً؟ ولماذا تتحمل حكومات هذه الدول المسؤولية؟
نقلت الصحافة البريطانية عن الباحث الفرنسي ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن "فرانسوا هايسبورغ ” في تعليقه على أزمة المهاجرين الى أوروبا قوله إن أوروبا تواجه اليوم تحدياً كبيراً من النزوح الجماعي للاجئين الباحثين عن ملاذ من المذابح في سوريا والإضطرابات في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، مشيراً الى أن استجابة الإتحاد الأوروبي ومؤسساته لهذه الأزمة غير كافية. وبحسب الباحث فإن مسألة الهجرة ستُحدث وقيعة بين سكان الإتحاد الأوروبي وحكوماتهم وبين الإتحاد الأوروبي نفسه والقيم التي تأسس عليها. وأضاف أن الإنقسامات بين الدول الأعضاء تنمو بما لا يمكن تحمله، مع موافقة ألمانيا على استضافة نحو ٤٠% من طالبي اللجوء الجدد في الإتحاد الأوروبي في حين أن بريطانيا تأخذ ٤% فقط وفرنسا أقل من ٨%. وفيما يؤكد عدم مصداقية إلتزام الإتحاد الأوروبي بالقيم التي يدّعيها، أشار هايسبورغ الى أن الإتحاد الأوروبي بحاجة للإستجابة لأزمة الهجرة بما يرقى إلى القيم التي يتمسك بها منتقداً الموقف الحالي لدول الإتحاد بما فيها فرنسا التي لا توفر حق اللجوء النظامي الذي هو من حق لاجئي الحروب بموجب القانون الإنساني الدولي أو أصول اللياقة العامة.
ومن جهةٍ أخرى رأت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها يوم الجمعة في معرض حديثها عن اجتماع قادة الإتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان في فيينا الخميس، أنه جاء في الوقت المناسب. وأشارت الصحيفة أن أحد الأسباب التي تجعل آلاف الأسر في كوسوفو وأماكن أخرى يتركون جذورهم للإنضمام إلى جماهير المهاجرين من سوريا وأفغانستان في محاولة للوصول إلى ألمانيا والدول الإسكندنافية هو أن الإنتظار الطويل لموافقة الإتحاد الأوروبي وآفاق معيشية أفضل لم يتحقق أبداً.
بغض النظر عن رأي الصحف الغربية فمن الواضح أن أزمة الهجرة الى أوروبا بدأت تأخذ وتيرةً متزايدة دفعت الكتاب والباحثين الى الإعتراض على سياسات الدول الأوروبية تجاه احترام القيم التي تتغنى بها. لكن الأمر المهم الذي يجب أن نُشير له من باب تبيين الحقائق هو أن هذه الأزمة التي تعاني منها أوروبا اليوم هي وليدة سياساتها الخارجية. وهنا نسلط الضوء على سياسات الدول الغربية في التعاطي تحديداً مع الأزمة السورية ودول غرب آسيا وأفريقيا. لذلك نقول التالي:
- مما لا شك فيه أن أوروبا كانت منذ اندلاع الأزمة السورية، من المراهنين على سقوط النظام السوري. وهو الخطأ الإستراتيجي الثاني للدول الأوروبية بعد خطئها في التعاطي مع الأزمة الليبية. فأوروبا ومنذ فترة طويلة سعت للعب دورٍ بناء ومحوري في السياسة العالمية، مما جعلها تدخل نادي اللاعبين الكبار في التعاطي مع ملفات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. لكن العودة للوراء لقراءة السياسات التي تبنتها أوروبا، تُشير الى حجم الخلل الكبير الذي تعاني منه حكومات هذه الدول في فهم الشعوب في منطقتنا.
-وربطاً بما تقدم، فإن الخلل الأساسي هذا، كان السبب في التعاطي الخاطئ بدايةً مع الأزمة الليبية، التي تكاتفت عليها الدول الأوروبية الباحثة عن دورٍ في أفريقيا، بين أمريكا والصين. وهو ما ولد أزمة هجرةٍ للإرهابيين الذين بدؤوا يدخلون عبر الساحل الليبي الى إيطاليا فأوروبا. وبالتالي فإن سوء التقدير لدى الحكومات الأوروبية كان السبب.
-وفيما يتعلق بالأزمة السورية التي جاءت ضمن مسار الأزمات المتلاحقة في المنطقة، والتي إفتعلها الغرب وواشنطن ضمن ما يُسمى الربيع العربي، تبنت أوروبا السياسة الأمريكية، وكانت من أول المراهنين على سقوط النظام السوري. مما جعلها رهينة حسابات خاطئة، أفقدتها مرةً جديدة دورها، وأظهرت حجم التناقض الكبير الذي يعتليها فيما يتعلق بإدعاء محاربة الإرهاب. في وقتٍ بيَّنت الحقائق فيه أن عدداً كبيراً من الإرهابيين القادمين الى سوريا، جاؤوا من دول أوروبية أُرسلوا الى سوريا عبر البوابة التركية. كما أن الدعم المالي الذي تلقته ما يُسمى بالمعارضة السورية المسلحة، كانت أوروبا أحد مصادره التمويلية، كما كانت أحد مراكز إحتضانه سياسياً ودبلوماسياً مع الإشارة الى أنه لم يكن لهذه المعارضة أي صفةٍ رسمية.
بناءاً لما تقدم، تعيش أوروبا اليوم أزمة لا يمكن القول إنها سهلة، لكن يمكن الجزم أنها نتيجة سياساتها في المنطقة ودعمها للإرهاب. فإلى جانب الطابع الإنساني للأزمة التي تتعلق بالنازحين، تتحمل أوروبا مسؤولية المخاطر الأمنية فيما يتعلق بخروج الإرهابيين الإسلاميين منها أو دخولهم اليها. وهنا يمكننا الخلاص الى نتيجةٍ مفادها، أن الأزمة التي تعاني منها أوروبا اليوم من هجرةٍ اليها، هي وليدة دعمها للإرهاب العالمي.
الوقت