أوضاع إقليمية جديدة في ظل انتصارات محور المقاومة
عقيل الشيخ حسين
عرب أميركا ... عندما يطلبون الحماية من روسيا
أقصر الطرق إلى موسكو هي تلك التي تمر بدمشق وطهران خصوصاً، وأنهما أصبحتا، في الآونة الأخيرة، مقصداً تقصده قوى عالمية كبرى، سياسياً واقتصادياً. وبقدر ما يتم إدراك هذا الواقع بسرعة أكبر من قبل من أصبحوا "أيتام أميركا" بعد أن كانوا "عرب أميركا"، بقدر ما يكون ذلك أنجح لمسعاهم، وأكثر انسجاماً مع مصالحهم ومصالح شعوب المنطقة.
يقول بعض المحللين أن التهويل بالـ"بعبع" الشيعي، وإعلان العداء الصارخ لإيران وحزب الله من قبل أطراف عربية لا تجد حرجاً، فوق كل مسلكياتها الفاحشة، من التحالف حتى مع "إسرائيل"، بدأ يفضي - أو سينتهي - إلى نتائج معاكسة تماماً لأغراض تلك الأطراف.
صحوة ضمير
فالواقع أن قطاعات واسعة من مؤيدي سياسات عرب أميركا لم يعد بإمكانها أن تستمر في المكابرة وأنها تعيش نوعاً من صحوة الضمير يدفعها نحو الإقرار بالوقائع الكبرى التي تشهدها المنطقة. وهذه الوقائع تتمثل بأمور منها:
-أن الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب، والذي يمارس شتى أنواع الاضطهاد والقهر بحق الفلسطينيين والعرب قد تمكن من إلحاق الهزيمة بالعالم العربي والإسلامي، وأن معظم الأنظمة الحاكمة، وفي طليعتها السعودية، قد انحازت إلى جانب العدو الإسرائيلي وفتحت الحرب على حزب الله وإيران اللذين يعملان على تقويض الوجود الإسرائيلي القائم على الاغتصاب والعدوان.
-أن الانتصارات غير المتوقعة التي حققها حزب الله على الكيان الصهيوني هي إلى حدٍّ بعيد نتيجة الدعم الإيراني والصحوة التي أحدثتها الثورة الإسلامية في إيران على مستوى الوعي الثوري الذي انبثق عنه كلٌّ من حزب الله وحركة المقاومة.
-إن التقدم المنقطع النظير الذي حققته إيران منذ الثورة على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية، يبرز الفارق الشاسع بينها وبين التردي المؤسف للأوضاع على المستويات نفسها في معظم بلدان العالم والعربي والإسلامي.
ويعتبر هؤلاء المحللون أن الإقرار بهذه الوقائع هو، في ظروف الممارسات الهمجية التي تصدر عن "داعش" وغيرها من الجماعات التي تستمد افكارها وطرق عملها من المذهب الوهابي المعتمد في بلدان كالسعودية وقطر، على أساس انفتاح أعين الكثير من المسلمين على ماهية الإسلام الحقيقية، وهذا الأمر ينعكس إيجابياً على النظرة إلى كل من إيران وحزب الله والتشيع.
محور المقاومة
وسواء أدرك حكام السعودية وأضرابهم هذه الوقائع أم لا، فإن ما لا يمكن لهم عدم إدراكه هو :
-إن الكيان الصهيوني قد دخل في مرحلة العد التراجعي على مستوى وجوده بسبب تحطم أنيابه العدوانية في لبنان وغزة.
-إن الولايات المتحدة قد بدأت بالرحيل نحو آسيا-الباسيفيكي وأنها قد فشلت في بسط هيمنتها على المنطقة عن طريق حروب مباشرة، ثم حروب بالوكالة تشنها تنظيمات إرهابية و/ أو دول كالسعودية ودول ما يسمى بالتحالف العربي. كما بدأت في الوقت نفسه، بتطبيق نهجها المعروف بالتخلي عن "محمياتها" التقليدية والعاجزة عن مسايرة التطورات المستجدة، في محاولة للتقرب من القوى الصاعدة والأكثر قدرة على بناء الحاضر والمستقبل.
خيار وحيد
لا بدَّ إذن لهؤلاء الحكام الذين بدأوا يفقدون الحماية من أميركا وحلفائها، ويتهددهم الخطر المتمثل بقيام صحوة إسلامية حقيقية، لا بد لهم من ملجأ يأوون إليه. ويبدو أنهم قرروا البحث عن هذا الملجأ في روسيا. والأكيد أن مثل هذا القرار، الذي يأتي بعد القرارات الخاطئة السابقة التي كانت تهدف إلى إقناع روسيا بالتخلي عن الرئيس الأسد والنظام السوري، ينطوي على فهم صائب وخاطئ في الوقت نفسه، وخطؤه أكبر من صوابه.
صائب، لأن روسيا، وروسيا بوتين خصوصاً، وإن لم تكن جمعية خيرية، لا تتعامل مع المتعاملين معها على طريقة الوحش المفترس ومصاص الدماء الإمبريالي والرأسمالي.
وخاطئ، لأنه يجب أن يكون مسبوقاً بفتح صفحة جديدة قائمة على التعاون المفتوح على المزيد والمزيد من التقارب مع إيران، الجارة الجغرافية التي يجمعها مع العرب تاريخ وثقافة ودين ومصالح لا ينكرها إلا مكابر. خصوصاً وأن إيران تمد يدها إلى العرب وتدعوهم منذ ثورتها الإسلامية إلى التعاون على مستوى المنطقة وإلى عدم إفساح المجال أمام قوى الهيمنة للتدخل في شؤونها.
وإذا كان الزعماء العرب يظنون أن من الممكن لهم أن يقيموا علاقات وثيقة مع روسيا بمعزل عن سوريا وإيران، فإنهم لا يفعلون بذلك غير اقتراف خطأ إضافي. فمن الواضح أن موسكو قد وضعتهم، قبل كل شيء، أمام خيار هو شرط إجباري لتطوير العلاقات: الدخول في تحالف إقليمي ضد الإرهاب يضم سوريا وإيران وحزب الله ويقطع مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يدعم الإرهاب أكثر مما يحاربه.