تمثال من هذا؟!
حسين شريعتمداري
1- حين ترجل الكاتب البريطاني الساخر برناردشو من سلم السفينة التي رست ميناء نيويورك ألفتت عينيه نصب تمثال الحرية، فسأل مضيفه الاميركي الذي كان في استقباله؛ تمثال من هذا؟ فاجاب: انها مجسمة الحرية، واذ اخذ يستطرد موضحاً، قاطعه برناردشو قائلاً: لك جزيل الشكر لاحاجة لتشرح فهذه سنة اعتادت الشعوب عليها قي بريطانياودول اخرى، بمجردان يرحل من الحياة شخصي مرموق، تكرمه الناس بوضع تمثاله في مركز احدى المدن لتبقى ذكراه حية في الاذهان، ان كانت يوماً ما شخصية فذة بين ظهرانيهم، وان غادرت ربوعهم فهم يفتخرون للماضي الذي قضتهم تلك الشخصية بينهم! وبالطبع هم يكتفون بالفخر.
2- اجواء المفاوضات النووية وإن اصطبغت باللون الرمادي لاسابيع خلت، وفريقنا النووي يعنون، في ظل اسقاطات هذه الاجواء الرمادية، لاتفاق مناسب، الا اننا اليوم وبالنظر للادلة المتوافرة لايعترينا ادنى شك، انه اذا لم يحصل اي اعادة نظر في سياق المفاوضات الجارية، لايبقى من المنشآت النووية الايرانية إلا أطلال لتجديد الخواطر لا قيمة لها سوى احياء ذكرى العلماء والعاملين على البرنامج النووي والحسرة على ما فقدناه. وهذه اول الغيث اذ ان تكمله القضية لاتنحصر في الموضوع النووي، وفي حال حصولهاتكون فصلاً مأساوياً ومظلماً. من هنا ينبغي على الحكومة المحترمة، ان تنبري قبل وقوع الحادث لاستكناه العلاج، فالظروف خطرة جداً، ولذا لامجال للتجربة والخطأ، فكما يستشهد بالمثل المعروف ان الخطأ الاول لمن يعمل في مخزن العتاد يعتبر الخطأ الأخير.
3- سبق ووجهنا الانتقادات مرارا لاتفاق لوزان، ولانجد ضرورة لاعادتها، الا انه لما كانت مسيرة المفاوضات ضمن اطار اتفاق لوزان – او كما يقول الاصدقاء بيان لوزان – وما يؤسف له ان تعكس تصريحات اعضاء فريقنا النووي، تصريحاً وتلويحاً عن القبول بنص الاتفاق، لزم الاشارة إلى واحدة من اهم – وبعبارة الاكثر خطراً وضياعاً – بنود الاتفاق المذكور، فموضوع هذا البند قد جاء في مجال "التفتيش والشفافية" لاتفاق لوزان، وهو البروتوكول الاضافي الذي شدد اول امس السادة ظريف وعراقجي في الجلسة الغير علنية لمجلس الشورى الاسلامي، على قبول من قبل ايران.
فقد صرح السيد عراقجي بقبولنا بالبروتوكول الاضافي، قائلاً: على اساس هذا البروتوكول يمكن للوكالة تفتيش جميع المراكز النووية وغير النووية والتي تضم مراكز عسكرية كذلك، مؤكداً انه دون القبول بالبروتوكول لايصح الاتفاق موضحاً ان عملية التفتيش ستنتظم بادارة.
4- ان البروتوكول الاضافي سيسمح لمفتشي الوكالة تفقد المنشآت النووية وغير النووية لايران – ومنها المراكز العسكرية – بشكل مفاجىء حسب صريح العبارة "في اي مكان وفي اي وقت". هذه الجولات التفتيشية تنخرط تحت عنوان "الابعاد العسكرية المحتملة" –PMD -.
وطبق اتفاق لوزان الذي يصر على تنفيذه الخصم، يخضع فيه تعليق العقوبات لاالالغاء، -وبنسبة 17% - لتقرير الوكالة والقاضي بتأييد تعاون ايران في توفير الارضية والتسهيلات الضرورية لعمل التفتيش، والوفاء بالعهود التي ذكرت في الاتفاق. وبعبارة اخرى على الوكالة الاعلان عن عدم مشاهدة اي احتمال لاستخدام النشاطات في المراكز النووية والعسكرية الايرانية في تصنيع السلاح النووي.
ان القبول بهذا البند من الاتفاق وضمن اخضاعه لجميع المعلومات السرية لمراكزنا العسكرية للعدو، يوفر الارضية لمنع ايران الحصول على اسلحة متطورة واستراتيجية. اذ ان حسب PMD لايمكننا التمتع باي نشاط يحتمل دخوله في التسليح النووي. على سبيل المثال، فان المسؤولين الاميركان قد اعلنوا مراراً، ان الصواريخ الباليستية الايرانية لها امكانية حمل رؤوس نووية. من هنا فاذا الزمنا بالوفاء لعهودنا في الاتفاق النهائي، ينبغي التخلي عن انتاج الصواريخ الباليستية والكثير من الاسلحة الاخرى، وفي غير ذلك لسنا بعاملين بالاتفاق ! و...
ان اخينا العزيز عراقجي قد قال ان عمليات التفتيش ضمن موضوع البروتوكول الاضافي ستخضع للادارة وهذا يعني حسب رأية انها تختلف والمواد؛ 5، 83، 84 للبروتوكول المذكور، وهو يحتاج لمجال آخر.
وبعبارة اوضح، ان المفهوم الحقيقي والغير قابل التغيير في قبول البروتوكول الاضافي، النزع الكامل لسلاح بلدنا وتقليل قدرة ايران العسكرية لمستوى الاكتفاء بعدد من البنادق والخراطيش والرمانات اليدوية ! فهل هناك احتمال آخر؟! فاذا كان الجواب سلبياً –وهو كذلك – فأليس من حقنا ان نقلق لمستقبل اتفاق كارثي، كشف فريقنا النووي جانباً منه بعد اللاتي واللتيا ؟!
5- وحان الوقت لنجيب على ثلاثة أسئلة، نصل من خلال جميع الاجوبة حول النتيجة التي تترتب عليها، إلى الحكم. فالاسئلة بسيطة فيما تكون الاجوبة والنتائج المترتبة منها سهلة ايضاً.
الاول: اليست اميركا العدو اللدود لايران اسلامية؟ وألن تعلن مراراً بان اصقاط النظام الاسلامي هو هدف استراتيجي في برنامج عملها، وان هذا الهدف لايشطب عليه مادامت الجمهورية الاسلامية الايرانية باقية ؟! ان الاجابة دون شك ايجابية، واضافة للاعلان الصريح للمسؤولين الاميركيين فان نهج اميركا المتبع منذ 37 عاماً ضد ايران خير برهان على ذلك.
الثاني: ان اميركا اذا تمكنت، واعتبرت نتائج الهجوم العسكري على ايران مثمرة، فهل هناك ادنى شك في قيامها بذلك؟ ان الاجابة على هذا التساؤل ليس بالصعب والغامض، وحسب مقولة لسماحة الامام (ره) وهي ما اكد عليها قائد الثورة العام الماضي، بان اميركا لم تألوا جهداً في السعي لاسقاط الجمهورية الاسلامية الايرانية، واذا لم تقم بعمل ما فدليله عدم توفر الامكانية.
الثالث: إلى الآن اي عامل وسبب حال دون تنفيذ الهجوم العسكري الاميركي على ايران؟ اليست تنحصر في؛
الف: الروح المعنوية للشعب والايمان الممزوج بالشجاعة،
باء: امتلاك ايران لترسانة عسكرية متطورة،
جيم: المكانة العميقة والواسعة بين الشعوب الاسلامية والانتفاضات وحركات المقاومة و...؟؟
ان الاجابة على هذا التساؤل سهل كذلك بحيث لايعتريه اي شك ولنلق الآن نظرة على اتفاق لوزان والتي حسب الاخوة في فريق التفاوض، اطار للاتفاق النهايي.
ان اميركا بتحويلها نشاطاتنا النووية الواسعة والعلمية إلى تمثال لاروح فيه والى العوبة، بصدد اهانة الشعب، ليتمخض عن هذه الاهانة – حسب ادعاء الاميركان – زرع الاحباط في الشعب وفقدانه الثقة بالمسؤولين. يذكر ان الاميركيين، واعتماداً على اتفاق لوزان، لطالما نفخوا في ابواق وسائل الاعلام الغربية، اوهام تخلي الجمهورية الاسلامية الايرانية عن اعتقاداتها واصولها الثورية، ومن جانب آخر اشاعوا بعد كل جولة من المفاوضات هذه النغمة الموضوعة على مقياس واسع، مخاطبة الصحوات الاسلامية والشعوب المسلمة، بان ايران وبعد 37 عاماً من المقاومة لم تجد بداً سوى مماشاة اميركا وحلفائها! ومن هذه الزاوية تسعى لتخريب المكانة الشعبية للثورة بين الشعوب المسلمة وحركات المقاومة في المنطقة، وفي نفس الوقت بفرض البروتوكول الاضافي، وتطبيقه حسب PMD – فيما اذا وافقت ايران عليه – وحتى استجواب العلماء النوويين وغير النوويين و... اثر نزع سلاح ايران !
ونتيجة ذلك –كذلك حسب زعمها- العمل على شطب العوامل الثلاثة المذكورة، والتي حفظت ايران الاسلامية في قمة الاقتدار واحالت دون قيام اميركا باي اجراء بربري.
6- ان النقاط المذكورة، هي رغبة اميركا وحلفائها من فرض اتفاق النووي في اطار اتفاق لوزان، الا انه في الجانب الآخر من الميدان، يمكن مشاهدة الحضور القوي والعليم لسماحة قائد الثورة، الذي احبط كل مخططات الخصوم، ومنها تشديده مؤخراً على عدم السماح للعدو القيام بتفتيش المراكز العسكرية او استجواب علماء بلدنا.
تأسيساً لذلك بات من البديهي عدم حصول اي اتفاق او نص يصب في رغبة اميركا وحلفائها.
7- واخيراً، يروي خبر موثق ان بعض اعضاء فريقنا النووي المفاوض، ورغم التصريحات المتفائلة السابقة، يعتبرون الاتفاق النووي بالمقاس الاميركي خسارة لايمكن قبولها، واعلنوا بصراحة تفضيلهم عدم حصول اتفاق على الاتفاق المذكور الذي هو بمثابة كارثة على امن واقتصاد البلاد...
ولنا بهذا الخصوص حديث آخر نرجئه لوقت آخر.