معهد واشنطن يكشف: الولايات المتحدة مغلوب على أمرها في اليمن، ودول الخليج الفارسي ’إلى الخلاف دُر’
ضياء أبو طعام
يوم الأربعاء 9 تموز/يوليو الماضي، أعلنت حركة "أنصار الله” سيطرتها التامة على محافظة عمران على بعد نحو 35 كيلومتراً من العاصمة صنعاء، في معركة خاطفة مع مقاتلي حزب التجمع الوطني للإصلاح واللواء حميد القشيبي الذي رفض الانصياع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة بتسليم قيادته لضابط آخر وعدم إطلاق النار على عناصر "أنصار الله”.
بعد استعراض مستفيض لما أعقب ذلك اليوم من أحداث، يكتب عبد الغني الارياني، عضو اللجنة الاستشارية في منظمة مراقبة حقوق الانسان (Human Rights Watch)، ملخصاً توصيفياً لواقع اليوم المئة على معركة عمران، في تقرير هو الأهم من نوعه للمنظمة، فيقول:
"إن تفوق قوة خارجة عن النطاق السياسي مثل "أنصار الله” يشكل فرصة لتحفيز الاصلاحات في البلاد. وعلى عكس النخبة السياسية التقليدية القائمة في صنعاء، والتي أحبط فسادها عمليات الإصلاح وشلّ الدولة، فإن جماعة "أنصار الله” لا تزال عبارة عن لاعب سياسي جديد لم يصب بأذى بعد. كما أن التزامها بالحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد فضلاً عن وجود رئيس وزراء قوي ومدعوم بشكل كامل من الرئيس، تُعد عوامل يمكن أن تساعد اليمن على تنفيذ الإصلاحات الحقيقية والضرورية التي يمكن أن تعيد البلاد إلى المسار الصحيح لتحقيق النمو الاقتصادي، وبالتالي، فإنها فرصة لا ينبغي تفويتها”.
أوباما للملك: لا بد من دعم هادي في تحقيق حل مستدام مع الحوثيين
بعد تقرير "مراقبة حقوق الانسان” جاء تقرير معهد واشنطن للدراسات، فكتب مدير برنامج الخليج الفارسي وسياسة الطاقة في المعهد "سايمون هندرسون”:
"يبدو أن واشنطن مغلوب على أمرها في اليمن... وهناك الكثير من العوامل التي تزيد الأمور تعقيداً، من بينها اختباء اللواء علي محسن الأحمر القائد العسكري للرئيس اليمني، وكذلك تداعيات عملية مكافحة الارهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد عناصر "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” التي تختبئ في اليمن. بيد أن هناك تعقيداً آخر يشكله الحديث عن اتفاق تسوية محتمل مع إيران بشأن القضية النووية الذي من المرجح أن يزعج السعودية، ما يدعو إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية من جانب واشنطن في عواصم دول "مجلس التعاون الخليجي” من أجل منع هؤلاء الأعضاء في التحالف المناهض لـ”تنظيم الدولة الاسلامية” - داعش - من أن ينأوا بأنفسهم عن الولايات المتحدة في لحظة حاسمة”.
هذا النقل الحرفي لتقرير معهد واشنطن، وقبله تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش” يفيد بأن ما فعله الحوثيون خلال مئة يوم تجاوز بأبعاده الإقليمية دخول "داعش” إلى الموصل وإن كان الإهتمام الدولي ينظر إلى الحرب على داعش على أنها النقطة الأهم. وما بين "باب المندب” جنوب شرق اليمن و”كوباني” شمال سوريا فارقٌ ليس بضئيل على صعيد الأهمية الدولية.
لكن حلفاء واشنطن الخليجيين، وتحديداً السعوديين، لم يعودوا مطمئنين البتّة إلى "سلامة الفناء الخلفي” بحسب توصيف معهد واشنطن. إذ إن تحالفات الحوثيين "الزيديين” مع القبائل السنية اليمنية - بحسب المعهد - يثير القلق الجسيم من مصير ولاء السكان الزيديين السعوديين على جانب الحدود الجنوبية المتبادلة مع اليمن. وكلما وردت الأنباء عن تقارب أميركي ـ إيراني بشأن الملف النووي، تفاقم القلق، وربما الغضب.
في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي، أي قبل أسبوعين من سيطرة "أنصار الله” على صنعاء، قامت كبيرة مساعدي الرئيس أوباما لشؤون الأمن الوطني ومكافحة الارهاب "ليزا موناكو” بزيارة صنعاء، ثم غادرتها دون الإدلاء بأي تصريح. وبعد أيام أعلن البيت الأبيض أن موناكو "أكدت دعم الولايات المتحدة الرئيس هادي والشعب اليمني في مساعي تحقيق الرخاء والازدهار من خلال عملية الاصلاح الاقتصادي والانتقال السياسي التاريخي الجاري في البلاد”.
بعد أربعة أيام، تكشف معلومات صحفية أميركية مسرّبة اليوم، عن اتصال الرئيس الأميركي باراك أوباما بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، قال له فيه: "لا بد من دعم الرئيس عبد ربه منصور هادي في تحقيق حل مستدام للتوترات الحالية مع الحركة الحوثية”. وبعد ساعات، أشاد أوباما في خطاب تلفزيوني بالمثال الناجح في اليمن للاستراتيجية الأميركية لمكافحة الارهاب.
العلاقة الأميركية - الخليجية: قلقٌ مقابل قلق
الخشية الخليجية، وعلى رأسها السعودية، من تصاعد الأحداث في اليمن وتوسعها لتطال الشطر الآخر من الحدود، في ظل إرباك واضح على صعيد توحيد الموقف داخل دول مجلس التعاون، عكستها الإمارات العربية المتحدة في تجديد اتصالاتها مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح المغضوب عليه رئاسياً في اليمن، وفاحت أخباره بعد عودة الخلاف بين السعودية وقطر على خلفية استئناف الأخيرة لعب ورقة مقاتلي "تنظيم القاعدة” في اليمن بشكل منفرد، ما قد يشعل الأمور داخل الساحة اليمنية مجدداً، وأعصاب الرياض لم تعد تحتمل.
في المقابل، بدأت الولايات المتحدة تخشى فعلياً ردّ فعل "صبيانياً” من قبل دول مجلس التعاون الخليجي والخروج من التحالف العسكري ضد داعش أمام استمرار سياسة واشنطن الصامتة حيال اليمن وكأن شيئاً لا يحدث. فأدوية الوعود الأميركية باحتواء الحوثيين وفرملة تمددهم لم تعد تؤتي نفعاً، بل وتُحدث أعراضاً جانبية خطرة حين يتبادل وزيرا الخارجية الإيراني والأميركي الابتسامات أثناء مفاوضات الخمسة زائد واحد بشأن ملف إيران النووي.
وهكذا، فإن الأيام المئة على معركة عمران ضد حزب الإصلاح في تموز/يوليو الفائت، وافتتاح اليوم الأول بعد المئة بمعركة محافظة إب ضد تنظيم القاعدة، لا تنبئ مؤشراتها بانتهاء صيف الخليج الفارسي في موعده هذا العام، أو على الأقل، فإن أمطاره وسيوله... لن تكون باردة.