إشكاليات الامس تلقي بظلالها على اجواء اليوم
عادل الجبوري
يطرح القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ونائب رئيس الوزراء السابق روز نوري شاويس ثلاثة اسباب وراء تعليق الاكراد مشاركتهم في الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي.
السبب الاول، عدم استشارة القيادة الكردية حول الشخصيات الكردية التي تم اختيارها لشغل مناصب وزارية في اطار حصة التحالف الكردستاني، والسبب الثاني، عدم دفع رواتب موظفي الاقليم، والسبب الثالث، عدم تخصيص حصة من الموازنة المالية الاتحادية لقوات البيشمركة الكردية باعتبارها جزءاً من الجيش العراقي.
وهذه الاسباب الثلاثة، يمكن النظر اليها والتعامل معها، على انها شروط –او بعض من شروط-اربيل للمشاركة في الحكومة ودعم توجهاتها وسياساتها.
رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، طلب من رئيس الاقليم شخصيا، ومن مختلف القيادات الكردية التي التقاها في زيارته الاخيرة للاقليم الاسبوع الماضي، مباشرة الوزراء الاكراد عملهم في وزاراتهم ببغداد، او بعبارة اخرى طالب الاكراد بإبداء المرونة المطلوبة، باعتبار ان غياب الاكراد عن الحكومة وبقاء بعض الوزارات شاغرة وتدار بالوكالة وفي مقدمتها وزارتا الداخلية والدفاع، يمثل خللا كبيرا، من المهم جدا تلافيه، وتجنب تكرار السيناريو الحكومي السابق.
كردستان
وبحسب مصادر مطلعة، تلقى الحكيم ردودا ايجابية ووعودا بحسم هذا الامر في اقرب وقت، وفعلا اطلق ساسة اكراد، وابرزهم الرئيس مسعود البارزاني اشارات ايجابية ومشجعة على دعم ومساندة الاقليم للحكومة الاتحادية.
وفي وقت سابق، وتحديدا في جلسة البرلمان التي خصصت لمنح الثقة لحكومة العبادي ليلة الثامن من شهر ايلول/سبتمبر الجاري، تلت النائبة الاء الطالباني ورقة مطالب القوى الكردية، والتي امهلت الحكومة الجديدة ثلاثة شهور لتنفيذ تلك المطالب، ليكون للاكراد رأي وقرار اخر فيما لو تنصلت الحكومة او تراجعت.
وفي الواقع لا توجد اشكالية واحدة، او اشكالية محددة تحكم اطار وشكل وطبيعة العلاقة بين بغداد واربيل حتى يصار الى البحث عن مخرج مناسب وحل واقعي ومقبول لها، بل الاشكاليات متعددة ومعقدة وشائكة، ربما يكون السيد عمار الحكيم قد اختزلها بتعبير مقتضب ومركز في كلمته بملتقاه الثقافي الاسبوعي الاخير بقوله "ان العلاقة بين الاقليم والمركز ضمن النظام الاتحادي هي علاقة فتية ومعقدة، وتحتاج الى الوقت والتعامل بنضج سياسي من الطرفين كي تنجح وتتطور وتنتج علاقة تكاملية تصب في مصلحة العراق ومصلحة الاقليم في آن واحد، وان الكثير من المشاكل التي تشوب هذه العلاقة حاليا هي مشاكل طبيعية نابعة من الغموض في آلية العلاقة بين منظومة الاقليم ومنظومة المركز، ففي بعض الاحيان يتصرف الاقليم كدولة وفي احيان اخرى يتصرف المركز مع الاقليم على انه فاقد الاهلية، وفي كلا الحالتين يكون التصرف سببا في بروز بعض التوترات وسوء الفهم”.
حزمة من المطالب
ولا شك في ان عدم التحاق الاكراد بالحكومة الاتحادية لن يحل المشكلات-او الاشكاليات-وطرح حزمة كبيرة من المطالب وتحديد سقوف زمنية قصيرة لها هو الاخر لن يكون حلا ولن يفضي الى اي حل، وبنفس القدر، فإن تجاهل الحكومة الاتحادية مطالب الاقليم، وتصوير الامور وتفسيرها بشكل دائم في اطار المؤامرة، لن يؤدي الى اية نتائج ايجابية، ولعل تجربة الاعوام الاربعة او الثمانية او العشرة الماضية اثبت ذلك.
واليوم تبدو الامور تتحرك بذات الايقاع السابق، رغم الكثير من الاشارات والمؤشرات المشجعة على تحقيق انفراجات وفك عقد مستعصية بين الطرفين، لا سيما بعد وصول خطر داعش الى الاقليم، وخروج نوري المالكي من رئاسة الوزراء، ومغادرة بعض الوجوه من تلك التي كان ينظر اليها على انها عناصر للتأزيم اكثر منها عناصر للتنفيس!.
اين تكمن الاشكالية الحقيقية اذاً؟.. يقول سياسي كردي مقرب من اوساط برلمان الاقليم "ان الاشكالية الحقيقية تتمثل في غياب الثقة، وسعي كل طرف الى تحقيق الغلبة على الطرف الاخر، وطبيعة العلاقة الملتبسة بين المركز والاقليم، هي جزء من واقع العلاقات الملتبسة في عموم المشهد السياسي العراقي”.
ويرى السياسي الكردي "ان العبادي حتى الان لم يأت بشيء جديد بالنسبة للاكراد سوى الكلام والوعود، ومن غير المعقول ان ننتظر منه شيئا عمليا خلال اقل من شهر، بيد ان مجمل الظروف والاجواء الحالية لا توحي بأن حلحلة وحلولا ستتحقق من الان حتى مثل هذا الوقت من العام المقبل، ليس لان العبادي لا يريد ذلك، وانما لان المشاكل اكبر من ان يستطيع حلها”.
وطبيعي ان الظروف الضاغطة على الاكراد تجعلهم يزيدون من ضغطهم على بغداد، فهم يشعرون بخطر داعش، ويدركون ان قوات البيشمركة بعددها وعدتها قد لا تستطيع لوحدها صد ذلك الخطر، ولعل سيطرة "داعش” على سنجار ومناطق اخرى ذات غالبية كردية مثلت مؤشرا واضحا على ذلك، ولم تعد حقيقة انه لولا تدخل اطراف خارجية لكان الاقليم قد مر بوضع لا يحسد عليه خافية او غائبة عن اذهان الكثيرين.
اضف الى ذلك، فإن دخول عدد هائل من النازحين الى اقليم كردستان، اضيف الى اعداد النازحين السوريين اربك حسابات الاقليم، اقتصاديا بالدرجة الاساس وكذلك امنيا، ووفق ارقام رسمية وغير رسمية تجاوز عدد النازحين في الاقليم سبعمائة الف شخص، وتوجه سلطات الاقليم انتقادات غير قليلة للحكومة الاتحادية بسبب عدم تقديمها الدعم المطلوب لهؤلاء النازحين.
والجانب الاخر من الظروف الضاغطة، يتمثل بوجود قدر غير قليل من التقاطعات والتجاذبات وتباين الاولويات بين القوى الكردية، وخصوصا الرئيسية منها.
في مقابل ذلك، ثمة ظروف ضاغطة على الحكومة الاتحادية في بغداد لا تختلف عن الظروف الضاغطة على الاقليم، وربما تكون اكبر واعقد، تجعل مسألة اتخاذ قرارات حاسمة، واجراءات سريعة امرا صعبا جدا، تقف امامه عقبات وعقبات، سواء حيال للاكراد او بالنسبة لغيرهم.
بقاء الاكراد بعيدين عن الحكومة الاتحادية، وطرح المطالب عبر وسائل الاعلام، سيزيد من ابتعادهم، ولكن المجيء والغاء قرار التعليق يمكن ان يفتح افاقا للحوار المباشر والبناء والمجدي، الذي يمكن ان يحدد مسارات ويشخص اتجاهات لكيفية التعاطي مع المشكلات-الاشكاليات-القائمة-ان لم يكن حلها ممكنا ومتاحا في هذه المرحلة.
والخطأ الاكبر الذي يقع فيه الاكراد هو التعاطي مع المرحلة الراهنة بنفس منهجية وعقلية التعاطي مع المرحلة السابقة، والخطأ الاكبر الذي تقع فيه الحكومة الاتحادية هو ان لا تبحث عن حلول ومعالجات اكثر واقعية وعملية، وتتشبث بالرؤى السابقة لتعيد انتاج المشكلات من جديد ان لم تفاقمها اكثر فأكثر.