kayhan.ir

رمز الخبر: 91147
تأريخ النشر : 2019March01 - 19:41

أميركا تغرق في دوامة الدين العام والعجز المالي


صوفيا ـ جورج حداد

تميز عهد الرئيس الاميركي دونالد ترامب بشن الحملات العدائية وفرض العقوبات المالية والاقتصادية الجائرة ضد روسيا وإيران، وبشن الحرب التجارية ضد الصين، وبتطبيق نظام الحماية وفرض الرسوم والضرائب الجمركية على السلع المستوردة الى اميركا بدون التشاور مع الدول المعنية، واخيرا "بالتشبيح" المفضوح والوقح على الدول الصديقة لاميركا لانتزاع مئات مليارات الدولارات منها بحجة حمايتها من خطر المعارضة الداخلية وخطر العدوان المزعوم الروسي او الايراني، علما بأن الانتشار العالمي الواسع النطاق لاميركا، عسكريا ومخابراتيا وسياسيا ودبلوماسيا واعلاميا، هو لتأمين مصالح اميركا ذاتها وفرض بيع سلعها وخدماتها ذات القدرة التنافسية المنخفضة جدا.

فهل اخرجت هذه السياسة الرعناء اميركا من مستنقع المديونية والعجز المالي؟

لندع الارقام والوقائع تتكلم:

تقول "رويترز" ان وزير المالية الاميركي ستيفان منوتشين يصارع ضد العجز الكبير في الميزانية الفيديرالية، الذي يحمل المزيد من قروض الدولة.

والدين الوطني العام للدولة قد استمر في الازدياد بالرغم من الاداء القوي للاقتصاد سنة 2018 بفضل التخفيض الواسع للضرائب الذي شرع عهد ترامب بتطبيقه سنة 2017.

وحسب احصاءات وكالة Bloomberg إنه في 11 شباط/ فبراير المنصرم بلغت ديون الدولة الرقم القياسي 22 تريليون دولار. وأصبح حجم الدين العام أكبر من حجم الناتج المحلي القائم ويمثل نسبة 105.4% تجاهه. وهذا يعد مؤشرا كارثيا بالمعنى الحرفي للكلمة.

وفي الوقت ذاته لا يزال دونالد ترامب مستمراً في مفاوضة الكونغرس للموافقة على تمويل حائطه العازل مع المكسيك، وقد اعلن حالة الطوارئ لهذه الغاية.

كما قدم بنك "الفيديرال ريزرف" معلومات مقلقة عن تزايد حجم الديون الخاصة كما كتبت "رويترز".

واذا اخذنا الاثنين معا أي زيادة الدين العام للدولة وزيادة حجم الديون الخاصة فهذا مؤشر سيئ عن وضع الاقتصاد الاميركي.

وبالرغم من النتائج الابجابية على الاقتصاد بفعل تخفيض الضرائب الذي بدأ سنة 2017 فإن ذلك لم يترافق مع برنامج لخفض مصاريف الدولة مما ادى الى زيادة عجز الميزانية.

وتشير معطيات وكالة Bloomberg للسنوات الخمس الاخيرة ان تراكم الدين الوطني العام بدأ في التسارع منذ 2017 الى الان. ومنذ أمد قريب أصبح واضحا ان زيادة العجز في الميزانية الفيديرالية اوجبت الحاجة الى اضافة 1 تريليون دولار الى الدين العام.

كما تقول "رويترز" ان تحليل معطيات الدين الخاص للمؤسسات والمواطنين الاميركيين يعطي ايضا لوحة سلبية لوضع الاقتصاد الاميركي. ويحذر المحللون من أن هذا يمكن ان يكون مؤشرا للركود القادم. وقد افادت معطيات بنك "الفيديرال ريزرف" في نيويورك انه في الثلاثة اشهر الاخيرة من عام 2018 استمر الدين الخاص في اميركا في التصاعد وبلغ 13.5 تريليون دولار.

وتحتاج الولايات المتحدة الاميركية الى 1 تريليون دولار لاجل تمويل عجز الميزانية.

وستتولى وزارة المالية بيع سندات الدولة لاجال بعيدة من اجل تسديد العجز المتزايد للميزانية. وسيتجاوز الاصدار الجديد لسندات الدولة اكثر من 1 تريليون دولار للسنة الثانية على التوالي.

وزيادة عرض سندات الدولة سيتبعها تخفيض الضرائب وزيادة مصاريف الدولة من قبل الحكومة الحالية. وهذا من شأنه ان يحيط بالغموض الافق المالي المستقبلي، خصوصا لجهة زيادة كلفة خدمة الدين العام.

ويتوقع الاستراتيجيون الاقتصاديون ومنهم UBS Securities ان اصدارات سندات الدولة للاجال 3 و 10 و30 سنة سوف تتجاوز 1 تريليون دولار خلال الاشهر الثلاثة القادمة، وهي محمية من التضخم.

وحسب الاحصاءات الرسمية فإن عجز الميزانية الاميركية سنة 2018 بلغ 780 مليار دولار، وتتوقع لجنة الميزانية في الكونغرس ان يبلغ العجز 973 مليارا سنة 2019 وان يتجاوز العجز 1 تريليون دولار سنة 2020. وفي السنوات العشر القادمة ستصل كلفة خدمة الدين العام الاميركي الى 7 تريليونات دولار اي متوسط 700 مليار دولار كل سنة.

وتقول مارغاريت كيرينس، المحللة الاقتصادية في BMO Capital Markets "ان الحاجة الصافية من القروض سوف تواصل الزيادة بسبب الزيادة المتوقعة للعجز، المترافقة مع الحاجة لتمويل البلاد من بنك "الفيديرال ريزرف" (اي القيام باصدارات سندات الخزينة وطباعة العملة الورقية من وراء ظهر الكونغرس).

ويتوقع الاستراتيجيون الاقتصاديون انه في السنوات القادمة، واذا ظلت الدولة الاميركية تنتهج السياسة المالية ـ الاقتصادية ذاتها، فإنها ستصل بسرعة الى النقطة الحرجة، اي الانتقال الى مرحلة العجز عن تغطية كلفة خدمة الدين العام من اصدارات سندات الخزينة البعيدة المدى، وحينذاك سيخرج عجز الميزانية والدين العام عن السيطرة، وستدخل البلاد في ازمة مالية ـ اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها.

ما هي الامكانيات الافتراضية لاميركا للخروج من مثل هذه الازمة المستعصية؟

1ـ ان الامكانية الأقرب الى الواقع العملي هي زيادة الصادرات الاميركية من السلع والخدمات. ولكن هذه الامكانية تتضاءل بشدة بسبب اضطرار اميركا للانسحاب العسكري والسياسي من العالم والعودة الى سياسة العزلة الجزيرية من اجل توفير النفقات، وبالتالي تضاؤل امكانيتها على فرض بيع سلعها وخدماتها بالقوة لمختلف دول العالم والاعتماد فقط على قدرتها التنافسية. وفي هذا الصدد:

أ ـ لقد ولى زمن قدرة اميركا على فرض مطاعم "مكدونالدز" بوصفها معلما من معالم نشر "الديموقراطية الاميركية". والقدرة التنافسية لأي سلعة انتاجية اميركية هي اضعف بكثير من اي سلعة مماثلة لها من اي بلد كان. وهذا ينطبق على السيارات والادوات الكهربائية المنزلية والنفط والغاز والاسلحة والمفاعلات النووية لانتاج الطاقة الكهربائية والتكنولوجيا المتطورة.

ب ـ لقد فشلت تماما سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي ضد روسيا وايران. ومن الان فصاعدا ستتحمل اميركا تبعات السياسة العدائية غير المبررة ضد الشعبين العظيمين الروسي والايراني.

ج ـ كما فشلت تماما الحرب التجارية ضد الصين. ولكن اذا تابعت اميركا سياستها العدائية، واذا "انحشر الدق" مع الصين، فإنها تملك "الورقة القاتلة" لاميركا. فالصين هي "اكبر مقرض" لاميركا بامتلاكها لاكبر حصة من سندات خزينة الدولة الاميركية التي اشترتها في اوقات سابقة. فاذا ألقت الصين "سندات خزينة الدولة الاميركية" للبيع في بورصات نيويورك ولندن وطوكيو وهونغ كونغ، فإن الدولار الاميركي سينزل الى الحضيض وسيتزلزل سوق الطاقة الاميركي وسينهار النظام المالي ـ الاقتصادي الاميركي كبناء من كرتون.

2ـ بامكان اميركا ان ترسل جيشا عرمرميا لشن حرب اقليمية في اي بقعة بعيدة في اعماق افريقيا او اسيا، لاحتلالها ونهب خيراتها. ولكن ما بعد حرب افغانستان وحرب العراق في 2001 و2003 هو غير ما قبلهما. واي جيش اميركي يتوجه للعدوان على اي بلد بعد الان لن يرجع منه مخبّر.

3ـ لقد خسرت اميركا نهائيا امكانية كسب الحرب العالمية الكلاسيكية او النووية. فحلف الدول المعادية لاميركا التي هي ـ على الاقل ـ روسيا والصين وايران ـ يمكنه ان يتلقى عدة ضربات نووية دون ان يهتز من مكانه. وفي المقابل فإن روسيا وحدها قادرة ـ على الاقل ـ على توجيه ضربة نووية واحدة الى اميركا وتكون هي الضربة الاولى والاخيرة وتختفي اميركا من الخريطة.

4ـ لأجل سد العجز المالي وتأمين خدمة الدين العام يمكن للحكومة الاميركية ان تعمد الى سياسة تقشف شديد تتمثل في اغلاق مؤسسات الدولة، خصوصا في الجيش والمخابرات وصناديق ضمانات التقاعد والصحة والتعليم والبلديات، وإلقاء عشرات ومئات ملايين الاميركيين في براثن التشرد والبطالة والجوع والمرض والموت. ولكن حينذاك يتهدد اميركا خطر ثورة الجياع، الذين سيهاجمون المخازن والمستودعات الخاصة والعامة وخاصة مستودعات الاحتياطي الاستراتيجي للدولة، وسيأكلون الاخضر واليابس، قبل ان يبدأ في اميركا عصر جديد من الكانيباليزم (أكل لحوم البشر).

5ـ يبقى الحل "الواقعي، الوطني، المنطقي، القريب والسهل!" الذي يمكن ان تعتمده الدولة الاميركية، وهو مهاجمة اميركا اللاتينية بحجة نشر "الديموقراطية"، واحتلالها وفرض الاستعمار المباشر عليها، ونهب خيراتها. وهذا دونه إرادات قررت مواجهة الاستكبار والاستعلاء ومستعدة لتبذل كل ما بيدها مع دمها مقابل الكرامة، ولن تقبل بعودة التاريخ الدامي للصهيو ـ أميركية العالمية في فرض إراداتها عليها.. وأمثال كاسترو وغيفارا وشافيز كُثر ويستعدون للمعركة.