ثلاثة مشاهد تؤكد صحة خيار المقاومة
إيهاب شوقي
لا شك أن الأحداث والتطورات تثبت يوماً بعد يوم صحة خيار المقاومة، وبمعادلة منطقية صغيرة يمكن اثبات ذلك بشكل مباشر، وذلك بقراءة مصير الخيار المضاد الانهزامي، والذي اعتمد رسمياً من قبل الأغلبية الساحقة من الدول العربية والاسلامية، والذي نراه في وضعنا الراهن البائس.
ورغم تعدد العبر وتنوع المشاهد، فمن الممكن انتقاء ثلاثة مشاهد فقط من بين بانوراما كبيرة تتجلى بها حقيقة الاوضاع.
وهذه المشاهد ننتقيها كنماذج وعلى لسان الغرب عملا بمنطق "شهد شاهد من اهلها" مع تعليق على كل مشهد لاستقاء الدرس والعبرة.
المشهد الأول: زيارة بومبيو
ويمكننا تلخيص هذا المشهد على لسان روبي جرامر، وهو دبلوماسي ومراسل "أمن قومي" في Foreign Policy
حيث رصد انه ومن بين البلدان التسعة التي يزورها بومبيو، هناك خمسة بلدان بدون سفراء. كما يبقى منصب الدبلوماسي الأعلى في الشرق الأوسط شاغرا، وسافر بومبيو إلى الأردن والعراق ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية وعمان والكويت، ولا يوجد في الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية سفير أمريكي.
ورصد جرامر تحديات أمريكا في المنطقة، ذاكراً أنها تخليص القوات الأمريكية من الحرب في سوريا، ومكافحة إيران، والتعامل مع دمارالحرب في اليمن، واستمرار عمليات مكافحة الإرهاب، وتصحيح الصدع الذي طال أمده بين دول الخليج الفارسي.
وهنا يمكننا قراءة مشهد بائس، حيث لا يوجد سفراء يناط بهم التنسيق مع وزراء للخارجية، ثم رفع الأمر لرؤساء وملوك بيدهم قرارات وخيارات وبدائل، وبالامكان التفاوض والمساومات حول الحلول.
بينما نجد مشهدا يقول إن الرؤساء والملوك تراهم أمريكا سفراء لها، وترغب أمريكا في أن يعملوا بالأمر المباشر، كجزء من الادارة الأمريكية دون حد أدنى من الاستقلالية، ودون حتى مراعاة واستيفاء الشكليات التي تحفظ ماء الوجه، وهو أمر مهين.
بينما في بلد كلبنان، نجد سفيرة أمريكية، لا لشيء مختلف عن الدول المذكورة، وبينها دول كبرى، الا لوجود مقاومة بهذا البلد تستدعي اهتماماً أميركياً وعملاً مكثفاً!
المشهد الثاني: الجولان المحتل
ومحل الشاهد بهذا المشهد، ما جاء على لسان ستيفن كوك "كبير زملاء Eni Enrico Mattei" لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية الامريكية، والذي رصد أن العدو الإسرائيلي احتل الجولان في حرب حزيران 1967 واحتفظ به منذ ذلك الحين، ويجادل المنتقدون بأن اعتراف الولايات المتحدة بضم "إسرائيل" للجولان سيؤدي إلى شرعنة الاستيلاء على الأراضي بالقوة، مما يشكل سابقة بالنسبة للضفة الغربية وما وراءها، ويقول إنه نقد صحيح لا توجد إجابة جيدة عنه. وعلى الرغم من وجود بعض الأسباب، فإن الضم الإسرائيلي للجولان كان أقل إثارة للجدل بكثير من الجهود التي يبذلها في الضفة الغربية. فالسيطرة على الجولان، قبل كل شيء، لا تتطلب السيطرة على عدد كبير من السكان العدائيين، حيث إن ما يقرب من 27000 درزي في هضبة الجولان رضوا بالعيش بـ"سلام" تحت حكم كيان العدو، بينما سعى سكان آخرون للحصول على الجنسية الإسرائيلية بأعداد صغيرة ولكن متزايدة.
وهنا يظهر على الفور دور المقاومة في احياء القضية، حيث غياب المقاومة بالجولان المحتل واستسلام بعض اهلها، فتح شهية العدو على ضمها، بينما تشكل بؤر المقاومة حرجا دوليا وعائقا قويا في ابتلاعها.
المشهد الثالث: برنامج الدفاع الصاروخي الامريكي الجديد
وهنا نقرأ المشهد على لسان توماس كاراكو زميل برنامج الأمن الدولي ومدير مشروع الدفاع الصاروخي، والذي تناول في تقرير له أن إدارة ترامب أصدرت مراجعة للدفاع الصاروخي الذي طال انتظاره (MDR). ويمثل تقرير الدفاع الصاروخي، الذي بدأ بناء على توجيهات الكونغرس والرئاسة، محاولة لتكييف سياسة الدفاع الصاروخي الأمريكية، ووضعها، وبرامجها إلى البيئة الاستراتيجية لمنافسة القوى العظمى.
ورصد انه، وللمرة الأولى، تضع الوثيقة روسيا والصين في نفس الجملة، مما يوضح ما كان حتى الآن ضمنيًا. بالتوافق مع استراتيجية الأمن القومي ومع مراجعة الدفاع الصاروخي البالستي لعام 2010 (BMDR)، ستستمر الولايات المتحدة في الاعتماد على الردع النووي للهجوم النووي الاستراتيجي من القوى الكبرى، لكنها ستواصل بقوة أكبر تدابير لمواجهة الصواريخ الباليستية الإقليمية، والصواريخ الانسيابية، والمركبات الانزلاقية عالية السرعة (HGVs) - من أي مصدر والتصدي بتدابير جديدة للدول (المارقة).
وهنا نرى كيف شكلت المقاومة على المستوى الدولي في روسيا والصين، وعلى المستويات الاقليمية، في كوريا الشمالية وايران، تعديلات استراتيجية للسياسة الهجومية الامريكية، واجبرت امريكا على اتخاذ تدابير دفاعية، وهذه التدابير بلا شك تحد من العدوان الامريكي وتخلق قوة ردع تعيد تشكيل التوازنات الدولية والاقليمية، ولا تجعل أجواء الشعوب المستضعفة مباحة لأي مطامع واعتداءات.
المقاربة الجديدة اذاً، هي عودة لسياسات الحرب الباردة، عبر دول تتلقى الأمر المباشر والا يتم تركها فريسة للتوازنات الجديدة، واستمرار سياسة محاصرة الدول المارقة بالتعريف الامريكي في استراتيجية الامن القومي وهي الدول التي تسعى لامتلاك اسلحة دمار شامل، وهو بلا شك تغير استراتيجي لصالح المقاومة مهما قابلت حصارا اقتصاديا وتضييقات، الا انها حمت نفسها وشعوبها من الاستباحة والاهانة والافتراس، وهو دليل مضاف لصحة خيار المقاومة والتمسك به.