الحرب التجارية تُفشل قمة مجموعة العشرين؟!
محمد علي جعفر
تنطلق اليوم أعمال قمة مجموعة العشرين في العاصمة الأرجنتينية. تُعقد القمة هذا العام في ظل واقعٍ اقتصادي عالمي مختلف عن السنوات السابقة. لكن الأجواء العالمية لا سيما احتدام الحرب التجارية بين الدول، توحي بأن القمة فشلت قبل أن تُعقد.
مجموعة العشرين هي منتدى عالمي تأسس عام 1999 نتيجة الأزمات المالية خلال التسعينات. أهمية هذا التجمع تكمن في كونه يُمثِّل ثلثي التجارة في العالم. تجتمع فيه الدول المعنية لمناقشة التحديات الراهنة والقضايا الخاصة بالإقتصاد العالمي. في العام 2008 ومع ارتفاع أهمية التحديات وكثرتها، بدأت القمة تجمع رؤساء الدول والحكومات، بعد أن كانت تقتصر على وزراء المالية. السؤال المطروح اليوم، بماذا يتميز واقع القمة هذا العام؟ وكيف فشلت؟
هذا العام، تجتمع الدول والأطراف في ظل وضوح التناقض بين الأقطاب العالميين وانعدام الأرضية المشتركة. الصراعات العالمية تطغى على المشهد الدولي، حيث لا يوجد دولة لا تعاني من أزمات بنيوية. في ظل عالمٍ مُعقد، وسياسة دولية متغيرة المعالم، ومعادلات جديدة بدأت تطغى على ساحة الصراع الدولية، يمكن القول أن الحرب الإقتصادية هي الجامع المشترك.
الأطراف الدولية روسيا وأمريكا والصين، تعيش واقعاً من التجاذب الطاغي على السياسة الخارجية
فالأطراف الدولية روسيا وأمريكا والصين، تعيش واقعاً من التجاذب الطاغي على السياسة الخارجية. الأحداث الأوكرانية الجديدة فتحت باب التوتر الأمريكي الروسي من جديد. وهي الأزمة القديمة التي كانت جزءاً من الحرب الإقتصادية الأمريكية على روسيا بمساعدة الغرب الأوروربي. أيضاً وليس بعيداً عن الإقتصاد العالمي، يأتي موضوع الصراع الأمريكي الروسي فيما يخص حرب النفط، ومحاولات كل من واشنطن وموسكو فرض سياساتها الخاصة على السوق. وليس خفياً المصالح المشتركة بين كل من الطرفين مع السعودية، فيما يخص النفط العالمي. فمثلاً، تختلف كل من واشنطن وموسكو مع السعودية على مسألة كمية الإنتاج وعرض النفط، وتسعى كل دولة لاستمالة السياسة السعودية بحسب مصلحتها. ومع لحاظ أن الدول الثلاث تُشكل أكبر منتجي النفط في العالم، فإن هذا الخلاف يرفع من تحديات مظمة أوبك، وما يعنيه ذلك من تناقض في المصالح وآثارٍ على سعر النفط وسوق الطاقة العالمي.
فيما يخص الصين وأمريكا، فالحرب التجارية السائدة منذ وصول دونالد ترامب، وتراكمات السياسة الأمريكية الإبتزازية للصين فيما يخص منطقة شرق آسيا، أثَّرت بشكل كبير على العلاقة بين الطرفين. عادة ما كانت المناقشات الثنائية تصل الى حلول مشتركة تضمن مصالح الطرفين، لكن الواقع الحالي للعلاقة، في ظل التعنت الأمريكي، لا تشي بأي حلول. وهنا فإن المتضرر الأكبر هو قطاع الصناعة الأمريكية والذي يعتمد على الصين كسوق وخبراء. فيما تُشير الإحصاءات الى أن عدم التوصل الى حلول يعني وجود خيارات صعبة أمام شركات صناعية أمريكية قد تخسر الطرف الصيني، وهو ما قد يؤدي الى افلاسها بعد ثلاث سنوات كحد أقصى (شركة بوينغ على سبيل المثال..). وعلى الرغم من سعيه لتلميع صورته أمام الشعب الأمريكي، وتقديمه لسياسات تجارية تُوازن بين الإستيراد والتصدير في العلاقة مع الصين، يعاني دونالد ترامب من مشكلات الواقع الأمريكي الذي يتميز بأزمات بنيوية في النظام غير قابلة للإصلاح، في مقابل وجود خطة إصلاحية تُجريها الصين على الصعيد الداخلي، قد تعوض الخسارات الخارجية للصين. هذا يدفع للإعتقاد بتراجع القدرة الأمريكية على الصعيدين الخارجي والمحلي وما يعنيه ذلك من دلالات مقابل التعاظم الصيني.
تعيش أوروبا عصرها الأسوأ: صراع فيما بين الأنظمة من جهة وصراعٌ بين الأنظمة وشعوبها من جهة أخرى
فيما يخص العلاقة الصينية الروسية، وإن كانت جيدة، فهي لا تتفق إلا على المنافس الأمريكي المشترك. في حين تتصف العلاقة ضمناً، بتنافسٍ نديٍ على المواقع الدولية والتأثير الإقليمي، في ظل سياسة روسية أشد عداءاً لواشنطن، مقابل سياسة صينية كانت حتى الأمس القريب مبنية على الدبلوماسية مع الطرف الأمريكي، لما يربط كل من واشنطن وبكين من مصالح اقتصادية.
فيما يخص الغرب الأوروبي تعيش أوروبا عصرها الأسوأ. صراع فيما بين الأنظمة من جهة، وصراعٌ بين الأنظمة وشعوبها من جهة أخرى. ما يوحي بتفكك الإتحاد الأوروبي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وما يعنيه ذلك من نتائج وآثار. بريطانيا وفرنسا أقرب الى السياسة الأمريكية مع انفصامٍ عن الواقع الأوروبي. المانيا الدولة المشاكسة تعاند واشنطن وموسكو في نفس الوقت وتعتبر الصين منافساً لها.
على الرغم من رهان البعض على القمة الصينية الأمريكية، والتي اعتبرها أغلب المراقبين اللقاء الأهم في قمة العشرين، لا يبدو أن النتائج ستكون مؤثرة. فالسياسة الأمريكية المبنية على التفرد والغرور والإنعزالية، الغت اللقاء الروسي الأمريكي. دلالة تكفي للحديث عن حجم التناقضات. كما أن أرقام منظمة التجارة العالمية التي تُشير الى فرض دول مجموعة العشرين لأكثر من 40 اجراءاً يُقيد التجارة فيما بينها، ما ادى الى خسارة أكثر من 480 مليار دولار في التبادل التجاري خلال الأشهر الستة الأخيرة، تدل على ارتفاع الإجراءات الحمائية وبالتالي ظهور نتائج وارتدات الحرب التجارية بين الدول الكبرى.
إذاً، تطغى الحرب التجارية بين الدول على قمة مجموعة العشرين. حرب تضرب أسس وأهداف تأسيس هذه المجموعة. حرب باتت سمة التجاذب الدولي. وحدها واشنطن لم تعد عرابة الإتفاقيات حيث أشعلت حربها التجارية على الخصوم والحلفاء على حدٍ سواء. هكذا أفشلت الحرب التجارية قمة مجموعة العشرين.