kayhan.ir

رمز الخبر: 76422
تأريخ النشر : 2018May25 - 19:45

قهقهات العرب على مذبح فلسطين


محمد الحسيني

أما وقد احتفل بعض العرب بنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس .. ماذا سيبقى من مراقد عنزنا في ربى فلسطين المحتلة وتلالها؟!

القدس.. تلك المدينة المهجّرة لم تعد تأمل بزوّارها العرب، ولم تعد ترمق في آخر النفق بصيص حرية، لأن حطام أنظمتنا قد سدّت كل منافذ الأمل، فباتت ترقب طيف أطلالها بعد أن اشتد عليها خناق الطوق، على وقع دويّ معاول الهدم التي تمعن في تفريغ أساستها، فيما حكامنا يطربون على وقع اللحن الصاخب، حيث رفع ترامب سيف العروبة في رقصة تقاليد الزعامة.

سبق أن وقف زعيم ليبيا معمر القذافي في واحد من مؤتمرات العرب وقال: تريدون حل مسألة الصراع العربي - الصهيوني؟ فلنجعل دولة واحدة يعيش فيها اليهود والعرب في دولة اسمها "اسراطين" !! كانت نفحة نبوغ قذافية مضحكة - مبكية، ولم يأخذ السامعون أنفاسهم حتى أتحف الأمة العربية المجتمعة باقتراح نبوغ آخر: إذا كانت المشكلة في المسجد الأقصى فأنا أبني لكم مسجداً أكبر منه وأوسع، ولتأتِ كل الأمم لتزوره حيث يكون، فلا تعود المسألة متعلقة بنزاع على أمتار من الأرض أو حجارة أكل الدهر عليها وشرب.

هكذا هي رؤية حكامنا للقضية.. والشعب الفلسطيني هو الأعمى الوحيد بين كل هؤلاء "المبصرين"، وهو لا يصدّق حتى الآن أن من يتأبطون القضية قد باعوها في سوق نخاسة "تل أبيب" وواشنطن وعواصم أوروبا، وهو لا يصدّق حتى الآن أن أبناء عمومته العرب قد غسلوا هوياتهم واستبدلوا أسماءهم بحبر آخر استقدموه من مطابع البيت الأبيض وكواليس الأمم التي اتحدّت على إزالة اسم فلسطين من مدوّنات الدول وخرائط الجغرافيا ووثائق التاريخ.

أما وبعد أن سقطت آخر بقايا ورقة التوت العربية.. ماذا سيبقى لنستر عورات أنظمتنا؟!

احتفل ترامب ونتنياهو بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبارك الخطوة بعض العرب وتبادلوا بيانات التهنئة والابتسامات الخبيثة، فيما انتفض رئيس السلطة المنزوعة الصلاحيات محمود عباس ليعلن الموقف المدوّي: لن نتخلى عن "النضال السلمي" في سبيل إرجاع حقوقنا، ولم يتجاوز هذا الموقف في تردده حدود الطاولة التي يجلس عليها في حين يحدق باقي أعضاء سلطته في فناجين القهوة وصحون الفاكهة المنتشرة أمامهم، وهم يصمّون آذانهم عن أزيز الرصاص الذي كان يقتل حاملي الحجارة من أبناء شعبهم .. وأطفالهم.

لم لا؟! فـ"إسرائيل" بات لها الحق - عند بعض العرب - أن تدافع عن نفسها في مواجهة الصواريخ السورية، وأيضاً في مواجهة وابل الحجارة وطائرات الورق، بينما وابل الصواريخ يمعن في قتل أطفال اليمن بلا هوادة، ولا يفرق بين عرس هنا أو مسجد هناك، أما ترامب فيفرك يديه مسروراً متباهياً بأن صفقات السلاح المليارية ستؤمن مئات الآلاف من فرص العمل للشعب الأمريكي "الفقير" الذي يئن من وطأة البطالة، وينتظر بشوق سلماني لكي تمتلئ خزائن دول الخليج بترسانات الأسلحة والذخائر والصواريخ والطائرات.. وقريباً السلاح النووي.

أما وبعد أن تبادلنا أنخاب الاتفاق على موت قضايانا في أروقة التسويات.. ماذا سيبقى من كلام لنقوله للأجيال القادمة من أبنائنا؟!

ضاعت فلسطين يا بني.. ولم تعد سوى رسماً لبندقية، بندقية لا ينطلق من فوهتها الرصاص بل وردة من مزارع يافا وحيفا التي صادرها اليهود من ملكية العرب وفلسطين، وغصن زيتون من تلال الضفة وبساتين غزة سلبها اليهود من ملاّكها وانتزعوا جذورها ليمحوا في سبعين سنة من القهر تاريخاً من آلاف السنين.. هكذا باتت بندقية النضال في زمن النهايات العربية، فيما مناجل الحصاد الإسرائيلية، وعلى وقع قهقهات الكروش العربية، تقتلع كل براعم الياسمين في أرض فلسطين.