"حماس" في طهران: رهانات خائبة في تل أبيب
علي حيدر
الحسابات الإسرائيلية التي انتهت إلى أن تراقب ما ستؤول إليه المصالحة الفلسطينية دون عرقلتها، على الأقل علناً، تدخل الآن في معادلاتها الدلالات التي رافقت زيارة وفد موسع من "حماس" لإيران.
مع أنها ليست المرة الأولى التي يزور فيها قادة حركة "حماس" الجمهورية الإسلامية في إيران، إلا أن زيارة وفد الحركة برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، تنطوي على مجموعة من الرسائل المفصلية، كونها تأتي في ظل المصالحة مع حركة "فتح"، وبعد تنازل "حماس" عن السلطة في قطاع غزة، وفي أعقاب الشروط الإسرائيلية للموافقة على مفاوضات مع حكومة وحدة، ومنها تنازل "حماس" عن سلاح المقاومة وقطع علاقاتها بطهران والاعتراف بـ"إسرائيل".
مع إعلان المصالحة، تخوفت جهات إسرائيلية وفلسطينية من أن تكون "حماس" تقوم بعملية التفاف تهدف إلى التفلت من الضغوط والتخفيف على الواقع الشعبي الفلسطيني في القطاع نتيجة الحصار المضروب عليه، وفي الوقت نفسه استمرار التمسك بخياراتها الاستراتيجية وبسلاحها، مع الإشارة إلى أن الحركة عمدت إلى هذا الخيار بعد مخاض سياسي أمني طويل، وعبر محادثات أجرتها مع الطرف المصري في القاهرة على مدى شهور أدت إلى عودة سلطة رام الله إلى غزة.
على خط مواز، برز تقدير نظري آخر يحتمل أن يكون تنازل "حماس" عن حكم القطاع بداية مسار قد ينتهي باحتوائها وإخضاعها لمعادلة التسوية ضمن السقوف التي تحتملها في المرحلة الحالية، أو استغلال ما حدث على طريق تحجيم خيار المقاومة في الساحة الفلسطينية. ويستند هذا الرهان إلى فرضية وجود موطئ قدم أمني وسياسي للسلطة يمكِّنها لاحقاً من تكرار تجربة الضفة المحتلة.
في هذه المحطة المفصلية، دخلت "إسرائيل" على الخط عبر الشروط التي وضعها "المجلس الوزاري المصغر" (الكابينت) للضغط على "حماس" ومحاولة ابتزازها، ولوضع المزيد من العقبات أمام المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وهو ما يرى فيه اليمين الإسرائيلي فرصة سياسية لتفادي سيناريو مفاوضات حول الوضع النهائي. مع ذلك، عمدت "إسرائيل" إلى الجمع بين الموقف المتصلب الرافض لهذه المصالحة، وبين تجنب أي خطوة عملانية تحول دون تحققها، كما فعلت في مرحلة سابقة.
في ضوء مروحة الرهانات والتقديرات، حول الخيار الذي قد تنتهجه "حماس" في هذه المرحلة المفصلية، وتحديداً بعدما أطبق الخناق الإقليمي والعربي على الشعب الفلسطيني تمهيداً لفرض تسوية إقليمية على حساب القضية الفلسطينية، والإيحاءات التي لاحت نتيجة قرار "حماس" التراجع خطوة إلى الوراء، أتت زيارة وفد الحركة لطهران مع سقف سياسي عالٍ لجهة التمسك بسلاح المقاومة حتى التحرير، والمحافظة على علاقاتها الإقليمية والإسلامية التي تخدم هذا المسار.
وحرصت "حماس" على ألّا تكتفي بالتصريحات التي أطلقها مسؤولوها، بل أتت زيارة وفدها القيادي لتعبر عن خيارها وموقفها الحاسم عملياً، وخاصة أن وقع زيارة من هذا النوع في هذه المرحلة بالذات، على الواقع السياسي الإسرائيلي ــ الفلسطيني، أبلغ تعبيراً عن الخيارات الاستراتيجية، وفيه تظهير لمستوى جديتها وتمسكها بهذه الخيارات. ويبدو أن الحركة حرصت أيضاً، نتيجة دقة المرحلة ومفصليتها، على أن تكون حاسمة في تحديد خيارها الاستراتيجي لجهة تمسكها بالمقاومة المسلحة، وألّا تترك مجالاً واسعاً للتأويلات والرهانات والتقديرات، وهو أمر بات مطلوباً بعد مروحة التساؤلات والتحليلات التي رافقت خيار المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية.
نتيجة ذلك، باتت الخشية في تل أبيب وعواصم عربية ولدى جهات فلسطينية ــ بعد زيارة طهران والمواقف التي واكبتها ــ من محاولة تكرار "استراتيجية" حزب الله، بمعنى من المعاني، أكثر واقعية، وهو ما قد يستدرج خطوات ومواقف مضادة لاحقة من أكثر من طرف إسرائيلي وفلسطيني وإقليمي.
في المقابل، لا يزال هناك قدر من الرهان بأن تحاول "حماس" الجمع بين التمسك بعلاقاتها الإقليمية وسلاحها وخيارها المقاوم، وبين أداء عملاني مرحلي مسقوف باعتبارات سياسية إقليمية ــ مصرية، وفلسطينية ــ المصالحة، وهو أمر لا ترتضيه "إسرائيل"، ولكنها قد تتعايش معه مرحلياً، وخاصة أنها قد تستفيد منه على المستوى الأمني بقدر من الهدوء. لكن حتى هذا السيناريو الذي قد يكون مطروحاً على المستوى النظري يبقى ظرفياً، وسيتبدد عند أول عملية قاسية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.
إلى ذلك، قال ممثل الحكومة الإسرائيلية في مناطق السلطة الفلسطينية، يوؤاف مردخاي، إن "حماس تبيع القطاع لإيران"، "رغم التطورات في الساحة الفلسطينية، فإن قادة حماس، الذين ينبهرون بالدعم الإيراني، يستمرّون في تلقي الأوامر من النظام الإيراني".