ما ينبغي وما لا ينبغي!
حسين شريعتمداري
1 ـ ليس الحديث عن هذا الحزب وتلك المجموعة او هذه الجهة والجماعة، فالامر يتعلق بخارطة طريق اعدت تفاصيلها وما هو ضروري وغير ضروري بنظرة معمقة تحقيقية، بالشكل الذي يسهل للجميع حل الغازه وكما يقول اهل المنطق فهي قضية بديهية يكفي التصور للوصول الى تصديقها. فالحديث يدور حول الاقتصاد المقاوم، الاطروحة الضرورة لهذا اليوم وكل ايامنا، اذ نظمت بجهود مئات المتخصصين في الاقتصاد وخبراء بمجالات عدة اضافة للاقتصادية لتعم الثقافية والاجتماعية. هذا البرنامج الاقتصادي لو شرعنا به منذ سنوات خلت، ولم يتعثر بدؤه لتلعثم الحكومة السابقة والحالية وسوء ادارة المسؤولين الماضين والحاليين، لكنا اليوم قد تجاوزنا المشاكل الحالية.
وكما الاعوام الماضية، شدد سماحة قائد الثورة في حشود من زوار الحرم الرضوي، على ضرورة تنفيذ اطروحة الاقتصاد المقاوم، ليضيف عليها تفاصيل اخرى مشفوعة بادلة ووثائق دامغة. وان ما نحاول عرضه في هذا العمود اشارة لهذه التوجيهات الغنية.
2 ـ ان رائد الثورة قد اشار في ديباجة حديثه لدقائق امر سنتوصل اليها بانتهاج خارطة الطريق؛ "التفتوا، ما الذي نريده لبلدنا ولشعبنا؟ فما الذي نطلبه من الشعب والبلد ان يصله؟ فنحن نريد للشعب الايراني أمناً قومياً، وعزة وطنية، وسلامة عامة ورفاهية الجميع، ورقي في كل المجالات، واستقلالنا عن القوى السلطوية الدولية، وتفتح القابليات، والخلاص من الاضرار الاجتماعية ـ كالاعتياد والفساد ـ، كل ذلك نريده للبلد، فهي الامور التي نحتاجها في المجال المادي ونصر عليها.
حينها سيصل الشعب للطمأنينة اذ تتوفر له هذه الامور داخل البلد. حقا كيف يمكن التوصل لذلك؟ كيف نتوصل الى العزة الوطنية والامن القومي والاقتدار والتقدم في كافة المجالات؟ اقولها واضحة، ان كل هذه الامور لا تحصل الا باقتصاد قوي. فمطلبنا هو تحقق الاقتصاد القوي والمستقر الذي يعتمد الكفاءة الذاتية كي لا نمد ايدينا للآخرين، كي نتمكن من الانتخاب، والتحرك وان نؤثر على تسعيرة النفط، وندعم العملة الوطنية ونرفع من قدرة الشعب الشرائية، كل ذلك يفتقر لاقتصاد قوي لنكون اعزة وامننا مستدام".
وشدد سماحته على ان جميع الامكانات والمستلزمات الضرورية متوفرة للتوصل للنقطة المطلوبة، متطرقا الى اهم الامكانات والقابليات المتوافرة، كالايدي العاملة والشباب المتعلم، والمعادن الغنية، والاخصائيين المرموقين، والاندفاع الاسلامي والثوري، والاحتياطي الكبير للنفط والغاز، وكذلك بعض الامكانات والضروريات الاخرى التي وان كانت غير موجودة الآن الا انه بامكاننا الحصول عليها بيسر وسهولة.
3 ـ وهكذا لم يفت سماحة القائد الاشارة الى الادلة الواضحة للوصول الى النقطة الموعودة والامكانات والقابليات الضرورية للوصول الى هذه النقطة او التوصل اليها بسهولة. من هنا فان التساؤل التالي ينحصر في اين تكمن المشكلة؟ ومع وضوح خارطة الطريق والتمتع بالقابليات الضرورية للوصول للنقطة الموعودة، فلماذا لم نصل لهذه النقطة الى الآن، وحتى في حالات معينة تراجعنا بدل ان نتقدم؟! ان الاجابة على هذا التساؤل يمكن العثور عليها في خطابات قائد الثورة المعظم، المدعومة بوثائق لا تقبل الخطأ وادلة دامغة لا لبس فيها.
فسماحته قد اكد في جوانب خطابه ذلك اليوم على ضرورة ان يستند البلد على مدراء ثوريين ومؤمنين ونشطاء، معتبرا ان التوصل الى النقطة المقصودة عن طريق ادارة ركيكة ويائسة وغير ثورية امر محال، حيث قال: "على امتداد الثورة الاسلامية، كلما كان لنا ادارة ثورية وناشطة شهدنا تطور العمل، وحين كانت الادارة ضعيفة ويائسة وغير ثورية تعثر العمل او انحرف عن جادة الصواب"، او "ينبغي ان يكون المدراء اشخاصا اكثر اندفاعا وفاعلية وذوو سعي متواصل، وسيكونون هكذا بحول الله وقوته". كما وشدد سماحته في جانب آخر من خطابه "لا توجد مشكلة عصية على الحل في البلاد، فان كانت الادارة في مختلف الاقسام ثورية ومؤمنة وفاعلة فجميع المشاكل ستحل".
4 ـ والان نقترب من الموضوع الاساس لمقالنا، وهو، حين نجد ان المشاكل الاساسية للبلاد لاسيما في الجانب الاقتصادي ومعيشة الناس تنبع من عدم الفاعلية وعدم الثورية وانعدام الدافع والضعف واليأس الغالب على المدراء، اذ يمكن ان نجد بوضوح ان جميع الامكانات والقابليات الضرورية لطفرة اقتصادية والوصول للنقطة المطلوبة في البلاد، فمن هنا فان التراوح في المكان والاسوأ منه التراجع ـ وهو ما شهدناه في حالات ما ـ لايمكن تفسيره الا لشيوع المدراء الفاشلين والغير فاعلين وفي حالات اخرى غير ثوريين، اليس كذلك؟!
فان كان هذا الاستدلال واضحا لالبس فيه، فان الحل ينحصر في اعتماد اشخاص اكفاء مؤمنين وثوريين ونشطاء متحركين لادارة الامور، وان لم يعتمد هذا الحل فان المسيرة الاقتصادية للبلد والشعب ستكون عرجاء الى يوم القيامة، مما ستستتبع آفات ثقافية وتلاطم اجتماعي.
وهنا لا فرق في اي كانت ميول هؤلاء المدراء الفاشلين، محسوبون على هذا الحزب او ذاك، واعضاء في هذه الجماعة او تلك!
فالمدير الفاشل وهو كارثة على الموقع الذي يشغره. والمدير الطالح لاسيمامن سيتحمل مسؤوليات حساسة، لاينزل من السماء مع حبات المطر، كي نرهن تسلمه للمنصب بالحظوظ والصدف. فالمدراء والمسؤولون المنتخبون ضمن تشكيلة ما ويتحملون مسؤولياتهم، والانتخابات لاسيما انتخابات رئاسة الجمهورية التي ستطل علينا الشهر المقاوم، واحدة من اكثر سبل الانتخابات خطورة، وتوظيف مدراء للبلاد، ومن البديهي ان اقل اهمال يحدث في انتخاب الشخص اللائق سيستتبع عواقب وخيمة دون شك.
6 ـ ومن الصعوبة بمكان ان نتعرف على المدير الجيد والمناسب على مستوى مواقع الفراغ في الجمهورية الاسلامية، عن طريق التصريحات الدعائية في حملته الانتخابية، ووعوده وخطبه، اذ وكما قال اميرالمؤمنين عليه السلام انه ما اوسع دائرة الحق عند العبارة وما اضيقه عند العمل.
7 ـ كما ويحدد امير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر، اربع خصوصيات لمعرفة المسؤول ورجل السياسة الصالح، يمكن اتخاذها معايير لانتخاب الاصلح. حين قال "فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسدين حزبا..." هذه الخصوصيات الاربع في حديث امير المؤمنين عليه السلام، تشمل: الاولى: الحزب؛ لنعرف مع من يتصالح ويتفق ليشكل حزبا وتحالفا.
الثانية: الحرب؛ لنعرف ضد من يتحارب ويتصارع وان لا يعادي المؤمنين والثوريين.
الثالثة: بيت المال؛ لنعرف كيف يتصرف ببيت المال؟ فهل ينظر لبيت المال من منظار الطمع ولا يمنع تطاول ايدي حاشيته لبيت المال؟!
الرابعة: الشعب؛ لنعرف هل يتخذ الشعب عبيدا يتسلط عليهم!
من خلال اطر هذه الخصوصيات والتي تمثل بديهيات عقلية، ليس من الصعب التعرف على من ينبغي ان يتقدم للمشاركة ممن لا ينبغي ان يتقدم.