مهدي منصوري
شكلت حادثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي تمت بصورة دراماتيكية حالة من الشك الكبير لدى مختلف المراقبين، اذ ان الادارة الاميركية قد تكتمت على المعلومات المتعلقة بها من جانب، ومن جانب آخر فان تداعيات هذه الحادثة التي جاءت على شكل حربين كبيرتين واحتلال عسكري من قبل الادارة الاميركية لكل من العراق وأفغانستان، بحيث فتحت الافاق للارهابيين الذين فجروا مركزي التجارة العالمي في نيويورك أن تتجه انظارهم الى هذه المنطقة من خلال النداءات التي كانت تصدر أنذاك والتي كان مفادها من يريد ان يجاهد الاحتلال الاميركي عليه ان يأتي الى العراق وافغانستان. وقد اتضح وبعد حين ان كل هذا السيناريوهات كانت وراءه عقول استخبارية خططت له وباتقان من أجل تحقيق هدفين مهمين، الاول اظهار الدين الاسلامي على انه دين عنف وقتل وهو بعيد كل البعد عن الرحمة والانسانية، لاجل خلق فاصلة كبيرة بين الدين والشعوب، والثاني هو استخدام هؤلاء الارهابيين كوسيلة يمكن الوصول خلالها الى تحقيق اهدافهم التي رسموها للمنطقة.
وبذلك ومن خلال المعطيات السابقة فان الارهاب وبمختلف مسمياته قد ترعرع ونمى واخذ موقعه من خلال الرعاية والدعم الاميركي، وهو ما كشفته الكثير من التقارير والتصريحات التي صدرت من مراكز القرار الاميركي بحيث ان كلينتون وفي حملتها الانتخاباتية اخذت تصرح علنا من ان "الارهاب هو من صناعتنا"، وبطبيعة الحال فان هذه الصناعة تحتاج الى تمويل وتسويق لاجل ان تقف على قدميها، لذلك فان واشنطن وجدت في السعودية بقرة حلوب مليئة خزائنها بالاموال وهي خير معين لها، من خلال تقديم الاموال المطلوبة وضخ الرجال من ابنائها للالتحاق بالمنظمات الارهابية، ووجدت ايضا ان افضل طريق لتسويق هؤلاء الارهابيين والممر الامن لهم هي تركيا بعد اشعال ازمة في كل من العراق وسوريا.
ولو ان هذه المعلومات لم تعد خافية على أحد خاصة بعد الانتصارات التي تحققت في كل من سوريا والعراق والتي وضعت فيه القوات الامنية يدها على الكثير من المعلومات والوثائق التي أثبتت ماذهبنا اليه، بحيث أصبحت القضايا تظهر على السطح وعلى المكشوف ومن دون استحياء سواء كان من الجانب الاميركي او السعودي او التركي.
ولما فرضت الانتصارات على الارهابيين حالة جديدة او معادلة جديدة وصلت فيها القناعات الى ان استمرار الحرب لم يكن مجديا ولم يكن هو الطريق للوصول فيه الى الاهداف لانه اصبح عقيما، لذا اتجهت الانظار بالذهاب الى الحل السلمي القائم على الحوار، ولما وجد هذا الاقتراح تأييدا من قبل الاطراف المعنية، وجدت واشنطن انها ستخرج من "المولد بلا حمص" كما يقولون لذلك أخذت تمارس دورا قذرا في سبيل عدم تحقيق هذا الامر، من خلال وضع الشروط التي تريد ان يحتل هؤلاء الارهابيون والقتلة كرسيا على طاولة المفاوضات، وهو ماأعلنه اوباما وكيري وبعض اصحاب القرار في البيت الابيض، الا ان الرد جاء قاطعا من قبل الحكومة السورية وبقية الاطراف التي ساهمت في عملية الوصول الى قبول الحل السلمي للازمة، وذلك بالرفض التام لان يحتل الذين انغمست ايديهم في الدم السوري ان يمنحوا مثل هذا الدور لانه لا يمكن ان يكون للجلاد الذي لابد ان يلقى جزاءه العادل مكانا مع المظلوم الذي تحمل الالام والمعاناة على يد هذا الجلاد.
اذن وفي نهاية المطاف والذي لابد من الاشارة اليه ان الصناعة الاميركية قد انتهى مفعولها، ولم يعد لها ذلك التأثير، وهي تعيش حالة من الانهيار الكبير من خلال الهزائم المتكررة بحيث فقدت الكثير من الاراضي ومن افرادها، واصبحت في حالة يرثى لها، فلذلك فان المحاولات الاميركية او السعودية والتركية وغيرها ستبوء بالفشل الكبير خاصة وان زمام المبادرة اليوم هي بيد السوريين الابطال الذين لقنوا الارهابيين وداعميهم درسا قاسيا لايمكن ان يغيب عن ذاكرتهم.
واخيرا فمن نافلة القول ان فساد الصناعة الاميركية وهو الارهاب قد القى بظلاله وبصورة تعلن انقرة يتغير موقفها وبصورة غير متوقعة بحيث اعلنت على لسان مسؤوليها انها لن تصر على رحيل الاسد وتسوية الازمة السورية بدونه امرا ليس بالواقعي، ويبقى الخاسر الوحيد من هذه الصفقة هي السعودية التي افرغت خزائنها من الاموال وقعدت اليوم على بساط الفقر كما يقولون،والطامة الكبرى اليوم للرياض هو مجئ ترامب الى الحكم الذي سيرفع غطاء الحماية عنها ان لم تدفع مقدما.