د. كاظم ناصر
* منذ مطلع القرن العشرين والوطن العربي يسير من فشل إلى آخر ، ومن هزيمة إلى أخرى ، ويزداد جهلا ، وفقرا ، وضياعا حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن فيه من أوضاع مزرية تبشّر بمزيد من الهزائم والكوارث إذا لم يستيقظ المواطن العربي من سباته ، وينفجّرغضبه في ثورات شعبيّة تطيح بالأنظمة القبلية الإستبدادية ” الأبويّة كما يسميها المرحوم غسان شرابي ، ” وتمكنّه من القيام بدوره في حكم نفسه من خلال أنظمة ديموقراطيّة دستوريّة تعطيه حريتّه وتعيد له كرامته ، وتطّبق التعدّدية السياسية التداوليّة ، وتحترم وتحمي التعدّدية الدينية وتحارب التزمّت والتعصّب ، وتستثمر الثروات والموارد في تصنيع وتطوير الوطن والمواطن .
* ما حدث ويحدث في وطننا من كوارث منذ بداية القرن الماضي ليس إلا إستحقاقات لقيادات سياسيّة قبليّة فاسدة لا تهتم إلا بمصالحها واستمرار حكمها . لقد عجزت عن قراءة واقع أوطانها وأخفقت في تطويرها وبنائها ، وفشلت في تعاملها مع القوى السياسية الكبرى المؤثرة في توجيه سياسات العالم مما جعل وطننا الذي كان موحّدا هدفا سهلا للدول الإستعمارية ، والصهاينة ، وأعداء الأمة .
* الحكام العرب أساتذة في خداع وتضليل شعوبهم ومبدعون في وسائل قهرها وإذلالها . إنهم هم المسؤولين عن ما حدث في وطننا من هزائم ونكبات لأنهم هم الذين تعاونوا مع الدول الغربية ووقّعوا معها المعاهدات لإستعمار دولهم مقابل حماية تلك الدول لهم ولعوائلهم القبلية الحاكمة ، وتآمروا مع الحركة الصهيونية ولعبوا دورا هاما في ضياع فلسطين ، وأفشلوا جميع المحاولات الوحدوية وأوّلها الوحدة المصرية السورية ، وشجّعوا الخلافات بين الأقطار العربية ، وثبّتوا حدودها الإنقسامية المصطنعة ومزّقوا نسيجها الإجتماعي .
* لقد أفسدوا مؤسساتنا ، وحكمونا بالحديد والنار ، وحرمونا من أبسط حقوقنا ، وأذلّونا بظلمهم ومخابراتهم ، وزوّروا تاريخنا ولوّثوه بأكاذيب عن بطولاتهم وبطولات أجدادهم ، ورعوا وشجّعوا المذهبية والطائفية والخلافات الدينية ، ونهبوا ثروات الأمة الطائلة ، وأمعنوا في حبك الموآمرات ضد بعضهم بعضا وقتل مواطنيهم وتدمير أوطانهم .
* لقد فعلوا هذا وأكثر منه بكثير وما زالوا يدّعون بأنهم يعملون من أجل حماية الوطن والمواطن ، والمحافظة على قيمه وثقافته ، وحماية دينه وصيانة مقدّساته ، ويحكمون شعوبهم بالعدل ! ما زلت أذكر ما قاله بعضهم في أحاديت متلفزة ومقابلات صحفية بأن ” قادة دول أجنبية معجبون بديموقراطياتهم يسألونهم عن كيفة نجاحهم في حكم شعوبهم ! ” أو قولهم لمواطنيهم ” بأنهم محسودين ومستهدفين من الأعداء ! ” هذه نماذج من الأكاذيب الكثيرة المكشوفة التي يستخدمها الحاكم العربي في خداع المواطنين وتضليلهم .
* الذي يحدث الآن من كوارث ومآسي ومعاناة في أكثر من قطر عربي لا يمكن لأيّ أمّة حيّة ذي كرامة أن تقبله ، ولا لأي حاكم أن يفعله ، أو يرضى به ، أو يبرّره ويستمر في الحكم إلا في وطننا . حكامنا أساتذة فعلا في استخدام الخداع ، والنفاق ، والمحسوبيّة ، والرشوة ، والفساد والإفساد في الحكم ، وفي تغييب شعوبهم وقهرها والتآمر عليها وتدمير حاضرها ومستقبلها . كل هذا مارسوه لأكثر من قرن من الزمن وما زالوا يحكموننا ويسبّح الكثير منا بحمدهم ! لو كنا شعبا واعيا لكان من المستحيل أن يحدث لنا كل هذا !