الرهاب المصطنع
حسين شريعتمداري
1 ـ قد يكون لانتخاب الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب ميزة عن سائر الرؤساء السابقين لهذا البلد، الا سبب تكاثر الاصوات لصالحه ــ بالرغم من سوء سمعته ــ الشعارات الانتخابية التي تبناها ضد بعض المقاسات المعمولة للنظام الاميركي، مما يعكس تناغم قطاعات واسعة من الشعب معه، هذا من جانب ومن جانب آخر فان ترامب وليد نفس النظام الحكومي في اميركا، حيث لا يختلف الحزبان الديمقراطي والجمهوري كثيرا عن منهجهما المتبع وفي الاقل يتماهيان في العداء للاسلام والثورة والجمهورية الاسلامية في ايران، حتى كان المرشحان كلنتون ترامب يتسابقان في دعايتيهما الانتخابية كلما جاء دور ايران ليتباريا العداء ايهما اكثر مكرا.
من هنا يمكن الاستنتاج بسهولة ان كلا منهما سواء الديمقراطي ام الجمهوري الفائز بالانتخابات لا يختلفان في العداء لايران وانما الاختلاف في السبل. ومع الايضاح اعلاه، فان اعراب مدعي الاصلاحات القلق من انتخاب ترامب ان لم يكن ناشئا من سوء الفهم السياسي فان الاصطلاح الوحيد الذي يستحق تطبيقه لهذا القلق هو "الرهاب المصطنع"!
ولكن لماذا ؟! وما هي النوايا التي تتضمنها هذه الوحشة المصطنعة؟! وهنا نطرح ايضاحات بهذا الخصوص؛
2 ـ يدعون ان دونالد ترامب جاء بتأييد شعبي وقد فاز بشعاراته الشعبوية المضللة لعموم الناس، وهنا ينبغي القول؛ الف: الم تكن شعارات هيلاري كلنتون واوباما وقبلهما جورج بوش وآخرون مضللة للعوام؟ اليس من المعيب ان تعتبروا اوباما، مع كل خدعة وجرائمه ضد بلدنا، الرئيس المحبوب عندكم؟
باء؛ في الاساس ان نفس هذه الحكومات الاميركية تتصف بشعبيتها المضللة، ولا اختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين. الم يأت اوباما بشعار "التغییر" مشدداً على انهاء اثارة اميركا للحروب، واغلاق سجون غوانتانامو، وابوغريب، وكذلك تشكيل الدولة الفلسطينية، ومحاربة الارهاب و...؟ فاي من هذه الشعارات تحققت؟ فباقرار كلنتون فان داعش صنيعة حكومة اوباما ودافعت عنها. فمازالت مقاصل غوانتانامو ناشطة، ولم يحصل اي تغيير في سلوكية الادارة الاميركية، واختلقوا حروبا بالوكالة او مباشرة بسورية واليمن ولبنان والعراق وافغانستان.
الى البارحة طلب اوباما من الكونغرس 11 مليار دولار لاستمرار الحرب في سورية وافغانستان والعراق، فيما كان قد وعد بانهاء الحروب الخارجية!
3 ـ ان قلق مدعي الاصلاحات لايمكن ان ينشأ من الشعوبية وتضليل الشعوب في شعارات ترامب،اذ لو اعتبر اداء ترامب بخصوص انفتاح اقتصادي لمائة يوم من الشعوبية، وهو ليس كذلك، فان نفس هذا الادعاء على مستوى اوسع قد طرح من قبل ادعياء الاصلاح، ومازالت وعودهم لم تر النور.
4 ـ يدعون ان ترامب بصدد ادارة ظهره لخطة العمل المشترك! ولابد من القول هنا؛
اولاً: الم تكونوا قد قلتم ان خطة العمل قد استند قرار 2231كوثيقة دولية، وليس معاهدة بين جانبين، ليتمكن الرئيس الاميركي القادم الغاء الاتفاق النووي؟
ثانيا: صحيح ان ترامب قد وصل في ادعاءاته حد الجنون، ولكنه اعقل من ان يمزق اتفاق يصب لصالح اميركا، ويمثل احدى مكاسب اميركا الكبيرة، خلال جولات المفاوضات النووية مع ايران.
ثالثا: ان كان الاتفاق ـ حسب الرئيس روحاني ــ قد الغى مائة عقوبة، فاعلمنا بواحدة، وان لم يكن كذلك، وان السيد سيف محافظ البنك المركزي قد اعتبر المكاسب لاشيء، وان السيد صالحي وظريف وعراقجي يؤكدون ان العقوبات لا تتعدى الكتابة على الورق.
رابعا: لماذا لا تعلنون بقاطعية واتباعا لتوجيهات سماحة القائد، ان الرئيس الاميركي اذا مزق الاتفاقية فسنحرقها بدورنا.
5 ـ وبالنظر للامور المذكورة، لايمكن القبول بحقيقة قلق ادعياء الاصلاح، فهم يعلمون جيدا ان ترامب وكلنتون يمثلان رقعة ثوب واحد، واختلاف رأيهما حول ايران الاسلامية بمثابة شفرتي مقص، حين تقصان تتحركان سوية. فلم الاعراب عن القلق من وصول ترامب وعلام هذا الرهاب المصطنع؟! وان الاجابة على هذا التساؤل ينبغي تختصر في منهجية الحكومة خلال ثلاث سنوات وعدة اشهر لدولة السيد روحاني. مع ايضاح بان؛
6 ـ ان الحكومة المحترمة قد رهنت جميع المشاكل بالمفاوضات النووية، مدعية ان كل يوم تأخير في تنفيذ الاتفاق يكلف الدولة 170 مليون دولار! الا ان النتيجة هي انه حتى المفاوضين اعتبروا مكاسبها لاشيء.
وهنا يطرح السؤال الآتي: انه مع الفشل في استحصال معطيات الاتفاق النووي والمكاسب الغير محسوسة، مازال رعاة الاتفاق يراهنون على مسارهم؟! في الوقت الذي ان كانت اميركا ترى ادنى مكسب في مهاجمة ايران عسكريا لم تكن لتنتظر حتى لحظة واحدة، وحسب "توماس فريدمان"؛ ليس بامكاننا (اميركا) اليوم حتى بحجم سبابة امكانية شن حرب في الشرق الاوسط! والاهم من ذلك فان اميركا خلال الحرب المفروضة لثمان سنوات قد جربت فشل مهاجمة ايران عسكريا ـ فيما كانت اقوى من الان والجمهورية الاسلامية اضعف مما هي عليه اليوم ــ، ومنذ عام 2009 قررت خوض حروب الوكالة WAR PROXY بدل الحضور المباشر في حروبها حيث اشعلوها في سورية واليمن ولبنان والبحرين و...
ونعود للموضوع الاساس بمحوريته للعمود، وهو ان ادعياء الاصلاح لم يقلقوا من انتخاب ترامب وانما هم يصرون على ضخ الشعب بالرهبة والقلق، ليخرجوا بنتيجة مفادها اذا لم يعطوهم اصواتهم في الانتخابات القادمة، فستظل سحابة حرب محتملة فوق الرؤوس!
7 ـ ان اظهار بعض ادعياء الاصلاح للقلق والرهبة من فوز ترامب عن علم او جهل، يستبطن حالة ضعف وجبن امام اميركا ويشعر استسلام وضعف ايران امام استبداد المستبدين! من هنا فان كان هنالك محلا للخوف والقلق فهو ينحصر في اعلان مدعي الاصلاح انهيارهم قبال الخصوم. ومن المناسب هنا ان نثمن الموقف الحازم للواء باقري رئيس اركان الجيش حين خاطب ترامب بصلابة بانه يلفظ بعبارات اوسع من حجمه، منبهاً الى ان على الخصوم ان لا ينشرحوا لما يبعثه البعض من رسائل خوف وتزلزل.