kayhan.ir

رمز الخبر: 46504
تأريخ النشر : 2016October15 - 19:44

أسبوع حاسم يؤشر إلى أن التدخل العسكري في سورية بات داهما..


أحمد الشرقاوي

تقف المنطقة، وربما العالم، على عتبة مرحلة جديدة تتجاوز في خطورتها كل ما عهدناه خلال السنوات الخمس الماضية، خصوصا بعد أن قررت الدولة العميقة في الولايات المتحدة وضع روسيا أما خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالشروط الأمريكية للحل في سورية من دون الرئيس الأسد، أو تدخل عسكري أطلسي يطيح بالنظام ويدمّر الجيش العربي السوري وبناه التحتية العسكرية وينتهي بتقسيم البلاد على شاكلة العراق.

كل المؤشرات ترجح منحى الحرب، ولا يوجد ولو مؤشر واحد يصب في مصلحة السلام لسبب بسيط، وهو أن السلام في سورية يعني انتصار روسيا وحلفائها وهزيمة أمريكا وحلفائها وأدواتها، وبالتالي، نهاية دور أمريكا وانهيار نفوذها في الشرق الأوسط وتراجع مكانتها كقوة عظمى تهيمن على عرش العالم لما لذلك من تبعات كارثية على النظام الرأسمالي برمته.

بعد انهيار الهدنة وسقوط المشروع الفرنسي بالفيتو الروسي من جهة، والمشروع الروسي بالفيتو الثلاثي الأمريكي الفرنسي البريطاني في سابقة لم يعهدها مجلس الأمن من قبل، كان واضحا أن هناك توجه لشيطنة روسيا وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الأزمة السورية من انسداد في الأفق وتوجه نحو الخيار العسكري، واستغلال ذلك لشيطنة بوتين إعلاميا وتصوير روسيا بأنها العدو الأول لأمريكا في العالم، وبلغ العهر السياسي بأن أصبح بعض المسؤولين في الولايات المتحدة يصفون الرئيس بوتين بـ”الديكتاتور”، ما يذكرنا بمقدمات التصعيد السياسي والإعلامي الذي سبق الحملة العسكرية لاحتلال العراق.

وتمهيدا لتجسيد الرؤية الأمريكية في سورية، يجتمع الرئيس أوباما الجمعة مع كبار مستشاريه للسياسة الخارجية ورئيسة مجلس الأمن القومي لدراسة سيناريوهات الخيارات العسكرية التي أعدتها وكالات الأمن القومي بطلب منه عقب انهيار الهدنة في سورية وتحميل روسيا مسؤولية ذلك.

ويوم السبت، من المقرر أن يعقد اجتماع الفرصة الأخيرة في لوزان السويسرية يجمع الولايات المتحدة وروسيا ودول إقليمية معنية بالأزمة السورية هي "السعودية” وتركيا وربما قطر أيضا، فيما هناك معارضة "سعودية” بشأن حضور إيران، غير أن الأخيرة سبق وأن أعلنت رسميا رفضها المشاركة في هذا الاجتماع، ربما لإدراكها أنه لن يكون أكثر من ذريعة لتبرر بها الولايات المتحدة أن جهودها لإرساء الهدنة في سورية تمهيدا لتسوية سياسية لم تنجح بسبب التعنت الروسي وأنه لم يعد من خيار أمامها غير التصعيد العسكري.

ويوم الأحد الموالي، سيعقد اجتماع في لندن بقيادة الولايات المتحدة يضم كل من الشركاء الغربيين (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا) بالإضافة لبعض الأدوات الإقليمية ("السعودية”، تركيا، وربما قطر والأردن)، وذلك لبحث ما قيل أنه "نهج متعدد الجوانب لحل الأزمة السورية” ما يعني، منع الجيش العربي السوري من قصف الإرهابيين من الجو باستهداف طائراته ومطاراته العسكرية، بالإضافة للإجراءات العسكرية الأحادية التي سيتم بموجبها حماية "المعارضة المسلحة” من خلال قصف مواقع الجيش العربي السوري بالصواريخ المجنحة لمنعه من التقدم وكسب المزيد من المواقع، هذا بموازاة إجراءات استئناف المساعدات الإنسانية التي تعني حرفيا دعم التكفيريين بالسلاح والعتاد والمؤن كي لا يهزموا في الميدان، وذلك من تركيا والأردن وفق ما تسرب عن تفاصيل الخطة.

أما يوم الاثنين، فسيبحث وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل اقتراحا تدعمه ألمانيا بقوة لفرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب "جرائم الحرب” التي تقوم بها، وفق الاتهام الغربي لها، وخطة التصعيد العسكري في سورية وموقف الدول الأوروبية منها، ولا نستبعد أن يعقد الحلف الأطلسي اجتماعا تقنيا في بروكسل لدراسة الخطة الأمريكية والتحضير لمواجهة تركيا في حال تطورت الأمور لما لا تحمد عقباه.

هذا يعني، أننا أمام خطة كاملة باستراتيجيات سياسية وإعلامية واقتصادية وأمنية وعسكرية تصب في نفس الهدف، ألا وهو إجبار روسيا على الانصياع للإرادة الأمريكية أو مواجهة العواقب، وأن قرار تقسيم العراق وسورية سيتم تنفيذه من قبل الحلف الأطلسي ولا يمكن لأي كان أن يقف في وجهه.

وفي هذا الصدد أبلغت "جبهة النصرة” الأمم المتحدة الخميس بتعليمات من داعميها، أنها ترفض مقترح دي ميستورا للخروج الآمن من الأحياء الشرقية نحو دير الزور، ما يؤكد أنها تلقت تعليمات بالصمود إلى غاية انطلاق المخطط العسكري الأطلسي الجديد، ليتم استثمارها لاحقا في قلب المعادلة الجغرافية على الأرض بالسيطرة على حلب ومن ثم التوجه نحو دمشق، حال وصول الدعم من العراق وتركيا.

الخطة الأمريكية الجديدة سبق وأن تحدثنا عنها في مقالة سابقة حين التقطنا تصريح للمرشحة هيلاري كلينتون قالت فيه، أن هدف أمريكا هو تحرير الموصل وحشد "داعش” في سورية.. وقد رأينا كيف بدأت واشنطن في تنفيذ هذا المخطط من خلال استنهاض جبهة النصرة في الجنوب وتدخل الطيران الإسرائيلي لقصف مواقع الجيش العربي السوري في تل أرنبة، ثم قصف طيران التحالف للجيش العربي السوري في دير الزور تزامنا مع تحرك "داعش” لكسب مواقع استراتيجية في المنطقة، وما تلى هذه الأحداث من عزل للمنطقة الشرقية لسورية من خلال هدم الجسور فوق نهر الفرات، بموازاة تقدم الجماعات التكفيرية التي تقاتل لحساب تركيا تحت لواء "الجيش الحر” في الشمال، لتشكل نوعا من الصحوات لمساعدة أمريكا في السيطرة على الشمال السوري بدعم من "جبهة النصرة” و”داعش” مع استبعاد الأكراد من المعادلة.

وبالتالي، فما أفصح عنه سماحة السيد في إطلالته ليلة العاشر من عاشوراء حول تحرير الموصل وخطة نزوح مئات الآلاف من "الدواعش” إلى سورية، جاء دون شك على ضوء معلومات موثوقة حصل عليها سماحته من مصادره الخاصة..

ما يؤكد هذا المعطى، هو ما كشفته موسكو الخميس عن خطة أمريكية – سعودية تقضي بالسماح لحوالي 9 ألاف مقاتل من "داعش” بالخروج من الموصل بمعية عوائلهم نحو دير الزور السورية قبل بدأ عملية التحرير الصوري المقرر لها 25 من هذا الشهر وفق معلومات مسربة من القيادة العراقية.. وقد بدأت جرافات أمريكية في فتح ممرات عبر السواتر الرملية على الحدود بين العراق وسورية لتسهيل مرور المقاتلين بدباباتهم وآلياتهم العسكرية ومعداتهم القتالية.

وقد حددت أمريكا لـ”داعش” أهدافا واضحة، تتمثل في السيطرة على دير الزور وتدمر ثم التوجه نحو حلب وبعدها نحو الجنوب عبر المنطقة الشرقية لقطع الحدود السورية العراقية ومنع أي إمكانية لالتحام الجيش العربي السوري وحلفائه مع الجيش العراقي والحشد الشعبي، وبذلك تضمن واشنطن قطع أوصال محور المقاومة بين إيران وسورية وحزب الله، وهو الهدف الذي أتت من أجله إلى المنطقة منذ البداية خدمة لـ”إسرائيل”، لأن سورية في حد ذاتها لا تمثل أهمية تذكر لأمريكا كما أنها لم تعتد عليها لتستحق ما يطالها من عدوان.

وفي ذات السياق، تمركزت أمريكا وحلفائها وخصوصا القوات الفرنسية والبريطانية في قاعدة "القيّارة” العراقية التي أعدتها لتكون بديلا عن قاعدة أنجرليك التركية، لأن أردوغان لا يريد إفساد العلاقة مع بوتين والسماح لقوات الحلف الأطلسي باستعمال قاعدة أنجرليك لمواجهة سورية وروسيا.. وفي هذا السياق، حذرت واشنطن رئيس الوزراء العراقي السيد العبادي من مغبة تدخل الطيران العراقي لقصف "داعش” أثناء نزوح مقاتليها من الموصل إلى سورية تحت طائلة قصفها وإسقاطها، وفق ما سربته مصادر عسكرية عراقية.

وليكتمل المشهد، عارضت واشنطن مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل، وكذلك فعلت تركيا و”السعودية” اللذان صعدا من خطابهما الطائفي محذرين من أن دخول "الشيعة” إلى الموصل سيتسبب في كوارث ويغير من الهندسة السكانية للمنطقة "السنية.. هذا علما أن الحشد الشعبي هو قوة نظامية رسمية تعمل تحت إمرة القائد الأعلى للقوات العراقية وتضم مكونات من مختلف الطوائف والمذاهب الذين يجمعهم الانتماء الوطني للعراق.

لكن الخطورة تكمن في تركيا التي حضرت جيشا من أتباع أثيل النجيفي وطارق الهاشمي اللذان ساعدا على إسقاط الموصل في يد "داعش”، ويتحضران للهيمنة على الموصل اليوم بمساعدة القوات التركية بريا لتصبح منطقة "سنية” تحت الولاية العثمانية، وهو الأمر الذي ينذر بوقوع صدام مسلح بين تركيا وأدواتها والقوات العراقية والحشد الشعبي لا محالة.

وواضح من معالم الخطة الجديدة أن تقسيم العراق أصبح واقعا لا يحتاج إلا لبعض الإجراءات العسكرية التفصيلية ما دامت الجماعات الإرهابية على الأرض هي من ستقوم بدور القوات التي ستملؤ الفراغ نتيجة القصف الأطلسي، وأن ذات السيناريو يحضر لسورية بعد إسقاط دمشق، وأن رفض تركيا الانسحاب من معسكر بعشيقة حيث أقامت 9 معسكرات، يدخل في إطار رغبتها في استرجاع الموصل التي فقدتها بموجب اتفاقية لوزان مطلع عشرينيات القرن الماضي.

وهو الأمر الذي ينذر بتطورات خطيرة قد تنتهي بصدام عسكري عراقي – تركي، ليتطور إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا بعد تهديد الحشد الشعبي ودخول السيد مقتضى الصدر على الخط لإنذار تركيا بالانسحاب بكرامة قبل أن تجبر على الانسحاب تحت ضربات قوى المقاومة ذليلة مكسورة.

مما سلف يتبين بوضوح أن مفتاح اللعبة وسر نجاح أمريكا أو فشلها يكمن في معركة الموصل في العراق.. والمفتاح هو اليوم بيد الحشد الشعبي، فإما يترك لأمريكا المجال لتنفذ مشروع تقسيم العراق وسورية بالتبعية أو يعرقل مشروع تحرير الموصل ويعطي الأولوية لمواجهة القوات التركية في بعتيقة لخلط الأوراق وقلب المعادلات وإفشال السيناريوهات، ولعل توجه القوات العراقية والحشد الشعبي في خطوة التفافية نحو الحدود السورية العراقية غرب الموصل الخميس، يهدف إلى قطع الطريق على خروج "دواعش” أمريكا من الموصل نحو سورية كما نصحهم سماحة السيد، لأن نزوحهم نحو سورية لن ينهي الإرهاب في العراق وستستعملهم أمريكا في عمليات إرهابية منظمة بهدف إعادة رسم المشهد السياسي في بغداد.

وهذا ما كنا نقول عنه كما غيرنا، أن الحل في العراق وسورية يمر من خلال الوضوء بالدم الأمريكي أولا، لأن واشنطن وحلفها لن يتوانوا عن قصف الحشد الشعبي الذي يدرك أبعاد مخططهم الجهنمي، ما ينذر بتطورات دراماتيكية، خصوصا إذا بدأت جثامين الجنود الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين تعود لذويهم في أكياس بلاستيكية، ما سيؤلب الرأي العام ضد حكوماتهم التي تسعى للتدخل عسكريا في العراق وسورية بمبررات واهية حيث اتخذوا من "داعش” حصان طروادة لغزو وتدمير وتقسيم المنطقة والكذب على شعوبهم بادعائهم محاربة الإرهاب.

موسكو التي كشفت عن تفاصيل الخطة، وجهت من جهتها تحذيرا لواشنطن الخميس على لسان الناطقة باسم الخارجية الروسية السيدة ماريا زخاروفا، تقول فيه، إن أي أعمال عدوانية ضد القوات الروسية لن تبقى دون رد مناسب، مشيرة إلى اختلاط القوات الروسية بالسورية، وأن الدعاية الغربية حول أحداث حلب تخدم في الواقع مصالح الإرهابيين الذين تستثمر فيهم أمريكا من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية كما سبق وأن كشف الرئيس بوتين في أكثر من مناسبة وتصريح.

ولا نحتاج للحديث عن موقف موسكو من أي تطورات دراماتيكية محتملة في سورية، فموقفها معروف وثابت، وأمريكا لن تمر ومشروعها لن ينجح، وبوتين عازم على التصدي لها حتى لو أدى الأمر لحرب إقليمية أو عالمية، هذا الأمر لا نقاش فيه، وإذا كانت واشنطن تريد تحدي بوتين واختبار مصداقيته فلتنتظر المفاجأة التي تتمثل في دخول التنين الصيني الحرب، لأن الصين لن تترك حليفها الروسي يؤكل قبل أن يحل الدور عليها في حرب إلغاء تستهدفها هي أيضا.

أما إيران التي تنسق مع روسيا، وتلتزم الصمت والعمل في سرية، فلا يمكن قراءة ما أعدته لمواجهة المخطط الأطلسي الجديد إلا من خلال ما سيقوم به الحشد الشعبي في العراق، وربما أنصار الله في اليمن، وحزب الله في الجنوب، لأنها المؤشرات الدالة على الرد الإيراني بعد القراءة المتأنية لتطورات الأمور ومآلاتها، وفي حال انفجرت المنطقة، فالمشهد سيكون مختلفا، وإيران لن تقعد متفرجة بالتأكيد.

وفي انتظار الأسبوع المقبل الذي سيكون حاسما لا محالة، لا نملك غير الصبر والدعاء وتسليم الأمر لصاحب الأمر ليدبره بمعرفته، لاعتقادنا الراسخ أنه لا يمكن لقوة على الأٍرض مهما بلغ جبروتها أن تعمل من خارج إرادة الله ومشيئته.