قراءة حول صعوبات تطبيق الاتفاق الاميركي الروسي في سوريا
شارل أبي نادر
بمعزل عن إمكانية أن ينجح الروس أو أن يفشلوا في انتزاع موافقة الولايات المتحدة الاميركية على نشر البنود الخمسة السرية من اتفاقهم المشترك الاخير حول سوريا، سيبقى قرار الاميركيين بذلك محيرا وغريبا في الوقت الذي لا يمكن الذهاب الى تطبيق اتفاق واسع وحساس كهذا يتناول نقاطا مهمة واطرافا متعددة دون ان يكون الجميع على بينة من كافة وقائعه ومعطياته ، وليتبين بعد الشروع بتطبيقه انه مليء بالالغام الخفية التالية :
اولًا: حول الهدنة الأساسية والتي من خلالها انطلقت مبدئيا مراحل الاتفاق، لم تُحترم من قبل المجموعات المسلحة التي سُجل لها عشرات الخروقات وعلى كافة محاور الاشتباك، ليتبين وبالاضافة لجبهة النصرة التي لم تُحسب اساسا كطرف تشمله الهدنة، ان هناك عدة مجموعات اساسية وفاعلة لا تختلف عن النصرة بشيء في الميدان وبقيت معركتها مفتوحة وكأن الهدنة لا تعنيها.
صعوبات تعرقل الاتفاق
ثانيًّا: حول انسحاب وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة والمجموعات المسلحة من جهة اخرى عن طريق الكاستيلو مسافات كافية وصالحة لابعاد اي تأثير عسكري او ميداني عن المعبر وتأمين ظروف مؤاتية لادخال المساعدات الى احياء حلب الشرقية، تبين وبعد ان نفذت وحدات الجيش المذكور ما هو مطلوب منها في الاتفاق، ان المسلحين غير قادرين وغير راغبين من الناحية العملانية على تنفيذ ما هو مطلوب منهم حسب الاتفاق، لأن في ذلك خسارتهم لنقاط ارتكاز اساسية خاصة ما بين شمال دوار الليرمون وضهرة عبد ربه، وسوف تصبح حينها معركتهم الدفاعية عن مراكزهم الحيوية في ريف حلب الشمالي الملاصق لمداخل المدينة الشمالية ضعيفة باتجاه كفرحمرة وعندان وحريتان، فامتنعوا عن الابتعاد عن طريق الكاستيلو في تلك المنطقة مما عطل هذه النقطة الاساسية من المرحلة الاولى ما اضطر الجيش العربي السوري الى استعادة تمركزه في مواقعه السابقة على الطريق المذكور .
ثالثًا: حتى ولو تم الانسحاب المتبادل عن معبر الكاستيلو كما هو مطلوب في الاتفاق، فقد ظهرت ثغرة اساسية تمثلت في عدم استعداد من سَيُدخِل المساعدات وخاصة الجانب التركي للتنسيق مع الدولة السورية، وفي عدم موافقة هؤلاء على اجراء تفتيش دقيق لهذه المساعدات للتأكد من خلوها من أسلحة وذخائر ينتظرها مسلحو احياء حلب الشرقية بفارغ الصبر لحاجتهم الماسة اليها بعد المعارك الاخيرة.
رابعًا: وهنا النقطة التي تشكل بيت القصيد في روحية الاتفاق، والتي من خلالها وافق الروس ومعهم القيادة والجيش في سوريا ودعمهم في ذلك الحلفاء، وهي فصل المجموعات المعتدلة عن الارهابية وانذارها (المعتدلة بتطبيق هذا الانفصال خلال فترة حُددت بسبعة ايام بعد تنفيذ بند ادخال المساعدات)، ليصار بعدها الى التعامل بقسوة مع من يفشل او يمتنع عن الانفصال عبر غرفة عمليات مشتركة روسية - اميركية .
حول فصل المجموعات المعتدلة عن الارهابية، لم يصدر حتى الان اي تصريح من اية جهة معنية تعتبر نفسها بتصرف الاتفاق ورعاته، وبأنها مستعدة للسير ببنوده وتجهيز نفسها للتفاوض المباشر مع الدولة السورية، ليتبين لاحقا من الوقائع ان الولايات المتحدة الاميركية قد التزمت بنقاط الاتفاق واعتبرت نفسها راعية وضامنة له من خلال سلطتها على مجموعات معينة هي عمليا غير موجودة حتى الان (اي هذه المجموعات المعتدلة) وتحاول الولايات المتحدة الاميركية ان تخلقها او ان تكتشفها من خلال مناورة الضغط المباشر او غير المباشر والتهديد بالتعرض للقصف الجوي المركز في حال لم تنفصل، مراهنة بذلك على الوقت وعلى انقسام هذه المجموعات وتفككها، ولكن حتى الان لم تظهر هذه المجموعات، أو أنها غير قادرة على التصريح بقرارها الانفصالي، خوفا من سطوة جبهة النصرة المهيمنة على اغلب المجموعات، وخوفا من خسارتها لمخصصاتها المالية (الخليجية المصدر)، وثالثا خوفا من غدر الولايات المتحدة وتخليها عنها كالعادة ...
من هنا، وبخصوص البنود المذكورة والتي هي مبدئيا واضحة، فهي لم تُنفَّذ ولا يمكن تنفيذها للاسباب المذكورة، فماذا سيكون مصير البنود السرية ودورها في الاتفاق، والتي ترفض الولايات المتحدة الاميركية نشرها، وهل هي متعلقة بوعود سرية مشروطة من قبل مجموعات محددة تنتظر متغيرات ما لتبوح بموقفها، ام هي تتعلق بالتزام من الولايات المتحدة الاميركية تحاول اخفاءه حاليا، وقد اُرغِمت عليه بعد صمود الجيش العربي السوري حول الاعتراف بدور للرئيس الاسد في محاربة الارهاب؟ ام هي تتعلق برهان اميركي يُعمل عليه حاليا لانتزاع موقف سعودي يساعد على تفكيك تلك المجموعات، وذلك نتيجة ضغوطات قانون الكونغرس حول الارهاب ومسؤولية المملكة كدولة عن مواطنيها.. منفذي عملية 11 ايلول؟