kayhan.ir

رمز الخبر: 44631
تأريخ النشر : 2016September05 - 20:26

مازال الغرب ينافق


بتنا نسمع بين وقت واخر انباء عن محاولات تبذلها الحكومات الغربية من اجل التعرف عن اسباب انتشار ظاهرة التطرف "الاسلامي” في المجتمعات الغربية، وكيفية التصدي لهذه الظاهرة التي تهدد امن واستقرار اوروبا والغرب بشكل عام.

الضجة التي تفتعلها الحكومات الاوروبية حول الاجراءات التي تتخذها لمكافحة "التطرف الاسلامي”، تبدو استعراضية ومقصودة، والهدف من هذا التضخيم، هو تعكير الاجواء لاشغال الرأي العام الاوروبي بتفاصيل لاطائل من ورائها، وابعادها عن اصل الموضوع؛ وهو لماذا سمحت الحكومات الغربية وعلى مدى اكثر من نصف قرن للفكر الوهابي المتطرف من غزو اوروبا عبر افتتاح مئات المساجد والمدارس والمعاهد والمراكز ودور النشر للترويج للفكر الوهابي، دون ادنى احساس بالمسؤولية ازاء امن واستقرار المجتمعات الاوروبية.

لم ينكشف النفاق الغربي ازاء التعامل مع ظاهرة "التطرف الديني”، الا بعد ان انتقل بعض شرر نيران الفتنة الطائفية من الشرق الى الغرب، واشعل النيران في بعض مدنه، بعد ان كان يتصور الغرب ان نيران الفتن الطائفية ستبقى محصورة في الشرق، ولا يصلها من هذا الشرق المحترق الا النفط والغاز الرخيصين.

الغرب لم يحتضن الوهابية ويسمح لها بالانتشار في ربوعه فحسب، بل كان يوفر لها كل الامكانيات وبالمجان، كما فعلت السلطات البلجيكية، عندما قدّم الملك بودوان مبنى تاريخي ضخم هديّة إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز خلال زيارة رسمية للملك السعودي إلى بلجيكا عام 1969، وبعدها تحول المبنى الى مسجد يضم مدرسة ومركز لنشر الوهابية.

من الخطأ الاعتقاد ان الغرب كان غافلا عن خطورة العقيدة الوهابية، بل على العكس تماما كان واقفا على هذه الخطورة، الا انه كان يتغاضى عنها مقابل مصالح مادية ضخمة مع الدولة التي كانت ترعى هذه العقيدة رسميا، كما كان الغرب يعتقد ان بالامكان ابعاد خطر هذه العقيدة عن مجتمعاته.

الغرب كان يرى في انتشار التطرف في العالم الاسلامي يعود له، اي للغرب بالفائدة، ومن هذه الفوائد؛ إستنزاف المسلمين بعضهم لبعض، ليكفوا "شرورهم” بذلك عن "اسرائيل”، كما ان هذا الاستنزاف يعنى في بعض جوانبه انتعاش سوق الاسلحة وبالتالي الاقتصاد الغربي، وفي المحصلة النهائية اظهار الدين الاسلامي للعالم على انه دين "متخلف دموي يتناقض مع الحياة”.

رغم الحرب في سوريا وما افرزتها من مأساة انسانية، بسبب تحالف الغرب مع الرجعية العربية، وارساله الشباب المسلم الذي تشرب القراءة المشوهة عن الاسلام في تلك المساجد والمدارس والمعاهد، الى سوريا عبر تركيا، لنشر الموت والدمار فيها، ظل الغرب يصر على اسقاط الحكومة السورية ارضاء للبلدان النفطية و”اسرائيل”، ويرفض اي حلول سياسية لاخراج سوريا من دوامة الموت العبثي، ولم يرتد جفن لهذا الغرب، امام كل جرائم الجماعات التكفيرية التي تجاوزت حدود التصور الانساني، في سوريا.

التجربة التاريخية اثبتت ان من المغامرة استخدام الارهاب كوسيلة لتحقيق اهداف سياسية او اقتصادية من قبل بعض الدول، وما اسرع انقلاب الارهاب على صاحبه، ومن انصع الامثلة على هذه الحقيقة، العلاقة الحميمة التي كانت تربط امريكا وباكستان والسعودية ب”القاعدة”، عندما كانوا جميعا يحاربون عدوا مشتركا وهو الاتحاد السوفيتي السابق، الا ان القاعدة وبعد عقد واحد من الزمن تحولت الى الد اعداء الثلاثي الامريكي الباكستاني السعودي، ووصل هذا العداء الى اغتيالات وهجمات دموية في هذه الدول الثلاث وانتهت باحداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر في امريكا.

عشرات الالاف من المسلمين الاوروبيين، الذين ارسلتهم السلطات الاوروبية الى سوريا على مدة خمس سنوات، لاسقاط الحكومة هناك، عاد المئات منهم الى بلدانهم، بعد ان مسختهم الحرب، فقاموا بالعديد من العمليات الانتحارية في اوروبا، اسفرت عن مقتل المئات من المواطنين، واصطبغت شوارع وارصفة مدن اوروبا بالدماء، كما اصطبغت شوارع وارصفة مدن سوريا والعراق من قبل.

يبدو ان مصلحة "اسرائيل” ومصالح تجار الحروب هي فوق كل مصلحة لدى صناع القرار الغربي، الذين ينافقون ويدعون كذبا مكافحتهم للارهاب، فهذه فرنسا التي شهدت اكثر من عملية ارهابية ذهب ضحيتها المئات من مواطنيها، اخرها كانت عملية دهس الاطفال والنساء في نيس في 14 تموز 2016، بشاحنة يقودها "داعشي”، يخرج علينا وزير خارجيتها جون مارك ايرولت، ليشن هجوما عنيفا، لا على "داعش” والتكفيريين، بل على روسيا وايران، لانهما، حسب قوله، يغلفان اي افق للحل في سوريا، عبر دعم الحكومة الشرعية في هذا البلد، والتي تقاتل "داعش” والقاعدة والجماعات التكفيرية الاخرى، بينما تبذل فرنسا والغرب كل ما في وسعهما من اجل اسقاط الحكومة السورية، رغم ان هذا الغرب وفي مقدمته فرنسا، يعلم جيدا ان سوريا ستكون اخطر على العالم، من ليبيا والصومال، في حال سقطت الحكومة السورية، فستتحول الى مرتع لمئات الالاف من الارهابيين.

* شفقنا