kayhan.ir

رمز الخبر: 38629
تأريخ النشر : 2016May16 - 19:01

من أجل سوريا…

ثريا عاصي

وأنت تكتب أو تقرأ عن الحرب الأميركية ـ الأوروبية التي تتعرض لها سورية منذ أزيد من خمس سنوات، يخامرك شعور بأن خلف ظهرك يقف رجل أمن سوري يراقب ما تراه عيناك وما تخطه يداك. فيخيل إليك أحياناً، انه لم يتغيّر شيء في «الدنيا السورية» أو كما كنت أسمع من جدتي عندما تتكرر نفس الأخطاء «دق المَي مَي».

من البديهي أن التيارات الوطنية والتقدمية والمتنورة في لبنان تحديداً وأنا أتعاطف معها، كانت تـُقـّيم السياسة السورية بوجه عام، سلبياً. بل كانت تعتبرها في بعض المحطات مريبة. يلزم التوضيح هنا أن هذه المقاربة تستند إلى عينة من المعطيات التي تبدّت خلال الفترة الممتدة من بدء الحروب اللبنانية إلى بدء الحروب السورية (1975 ـ 2011) . هذه المعطيات لا تزال حية في ذاكرة الجميع، وبالتالي ليس من حاجة إلى عدّها ورواية تفاصيلها.

ووضعاً للأمور في نصابها الصحيح يتوجب القول أن هذه التيارات الوطنية، أو ما كان معروفاً في لبنان تحت مسمى الحركة الوطنية، تلقت في الفترة التي سبقت الغزو الإسرائيلي 1975 ـ 1982 ضربات متتالية، ليس فقط من تكتل القوى الإنعزالية، القوات اللبنانية وِأصولِها وفروعِها، ولكن من حلفائها أيضاً، أو بالأحرى من المفترض أنهم كانوا حلفاءها. أي الفصائل الفلسطينية والقوات السورية. يحسن التذكير هنا بأن ملف لبنان، كان في عهدة السيد عبد الحليم خدام، يعاونه ضباط المخابرات وعلى رأسهم اللواء غازي كنعان. الذين تبيّن فيما بعد اتفاق الطائف في 30 أيلول 1989، انهم من أركان مشروع الشيخ رفيق الحريري في لبنان. أغلب الظن ان هذا المشروع كان يشمل أيضاً سورية . السيد خدام صار شيخاً من شيوخ الله، أما السيد غازي كنعان فلقد توفي (انتحر).

مجمل القول أن تأثير الحركات والأحزاب الوطنية في لبنان في الأوساط الجماهيرية أخذ يتراجع وينقبض تدريجياً، إلى حد أن بعض هذه الحركات حلت نفسها بنفسها، أو أن قوى الأمر الواقع مارست ضدها نوعاً من الإرهاب وصل إلى حد إغتيال عدد من الشيوعيين كمثل مهدي عامل وحسين مروة، فصارت بحكم المحظورة.

نجم عنه أن اليساريين والتقدميين أجبروا على أن يخلوا ساحة العمل السياسي الوطني، وان يلزموا الصمت. فمنهم مَن عادوا إلى ممارسة مهنهم، قبل الحرب الأهلية، ومنهم مَن هاجروا، وأعتقد أن جزءاً منهم لا يستهان به، استسلموا إلى قوى الأمر الواقع . أما الوصوليون والإنتهازيون فلم يترددوا في تبديل القطار، وانخرطوا في صفوف الحركات الطائفية والمذهبية . إشتعلت «الثورة» في لبنان على مدى سنتين 1975 ـ 1976 فولَدَت حركات وأحزاب طائفية ومذهبية وأمراء حرب فضلاً عن السعودية المالية السياسية.

أغتيل في شهر شباط 2005، رئيس وزراء لبنان الأسبق، السيد رفيق الحريري، مؤسس السعودية المالية السياسية في لبنان. فثار البركان اللبناني مرة ثانية وولد «ثورة» مشوّهة خَلقياً، استلزم بقاؤها على قيد الحياة عنايات مكثفة اجتمعت على اسدائها سفارات دول التحالف الإمبريالي الذي غزا العراق بقصد تمزيقه، بالإضافة إلى الحكومة الفرنسية، التي اغتنمت فرصة إغتيال السيد الحريري لكي تنضم إلى السرب الأميركي من جديد. في سياق هذه الفورة، إرتأى المسعفون أن يوظفوا كل ما من شأنه أن يساعدهم على بلوغ الهدف المتبقي، بعد العراق، المتمثل بتصفية المقاومة في لبنان وتهديم سورية، تمهيداً للهجوم على إيران. لذا أفسح المجال أمام اليساريين والتقدميين الإنتهازيين ليحتلوا الصدارة. فقالوا للناس أن «الثورة» المولودة هي بصحة جيدة، وان المقاومة وسورية هما من الآن وصاعداً العدوتان الرئيسيتان.

مجمل القول ان «ثورة الأرز» في لبنان، كانت تجربة ناجحة إلى درجة معينة، في استخدام اليسار الإنتهازي ضد المقاومة الإسلامية وضد سورية، باسم تصفية الحسابات والإنتقام من المقاومة الإسلامية ومن السلطة السورية.

أصل الآن إلى السؤال الجوهري في هذه المسألة. هل ان التسليم بأن الحركات والأحزاب الوطنية والتقدمية تعرضت أثناء الثمانينات لمعاملة سيئة غالباً وإجرامية أحياناً، كما اسلفنا القول أعلاه، يبرر الإنخراط في الحرب الأمبريالية الأميركية ـ الأوروبية ضد المقاومة اللبنانية وضد الدولة السورية؟ الإجابة عندي هي بالنفي. بل بالضد من ذلك، يتوجب على الوطنيين التقدميين أن يشكلوا جبهة واحدة من أجل الدفاع عن البلاد وعن الدولة الوطنية، في خندق واحد إلى جانب المقاومة وإلى جانب الجيش العربي السوري.

لعل أداء التقدميين واليساريين لواجبهم الوطني، ضد المستعمرين الجدد وضد الرجعية العربية، يكون رسالة الى الجماهير الشعبية وإلى السلطة الوطنية، تتضمن مفهوم الوطن ومفهوم القيادة السياسية، بما هي مهمة، الغاية منها رفع مستوى الوعي الشعبي ودفع عجلة التقدم والتنمية وتشجيع الاستعداد للذود عن الوطن.

خلاصة القول وقصاراه، ان الحكومة الوطنية الإنتقالية تولد على الأرض السورية من رحم جبهة المقاومة السورية التي تضمن الجيش العربي السوري وجبهة المقاومة الوطنية الشعبية السورية. بتعبير آخر ان الحكومة الوطنية السورية الإنتقالية، هي الحكومة التي تتشكل الآن أثناء الحرب ودون تباطؤ أو تردد، من المقاومين الوطنيين السوريين . الأرض لمن يحرروها. فهؤلاء رفاق الشهداء والأمناء على وصيتهم!