تورّط أميركيّ غير معلن في الشأن العراقيّ
نور الدين الجمال
يؤكد مصدر ديبلوماسيّ عربي أن ما حصل في مسألة الاستيلاء على مدينة الموصل من قبل "داعش” وبعض المتعاونين معه في الداخل العراقي، تم بالتنسيق مع جزء من الاستخبارات الأميركية العاملة في السفارة الأميركية في بغداد، وأن هذا الفريق الاستخباريّ الأميركي سُحب إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد تنفيذ العملية. ويوضح المصدر إن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن هو المكلف بإدارة الملف العراقي ويشكل طرفاً داخل الإدارة الأميركية لا ينسجم كثيراً مع سياسة الرئيس أوباما، متحالفاً مع قوى داخل الإدارة تناهض الرئيس الأميركي في كيفية معالجته بعض الملفات العالمية وبينها بالتأكيد الملف السوري والملف العراقي الذي دخلت عليه تطورات خطيرة جداً بعد عملية الموصل التي تورطت فيها الاستخبارات الأميركية.
يؤكد المصدر عينه أنه يتبين يوماً فآخر من خلال وقائع على الأرض أنّ ثمة داخل الإدارة الأميركية، بالتعاون مع الاستخبارات ومع المملكة العربية السعودية والأتراك، من يدعم التوجه نحو فرط أي حكومة يشكلها السيد نوري المالكي، وعملية الموصل هي ترجمة عملية لهذا الواقع، فبعدما فشلت مساعي تلك الأطراف المتورطة كلها في عملية الموصل لتحجيم دور المالكي من خلال الانتخابات النيابية الأخيرة وإبعاده عن تشكيل حكومة جديدة، لجأت إلى العمليات العسكرية كأنها محاولة انقلاب حقيقية تبدأ في الموصل ولا تنتهي في المدن العراقية الأخرى، لكن صورة الحوادث الراهنة تشير بوضوح إلى فشل هذا المخطط على أيدي العراقيين أنفسهم، وليس من خلال اعتمادهم على الدعم الأميركي في ضرب المجموعات الإرهابية.
يرى المصدر أن ما يحصل في العراق راهناً سبقته التجربة نفسها في سورية، فمن خلال تقاطع المصالح بين السعودية وتركيا أقيم تحالف موضوعي بين التنظيمات والمجموعات الإرهابية المتناقضة أساساً في عقيدتها، وهي تحاول إعادة التجربة في العراق، لكنها مثلما فشلت في سورية سيكون مصيرها الفشل في العراق.
في السياق نفسه يقول المصدر إن المبررات السعودية والتركية في الشأن العراقي تقوم على عنوان زائف هو أن الطائفة السنية مهمشة، والقصد من رفع هذا الشعار محاربة حكومة نوري المالكي وممارسة الضغط عليه وابتزازه سياسياً. وبالتلازم مع ذلك، حاولت الجمهورية الإسلامية في إيران استيعاب الموقف التركي من العراق في محطتين أساسيتين، الأولى عندما زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان طهران، وبعد انتهاء الزيارة بأيام قليلة حصلت العملية العسكرية من قبل الجماعات الإرهابية وبدعم تركي ميداني مباشر في مدينة كسب في ريف اللاذقية الشمالي، وهذا دليل على أن أردوغان لم يلتزم بالوعود التي قطعها أمام المسؤولين الإيرانيين. والمحطة الثانية لدى زيارة الرئيس حسن روحاني الأخيرة إلى تركيا والتي لم تسفر على ما يبدو عن نتائج سياسية إيجابية وإن اقتصرت على الشأن الاقتصادي. وبعد زيارة روحاني أيضاً حصلت عملية الاستيلاء على الموصل بدعم تركي مباشر، وسبقتها زيارة رئيس جهاز الاستخبارات التركي إلى الموصل لتحديد ساعة الصفر واستكمال مختلف الجوانب المتعلقة بهذه العملية، بما فيها التنسيق مع جماعة البارزاني هناك. والمواقف التركية هذه تعتبرها المصادر الديبلوماسية بمثابة طعنة في ظهر إيران، وسيتم التعامل معها بجدية تامة، خاصة أن الملفين السوري والعراقي هما للإيراني خطان أحمران في سياسته الخارجية وليس مستعداً للمقايضة أو المساومة عليهما.
حول الدور الأميركي في الشأن العراقي يقول المصدر إن الإدارة الأميركية مربكة إذ لا تريد إظهار تورّطها في الحوادث الأخيرة في الموصل ومناطق أخرى من العراق، ومن مؤشرات هذا الإرباك مطالبة نائب الرئيس الأميركي بايدن بإجراء حوار بين القوى السياسية العراقية تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم جاءت تصريحات الرئيس أوباما لتصب في الإطار نفسه، علماً ان ثمة اتفاقاً أمنياً بين العراق والولايات المتحدة لم ينفذ بند واحد منه وهذا يثير التساؤل والريبة، ويريد الأميركي في المقابل تأمين غطاء سياسي له عبر حوار داخلي ليتدخل ويساعد في محاربة الجماعات الإرهابية، ومن هنا كان اللقاء الذي ضم المالكي والنجيفي والجعفري والحكيم. غير أن هذه المبررات كلها التي يتذرع بها المسؤولون في الإدارة الأميركية غير مقنعة للمسؤولين العراقيين، وهدفها أولاً وأخيراً ابتزاز المالكي واستطراداً إيران لتقديم التنازلات في الملف السياسي العراقي لمصلحة المملكة العربية السعودية، وهذا ما لن يحصل!