كيف تقرأ ’اسرائيل’ التواجد الروسي في سوريا؟
شارل أبي نادر
لقد تظاهر بنيامين نتنياهو ومعه فريق عمله السياسي والامني وقسم من الاعلام الاسرائيلي المقرّب منه بأن زيارته لموسكو وإجتماعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانت مُثمِرة ، وقد تم الاتفاق على انه هناك خطوطاً حمراء وضعتها حكومة العدو وسوف تحترمها الوحدات الروسية المتواجدة في سوريا او في المحيط القريب ، وهذه الخطوط الحمراء والتي لن تقبل اسرائيل بان يتم تخطيها بتاتاً وسوف تتخذ كافة الاجراءآت العسكرية والامنية والديبلوماسية لمواجهتها دون الاخذ بعين الاعتبار التواجد الروسي المذكور، هي :
- شن هجمات أو تنفيذ عمليات ضد اسرائيل انطلاقا من سوريا .
- نقل اسلحة كاسرة للتوازن الى حزب الله من ايران عبر سوريا او من الاخيرة مباشرة .
- إنزلاق بعض الاسلحة الفعالة والتي تشكّل خطراً على وحداتها على الحدود الشمالية او الشمالية الشرقية لكيان العدو الى منظمات إرهابية (غير مضمونة الالتزام او التوجه ) حسب تعبيرمصدر في وزارة حرب العدو .
- قيام ايران مباشرة او عبرالمحور المقاوم بتحضير وتخطيط عمليات في الجولان المحتل ضد اسرائيل .
كيف تقرأ "اسرائيل” التواجد الروسي في سوريا؟
طبعا ، للوهلة الاولى تبدو هذه الجولة لنتنياهو مُثمِرة وناجحة إذا ما أخذنا بعين الاعتبارهذه الخطوط الحمراء كهواجس اسرائيلية دائمة ، وقد يكون من المنطقي حسب معادلة العدو ان توافق عليها القيادة الروسية التي تتميز بالواقعية الديبلوماسية وبالتفهم لهذه الهواجس ، ولكن ما لم يذكره فريق عمل نتنياهو وما لم يتطرّق اليه الخبراء العسكريين الاسرائيليين والذين غالباً ما تأتي تحليلاتهم خدمة لسياسة وزارة حرب العدو ولتوجيهات الموساد واجهزة أمن المؤسسة العسكرية والجيش والامن القومي ، هو حجم التقييدات الميدانية والعسكرية والامنية التي سوف تُفرض على جيش العدو الاسرائيلي بطريقة غير مباشرة واحياناً مباشرة جراء التواجد العسكري الروسي في سوريا .
تعلم اسرائيل جيدا وعبر قنواتها الديبلوماسية والامنية في الولايات المتحدة وفي أغلب الدول الغربية وحتى في روسيا ، بان الاخيرة تُعطي اهمية قصوى لمكانتها العالمية من كافة النواحي وبان الروس يعتبرون بان سيادتهم بشكل عام هي خط أحمر ...أحمر بكل ما للكلمة من معنى ، ولديهم اي الاسرائيليين معلومات مستفيضة عن الكبرياء الروسي ما وراء البحار عندما كانوا يخاطرون بسلامة خِيرة بحارتهم في غواصاتهم النووية والاستراتيجية التي كانت تتعرض احيانا لحوادث مختلفة ، بعدم طلب المساعدة من سفن وغواصات غربية في بحر الشمال مثلا حفاظا على سرّية تِقنياتهم وقُدراتهم البحرية والتي يعتبرونها من ضرورات الامن القومي الروسي والزامياته ، ولدى العدو ايضا معلومات عن معنى ومغزى إقدام الروس على تنفيذ عملية إقتحام على إرهابيين شيشان إحتجزوا اكثر من 850 رهينة في مسرح موسكو عام 2003 مستعملين غاز كيميائي شكل جدلا وانتقادا دوليا واسعا ، وكان ردُّهم المختصر بعد مقتل أغلب الارهابيين الشيشان وحوالي 130 رهينة ، بانه لا مجال للمناورة في هكذا اوضاع والسيادة الروسية مقدسة وعدم الخضوع للارهابيين خط احمر ، كما لدى هذا العدو ايضا ملفاً كاملاُ عن حالات جدية لاكثر من اعتراض في البحر الاسود او على مياه او في اجواء بحر البلطيق لطائرات وسفن اميركية واوروبية لامست او بالكاد كادت ان تلامس حافة المياه الاقليمية الروسية و ذلك من قبل القاذفات الروسية التي تعلم اسرائيل جيدا ايضا ان شعاع بقعة العمل والتدخل اوبقعة التاثير اودائرة الحماية لهذه القاذفات يعتبر كبيراً نسبياً مقارنة مع المُتعارف عليه في القوانين الدولية وقوانين البحار وحدود السيادة الاقليمية والشخصية للدول بشكل عام ، وهم يتذكرون جيدا ومعهم الاميركيون طبعاً التصرف الروسي الصاعق في اوكرانيا وامتدادا الى شبه جزيرة القرم رداً على جُنوح مسؤولي هذه الدولة في عدم احترام مصالح روسيا التاريخية والقومية والحيوية .
في العمق ، يبرز في الكواليس الاسرائيلية حجم التغيير المُفترض الذي سوف يحدث في طريقة ومدى عمل جيش العدو في منطقة كانت ولفترة خلت ونتيجة الحرب الارهابية المفتوحة على سوريا ، وبسبب سيطرة حالة من عدم التوازن العسكري في هذه الدولة ، منطقة مفتوحة بشكل واسع تقريبا لوحدات اسرائيل الجوية والبحرية والاستعلامية بكافة اشكالها المخابراتية والتقنية وغيرها ، وحيث انها كانت تلعب دورا ليس بعيدا وحتى في احيان كثيرة دورا مباشرا في دعم الارهابيين بمواجهة الجيش السوري وحلفائه من خلال المعلومات الاستخبارية ومن معطيات الرصد والمراقبة الجوية عن نقاط انتشار وتمركز وانتقال وحدات هذا الجيش وحلفائه ، ومن خلال اسعافاتها الميدانية الفعالة لجرحى هؤلاء في الجنوب السوري ، وايضا من خلال قيامها بقصف اكثر من موقع للجيش السوري من تلك التي كانت وما زالت تشكل عثرة واضحة امام الارهابيين في حربهم المكشوفة ومحاولاتهم المتعددة للوصول الى جنوب دمشق الذي يشكًل صخرة استراتيجية حصينة في حماية العاصمة والدولة السورية بشكل عام .
واخيراً ، مما لا شك فيه ان التواجد الروسي في سوريا ، وتِبعاً لكافة المعطيات والوقائع الميدانية والعسكرية ، هو مُتجه نحو التوسع في المكان وفي الامكانيات والقدرات وايضا في الاهداف والمهمات ، وقد بدأت ملامح تأثير هذا التواجد تظهر من خلال الضربات الجوية النوعية مؤخرا على الجبهات السورية مع الارهابيين وخاصة في تدمر ودير الزور والرقة وعلى المعابر التي تصل هذه المناطق ببعضها ، ومن خلال التغييرات الميدانية المرتقبة في حلب وشرقها وخاصة في مطار كويرس وفي تدمر ومحيطها لصالح الجيش السوري وحلفائه ، وقد يكون هذا من اهم التداعيات السلبية بالاضافة للتقييدات الميدانية والعسكرية والإستعلامية التي ستطال نطاق عمل جيش العدو الاسرائيلي في هذه الفترة القادمة.