kayhan.ir

رمز الخبر: 26324
تأريخ النشر : 2015September20 - 19:47

حدود وآفاق التواجد الروسي في سوريا

شارل أبي نادر

لم يكن قد مضى على توقيع الرئيس الروسي على العقيدة العسكرية الجديدة التي سميت "عقيدة بوتين" شهراً حتى سيطرت القوات الروسية على شبه جزيرة القرم والتي كانت تتبع ادارياً وسياسياً لاوكرانيا، وقد اختصر حينها القيصر ردوده على الجنون الذي أصاب الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية بسبب هذه السيطرة بقوله "إن الدب الروسي لا يستأذن احداً فهو سيد غابات التايغا عندنا ولن يتنازل عن حقه في المنطقة الخاصة به خصوصا في ظل تكاثر غابات التايغا في سهول شبه الجزيرة التي عادت اليوم الى الوطن".

من بين الـ 14 بنداً اساسياً في هذه الوثيقة "العقيدة"، كان بند مواجهة الخطر المحتمل من الفوضى في انتشار أسلحة الدمار الشامل وحيث حددت الوثيقة بان الشرق الاوسط من ضمن المناطق الاكثر خطرا في ذلك، ليكون هذا البند متمماً او ملحقاً ببند اساسي يتعلق باستراتيجية ضرورة محاربة الارهاب والتطرّف خارج الحدود، وقد تأخر قليلا في إجراءآته لتطبيق هذا البند ميدانياً الى ان شوهدت مؤخراً حركة إنزال عتاد عسكري متنوع في القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس وبدأت طائرات "انتونوف 124" تحطّ في مدرج إضافي لمطار اللاذقية السوري تم تحديثه مؤخراً، ناقلة مجموعة ضخمة من الدبابات ت 90 المتطورة وناقلات جند مدرعة حديثة وذخائر وصواريخ وقذائف مدفعية ميدان بعيدة المدى، وصواريخ كورنت مضادة للدروع.

كما أرسلت مجموعة من الطوافات الجديدة التي لم يعلم بها الاميركيون ولم يشاهدوها إلاّ في اللاذقية، مجهزة بصواريخ جو - أرض حديثة، شهدت الجبهات بين الجيش السوري والارهابيين بعضاً من فعاليتها؛ وكان آخرها في محافظة الرقة حيث استهدفت مراكز لتنظيم داعش بطريقة دقيقة وعنيفة قال عنها مراقبون ان نتائجها غريبة ولافتة، وهذه الاسلحة والتجهيزات العسكرية الكبيرة تمت مواكبتها بعدد كبير من الخبراء العسكريين الروس ومن اختصاصيين لتدريب الجيش السوري عليها، ولم تتمكن أية جهة مراقبة من تحديد او تقدير هذا العدد الذي تكتّمت المصادر العسكرية الروسية والسورية عن البوح به، بالاضافة الى وجود عدد كبير من المهندسين المدنيين والعسكريين الروس المتخصصين بتحديث المطارات العسكرية وتوسيع مدارجها ومنشآتها يعملون ليل نهار في مدينة جبلة الساحلية بين بانياس واللاذقية على مشروع مطار صالح ليكون قاعدة عسكرية جوية كبيرة.

سوريا وروسيا

هذه الترتيبات والإجراءآت العسكرية الروسية جاءت تطبيقاً لِخيار وسط اعتمدته روسيا - حتى الآن - يقضي بإعادة هيكلة المنظومة العسكرية السورية من خلال تحديث ترسانة الاسلحة الفعالة (طوافات ومدرعات ومنظومات صواريخ مضادة للدروع وصواريخ متوسطة المدى)، وحيث ابتعدت عن الخيار الاعمق بنشر وحدات عسكرية بتشكيلات مكتملة براً وبحراً وجواً - اقلّه حاضراً - حسب ما صرّح نائب رئيس الاركان الروسي نيكولا بوغدانوفسكي بانهم لا يخططون حالياً لِبناء قواعد عسكرية جوية في سوريا حتى اليوم ولكن اي شيء يمكن ان يحدث في المستقبل.

بالمقابل ، لم تختَر روسيا بتاتاً البقاء بعيدة "تتفرج" على التدخل العشوائي والمفتوح لِقوى ووحدات غربية واقليمية مباشرة او غير مباشرة عن طريق عملاء أو ما شابه في سوريا، كما لم تهضم كثيرا المسرحية الاميركية التي عُرِضت في مباني الكونغرس عند مناقشة البرنامج الاميركي لتدريب عناصر معارضة سورية لمواجهة داعش، وما قاله الجنرال لويد أوستن قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط عن ان 4 أو 5 عناصر من الذين دربناهم فقط يقاتلون داعش، وحيث اعلن تعليقاً على ذلك السيناتور الجمهوري جيف شينسر بان ذلك يعتبر فشلاً كاملاً، وأردفت السيناتورة الجمهورية كيلي أيوت بان الامر لا يعدو كونه مزاحاً سمجاً، ولقد كانت الصدمة كبيرة ايضا لدى الروس عندما علِموا أنه يتمّ في وزارة الحرب الاميركية دراسة ثلاثة خيارات، يقضي أولها بنشر 12 مقاتلاً من هؤلاء المتدربين في شمال سوريا بين "مارع" و "جرابلس" شمال حلب لتوجيه طائرات التحالف على اهداف للتنظيم الارهابي داعش، ويقضي الثاني بدمج هؤلاء مع قوات اكبر عدداً كألاكراد مثلاً، أما الخيار الثالث فيقوم على تمرّكز هؤلاء (أشباه رامبو الاميركي) في الجنوب السوري قرب درعا .

واخيراً، كانت الاسلحة الروسية الفعّالة والنوعيّة والتي تظهر بشكل مفاجىء في ميادين ومعارك معينة، كاسرة للتوازن أقلّه التكتيكي أو مُسببة لصدمة قوية في تلك الميادين حيث يكون استعمالها حاسماّ ويشكّل نقلة نوعية لافتة في توجيه اتجاهات المعركة لصالح من يستعملها، ونذكر منها الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف من نوع سام 7 والتي لعبت دورًا صاعقًا في حرب اكتوبر 1973 بين العرب والعدو الاسرائيلي، ونذكر ايضا طوافة الدعم والقتال (مي 24) والصاروخ توس، والتي صنّعتهما خصيصا لمعاركها في جبال ومغاور افغانستان في ثمانينات القرن الماضي وكان لها الدور الفعّال في حسم تلك المعارك.

ولا يمكن ان ننسى الصاروخ المضاد للدروع كورنت الذي لعب دورًا اساسيًّا في هزيمة العدو الاسرائيلي في حربه على لبنان عام 2006 ومجزرة الميركافا التاريخية في حينها، كما لا يمكن ان نتجاوز ما سبّبه من تغيير في معادلة الحرب البرية على اليمن، الصاروخ الباليستي الروسي من نوع توتشكا والذي استعمله الجيش اليمني ضد قوات العدوان الخليجي في منطقة صافر لناحية مأرب، فهل سنشهد في الايام القليلة القادمة سلاحًا روسيًّا نوعيًّا جديدًا سيستعمله الجيش العربي السوري وسيكون حاسمًا في حربه ضد الارهاب؟